أسرار الارتفاعات الجنونية لـ”بيتكوين” وموعد “انهيارها” القادم

البيتكوين

لم تشهد عملة أو بورصة، على مر التاريخ، ارتفاعات قياسية مشابهة لتلك التي وصلت إليها قيمة عملة “بيتكوين” الإلكترونية، خلال الأشهر الأخيرة، في حدث أثار ضجة كبيرة وجدلاً حول جدوى ومستقبل الاستثمار في هذه العملة.

ولا يخفي خبراء الاقتصاد وحتى المستثمرين في البيتكوين مخاوفهم من الانهيار المفاجئ للعملة الإلكترونية بعد صعودها المفاجئ أيضاً، الأمر الذي لو حدث فسيخلف وراءه خسائر بالمليارات ستسبب حتماً انهيارات مالية لعدد كبير من الشركات والمستثمرين الذين أنفقوا رؤوس أموال هائلة لتحقيق أرباح من وراء هذه العملة.

وارتفعت قيمة البيتكوين منذ ظهورها عام 2008، معتمدة على حركة العرض والطلب وقبول التعامل بها في الشركات الكبرى والبورصات العالمية، فبدأ سعرها بـ0.001 دولار، قبل أن تصعد عام 2011 إلى 30 دولاراً.

وبحلول عام 2012، سمحت مؤسسات كبرى بقبول التعامل بالبيتكوين، بينها جامعة “كمبري” البريطانية، وشركة “وورد برس”، لتتخطى قيمة العملة 100 دولار، قبل أن يصل سعرها نهاية العام الماضي إلى نحو 1000 دولار.

وبعد منتصف العام الحالي، بدأت القفزات الهائلة في قيمة العملة، لتتخطى حاجز 1000 دولار وتصل إلى 1700 دولار، ثم 5 آلاف دولار قبل أن تتجاوز 15 ألف دولار وتصل اليوم إلى قرابة 17 ألف دولار.

ولعل ما أسهم في رفع قيمة هذه العملة، خلال الأشهر الأخيرة، بدء تداولها في بورصات عالمية؛ فمطلع الشهر الجاري، أعطت هيئة تنظيم التداول الأمريكية الفيدرالية، للمرة الأولى، الضوء الأخضر لشركة “سي إم إي غروب”، المسجلة ببورصة “وول ستريت”، للبدء في إصدار عقود آجلة مقومة بالعملة الرقمية بيتكوين.

وفي ليلة 11/10 ديسمبر الماضية، بدأت بورصة شيكاغو بورد أوبشنز إكستشينج “سي بي أو إي” (إحدى البورصات الرئيسة في مدينة شيكاغو الأمريكية)، عمليات التداول بالعملة الرقمية في عقود آجلة.

ونقل موقع هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” عن بوب فتسيمونس، من شركة “ويدبوش” للأوراق المالية، أنه تم إجراء نحو 150 صفقة خلال الدقائق القليلة الأولى من تداول العملة في البورصة، مضيفاً أن “الأمور هادئة”.

– سر الصعود الجنوني

ولكن هذا الصعود الجنوني لـ”بيتكوين” لا يرجع فقط إلى بدء تداولها في بورصات عالمية وقبولها بشركات عملاقة، فمحدودية عدد الوحدات المعروضة للبيع من هذه العملة وحجم الطلب المرتفع بتسارع عليها هما السبب الرئيس لتحليق قيمتها.

وعن ذلك، يقول رشاد عبدو، أستاذ الاقتصاد في جامعة القاهرة ورئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية: إن “التفاوتات في أسعار العملة الرقمية ضخمة والقفزات كبيرة جداً، وهذا يرجع إلى أن عدد الوحدات المطروحة منها (16 مليوناً و700 ألف وحدة) قليلة مقارنة بحجم الطلب الكبير جداً”.

ويضيف عبدو، في تصريحات متلفزة: أن “ارتفاعات قيمة العملة أكبر من الطبيعي؛ بسبب الفجوة الهائلة بين العرض والطلب”.

ويشير إلى أن الناس وبعض المستثمرين يبحثون عن الأرباح الحادة في مدى زمني قصير، وهذه العملة ارتفعت قيمتها من 1000 دولار في بداية العام إلى أكثر من 17 ألف دولار حالياً، وباتت مُغرية بالنسبة لهم؛ لذلك يزداد الطلب عليها.

ويتوقع عبدو أن تصعد قيمة العملة الرقمية بشكل أكبر مما هي عليه الآن؛ بسبب تواصل أطماع المستثمرين التي ستزيد الطلب عليها.

إلا أن الخبير الاقتصادي يعتقد أن الارتفاع القائم والمرتقب للعملة الرقمية سيتبعه حتماً انهيار مفاجئ وسريع، سيهوي بقيمتها أمام العملات الحقيقية.

ويقول: “ما دام هناك ارتفاعات في قيمة البيتكوين فسيتواصل إقبال الناس عليها، وخاصة المستثمرين المخاطرين الذين يفضلون الربح دون النظر إلى درجة المخاطرة”.

ويضيف: “لكن، إذا حدثت أي أزمة لهؤلاء المستثمرين أو في حال ثبتت قيمة العملة فستبدأ عمليات التخلي عنها وبيعها، وعندها ستصبح نسبة العرض أكثر من الطلب، وستتحول قفزات البيتكوين نحو الأعلى إلى انهيارات مفاجئة وفي مدى قصير”.

وخلافاً للمبررات الطبيعية لهبوط قيمة العملة، فإن هناك مخاوف من أن يتفق كبار المتعاملين فيها على بيع حصصهم بشكل مفاجئ والاكتفاء بما حققوه من أرباح، وهذا سيعني انهيار قيمة العملة خلال ساعات فقط.

وفي هذا الصدد، يقول أرون براون، المدير العام ورئيس قسم أبحاث السوق المالية السابق بشركة “أي كيو آر كابيتال” الأمريكية لإدارة الاستثمارات، في تصريحات صحفية: “يمتلك نحو ألف شخص 40% من البيتكوين وقد يدفعهم ارتفاع الأسعار الحالي إلى بيع نحو نصف حصصهم من البيتكوين؛ ما سيتسبب في هبوط حاد بقيمتها”.

مخاطر “البيتكوين” الواضحة حذرت منها أيضاً رابطة صناعة العقود الآجلة الأمريكية، التي تضم بعض كبريات شركات الوساطة في مجال المشتقات المالية.

وانتقدت الرابطة، في بيان لها، قرار لجنة تداول السلع والعقود الآجلة الأمريكية بالسماح بتداول العملة الرقمية في بورصة شيكاغو بورد أوبشنز إكستشينج “سي بي أو إي”، معتبرة أن اللجنة لم تولِ المخاطر التي تتضمنها تلك الخطوة اهتماماً كافياً.

كما حذر بنك إنجلترا المركزي من العملة الإلكترونية، في ظل الارتفاع الجنوني المتسارع بأسعارها، خلال الأشهر الماضية.

وقال البنك، في بيان له، الأسبوع الماضي: “يجب أن يتوخى المستثمرون الحيطة والحذر حيال عملة البيتكوين”.

– لن تكون عملة رسمية

كينيث روغوف، أستاذ السياسة العامة والاقتصاد بجامعة هارفارد وكبير الخبراء الاقتصاديين سابقاً بصندوق النقد الدولي، يرى أن هناك أسباباً أخرى للانهيار المرتقب لعملة “البيتكوين” تتعلق بالمنظومة الدولية.

ويقول روغوف، في تصريحات لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي): إن “المجتمع الدولي سيضيّق الخناق على هذه العملات الرقمية، ولن تصبح عملة رسمية ومطابقة للقوانين، حتى في الدول التي بذلت قصارى جهدها لتشريع استخدام البيتكوين، مثل اليابان وأستراليا؛ لأن الحكومات لن تسمح للناس بإجراء معاملات مالية ضخمة من خلال طرق لا يمكن تتبع أطرافها”.

ويضيف: “أستبعد تماماً أن تهيمن العملة الافتراضية المشفرة على التعاملات المالية، وأن يتوقف الناس عن دفع الضرائب. فالحكومات هي التي تسن القوانين، وبإمكانها أيضاً أن تغير هذه القوانين؛ حتى تمنع تداول العملة”.

ويتابع: “النقطة الفارقة هي التوقيت الذي ستسحب فيه الحكومات البساط من تحت أقدام العملات الافتراضية. ولكن هذا سيتطلب بعض التنسيق الدولي”.

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن