“إسرائيل” تخشى “مهندساً جديداً” في الضفة المحتلة

جيش الاحتلال

في خضم انشغال قوات الاحتلال الإسرائيلي بمطاردة الشهيد أحمد جرار، منفذ عملية مستوطنة “حفات جلعاد” قبل نحو شهر، والسعي للوصول إلى عبد الكريم عادل عاصي، الذي نفذ عملية الطعن عند مفترق مستوطنة “أريئيل”، تبين أن الهاجس الحقيقي الذي يقض مضاجع أجهزة أمن الاحتلال يتعلق بالخوف من ظهور “مهندس فلسطيني” جديد، يواصل أو يطلق من جديد عمليات تفجيرية وفدائية تعتمد على صنع عبوات ناسفة متطورة، كالتي كان يعدها الشهيد يحيى عياش، قبل أن تتمكن قوات الاحتلال من اغتياله بعبوة ناسفة زرعت في هاتفه المحمول في الخامس من يناير/ كانون الثاني 1996.

ولفت المراسل العسكري لصحيفة “هآرتس”، عاموس هارئيل، في تقرير أمس الجمعة، سعى من خلاله إلى تلخيص الأحداث والمواجهات الأخيرة في الأسبوعين الماضيين في الأراضي المحتلة والتي ارتقى فيها 14 شهيداً فلسطينياً، وقتل فيها مستوطنان، إلى أن جهاز الاستخبارات الإسرائيلية العامة “الشاباك” وسلطات الجيش “تابعت بقلق التطورات في قضية أخرى تتعلق بكشف السلطة الفلسطينية عن عبوات ناسفة كانت قد زرعت على جانب أحد الطرق الرئيسية في منطقة جنين”.

وبحسب هارئيل، فقد “شنت أجهزة أمن السلطة الفلسطينية إثر ذلك حملة اعتقالات ضد من تعتبرهم متورطين في هذه القضية، التي تشكل مؤشراً ودليلاً أولياً، بعد سنوات طويلة، يؤكد ظهور مهندس لتصنيع العبوات الناسفة يتمتع بقدرات عالية جداً نسبياً، في الضفة الغربية المحتلة”.

ورأى هارئيل أن الدمج بين مختلف الأحداث الأخيرة، إلى جانب العدد المرتفع للقتلى، هو ما دفع برئيس أركان جيش الاحتلال، الجنرال غادي أيزنكوت، إلى اتخاذ قراره بالدفع بقوات إضافية إلى الضفة الغربية المحتلة، مع زيادة ثلاث كتائب، وذلك بفعل مخاوف أجهزة الأمن الإسرائيلية من احتمالات التصعيد في الأيام القريبة.

وما يخشاه الاحتلال في هذه الحسابات هو خطوات احتجاج فلسطينية شعبية، تدمج بين التظاهرات الكبيرة والحاشدة وبين محاولات تنفيذ عمليات ضد الاحتلال، علماً أن التنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية لا يزال مستمراً بالرغم من التوتر في العلاقات السياسية. وتأتي هذه المخاوف الإسرائيلية، لتؤكد صحة ما ذهبت إليه تقديرات الجيش الإسرائيلي، مطلع العام الحالي، والتي وضعت الصراع مع الفلسطينيين في المرتبة الثانية من حيث التهديد العسكري لإسرائيل، لكنها أشارت، في الوقت ذاته، إلى أن الحلبة الفلسطينية هي الأكثر قابلية للاشتعال، وفرض جبهة ساخنة ضد الاحتلال، مع إشارة إلى احتمال اندلاع المواجهة في قطاع غزة، على خلفية الأزمة الإنسانية الهائلة التي يعيشها القطاع وتنذر بانهياره كلياً.

ومع ذلك، فإن تقديرات سابقة لم تسقط احتمالات قيام حركة “حماس” بمحاولة تفجير المواجهة بالذات في الضفة الغربية المحتلة، من خلال تفعيل خلاياها الموجودة هناك، بالرغم من أن وسائل الإعلام الإسرائيلية تنقل يومياً أنباء مداهمات ليلية لقرى وبلدات فلسطينية، سواء كانت في المنطقة “سي”، الخاضعة كلياً للاحتلال، أم في المنطقة “أ” التي يفترض أنها تقع تحت كامل الصلاحيات المدنية والأمنية الفلسطينية، واعتقال نشطاء يتلقى الاحتلال معلومات عن كونهم يتبعون لحركتي “حماس” أو “الجهاد الإسلامي”.

مع التعويل بشكل تام ومعلن، من قبل الاحتلال، على ضبط “النظام العام” في البلدات الفلسطينية المختلفة من قبل أجهزة الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية، ومنع هذه الأجهزة الفلسطينيين من الاقتراب والوصول إلى مناطق التماس في الضفة الغربية، أو الاقتراب من الحواجز العسكرية لجيش الاحتلال.

ويبدو أن هذه المعادلة التي نجحت لغاية الآن، قد تفقد صلاحيتها في حال استمرت حالة الغليان والاحتقان داخل الضفة الغربية المحتلة، مع توالي سقوط الشهداء، لا سيما داخل المدن الفلسطينية، مثل الشهيد خالد التايه، الذي سقط في مواجهات مع قوات الاحتلال داخل مدينة نابلس، وليس خلال محاولة تنفيذ عملية فدائية خارج البلدات الفلسطينية في الضفة عند مشارف إحدى المستوطنات، أو خلال محاولة مهاجمة حاجز عسكري إسرائيلي.

وتنذر حالة الاحتقان باندلاع غضب عارم في حال واصل المستوطنون اعتداءاتهم على الفلسطينيين، خصوصاً في القرى المحاذية للبؤر الاستيطانية، وتصعيد الاحتلال من خطوات تضييق الخناق على حركة الاقتصاد الفلسطيني في الضفة الغربية المحتلة، مع تشديد قوات الأمن الفلسطينية قبضتها، تحت مزاعم تثبيت الأمن الوطني الداخلي ومطاردة عناصر “حماس” و”الجهاد الإسلامي”، مقابل التهاون في تسهيل عمليات الاقتحام المتكررة التي يقوم بها الاحتلال، والتي لا تتصدى لها هذه الأجهزة، بل تثير ردود فعل ومواجهات عفوية للمواطنين من مختلف الأطياف، وهي ما يخشى الاحتلال أن تتحول إلى حالة مواجهة شعبية متكررة، على غرار ما حدث في نابلس وحلحول أخيراً، مع عدم قدرة الأمن الفلسطيني على مواجهتها، خصوصاً إذا كان اندلاعها نتيجة لاقتحام قوات إسرائيلية للبلدات والقرى الفلسطينية بحثاً “عن مطلوبين للاحتلال”.

وأكثر ما يخشاه الاحتلال في هذا السياق، رغم تعويله الكبير على دور الأجهزة الأمنية الفلسطينية، هو ظهور حراك شعبي، عابر للفصائل، قد يتطور إلى غليان شعبي مصحوب بعمليات عسكرية، أخطرها عمليات إطلاق نار على الجنود ومركباتهم، كالتي سادت خلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية، من جهة، وتمكن “حماس” وفصائل أخرى من تنفيذ عمليات فدائية داخل إسرائيل وعند مشارف المستوطنات ومحطات نقل الجنود في الأراضي المحتلة، والعودة لنمط زرع العبوات التفجيرية الناسفة، بالإضافة إلى تواصل العمليات الفردية، أو التظاهرات الشعبية السلمية التي سرعان ما تتحول إلى مواجهات موضعية، في مختلف محافظات الضفة الغربية، تستنزف قوات الاحتلال.

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن