إسرائيل.. 7 عقود من تجاهل “القرارات الأممية”

فلسطين في الامم المتحدة

طوال سبعة عقود دأبت سلطة الاحتلال الإسرائيلي على تجاهل القرارات الأممية المتعلقة بقضية فلسطين، وهو ما جعل غالبية هذه القرارات مجرد حبر على ورق، أو مجرد انتصارات معنوية للفلسطينيين لم تمنع آلة الاحتلال من الاستمرار في التهام الأرض والتاريخ.

ومنذ إعلان قيام دولة “إسرائيل” في مايو 1948، اعتمدت هذه الدولة المصطنعة وغير القانونية في قيامها وتمددها وتعزيز وجودها على دعم سياسي وعسكري متواصل من الولايات المتحدة ودول غربية أخرى.

وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن ساحة لصراعات سياسية كبيرة بين المحتلين وأصحاب الأرض، وقد خرجت منهما قرارات تنتصر للفلسطينيين، غير أن تنفيذ هذه القرارات لم يكن ممكناً في ظل غياب رغبة الدول الكبرى في إجبار سلطات الاحتلال على تنفيذها.

مؤخراً، كان مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة، ساحة صراع جديد بعد إعلان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في السادس من الشهر الجاري، اعتراف بلاده رسمياً بمدينة القدس المحتلة عاصمة لدولة الاحتلال، وهو قرار دأب الرؤساء الأمريكيون على إرجائه لعقود.

وتمثل مدينة القدس لبّ الخلاف الحالي بين المحتلين وأصحاب الأرض؛ إذ تعمل “إسرائيل” على جعلها عاصمة أبدية ودينية لها، في حين تتمسك السلطة الفلسطينية بالجزء الشرقي من المدينة عاصمة لدولتهم المستقبلية، وفق ما نصّت عليه القرارات الأممية.

وبعد أن تصدى “الفيتو” الأمريكي، الاثنين 18 ديسمبر 2017، لمشروع قرار تقدمت به مصر لمجلس الأمن سعياً لإلغاء القرار الأمريكي الأخير بشأن المدينة، جاءت الضربة من الجمعية العامة للأمم المتحدة بالتصويت، الخميس 21 ديسمبر 2017، لمصلحة قرار تركي يمني، يجعل الاعتراف الأمريكي باطلاً ويمنع بقية الدول من اتخاذ قرارات مماثلة.

وصوتت الجمعية على القرار بغالبية 128 صوتاً مقابل رفض 9 أصوات، في حين امتنعت 35 دولة عن التصويت.

مشروع القرار الذي أقرته الجمعية العامة يؤكد اعتبار مسألة القدس من قضايا الوضع النهائي، التي يتعيّن حلها عن طريق المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وفقاً لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة.

ماذا بعد؟

الرفض الكبير للقرار والتهديدات التي أطلقتها واشنطن قبيل التصويت عليه، يجعلان الآثار الفعلية له محل تساؤلات؛ إذ يحفل تاريخ القضية بقرارات كانت تصب في مصلحة الفلسطينين لكنها لم تنفذ على الأرض، ولم تتخذ الدول تحركاً قوياً (عسكرياً)، لإنفاذ هذه القرارات.

وبعد ماراثون سياسي وتلاسن وتصريحات وتصريحات مضادة، يبقى السؤال الأهم والأكثر واقعية هو: ما الذي سيحدث على الأرض بعد أن تصدّت الجمعية العامة للخطوة الأمريكية؟

مجلس الأمن الدولي أصدر نهاية 2016 قراراً “يجرم التوسع الاستيطاني في فلسطين”، ويلزم سلطات الاحتلال بـ”التوقف الفوري عنه”، وهو القرار الذي لم يعره الاحتلال أي اهتمام، حتى إن التوسع الاستيطاني قد تضاعف في الفترة التي تلت القرار.

الإدارة الأمريكية قالت إنها حرّة في اختيار مواقع سفاراتها، وإنها ستشرع فوراً في نقل سفارتها من “تل أبيب” إلى القدس، وقد أعلن وزير الخارجية، ريكس تيلرسون، أن الأمر قد يستغرق عامين.

وبالعودة للخلف، فإن ثمة قرارات واضحة من مجلس الأمن والجمعية العامة كانت تقضي بانسحاب قوات الاحتلال من الأراضي التي احتلتها في حرب يونيو 1976، وهي قرارت لم تُنفّذ ولم تجد من يتحرك لتنفيذها، على عكس قرارات مماثلة اتخذت ضد دول أخرى كالعراق مثلاً، وتم تنفيذها بالقوة وبسرعة البرق.

هذه القرارات تبدو أقرب للمسكن إن لم تكن دواءً مغشوشاً لأزمة فشلت السياسة في حلها على مدار سبعة عقود كاملة، وهي تؤكد ما سبق أن قاله الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، بعد احتلال “إسرائيل” لشبه جزيرة سيناء المصرية عام 1976، من أن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة.

يقول الحقوقي في منظمة العفو الدولية، سامي أحمد: إنه “لا بد من الفصل بين أمرين مهمين جداً؛ وهما محاولة شرعنة أو الاستناد إلى قرارات المؤسسات الدولية كالأمم المتحدة، وبين التغير الديمغرافي الذي تقوم به أمريكا والكيان الصهيوني على الأرض”.

ويتابع: “اتفاقات السلام التي تمت كانت تحت رعاية الأمم المتحدة، وهي تستد إلى شرعية هذه المؤسسة وكل المؤسسات التابعة لها، ولكن الوضع على الأرض مختلف تماماً؛ فلم تحترم أمريكا أو الكيان الصهيوني أياً من القرارات التي تدين الكيان”.

ولفت إلى أن “المرحلة الحالية صنعت شرخاً كبيراً خاصة بين الحلفاء الغربيين للولايات المتحدة؛ لما لخطورة القرار الأخير بشأن القدس على السلم العالمي، والذي قد تدفع ثمنه أوروبا”.

وتوقع أحمد أن “تستمر الإدارة الأمريكية في الوفاء بوعودها وهذا ملاحظ بشكل كبير، خاصة أن هناك مباركة حالية من بعض الدول العربية، سواء بشكل ظاهر أو خفي، خاصة أن الأمة تمر بحالة من الضعف الذي يستغله الكيان الصهيوني بشكل كبير، دون مراعاة لأي اعتبارات دولية أو سياسية”.

تاريخ من التجاهل

منذ عام 1947 أصدرت الأمم المتحدة بأهم أجهزتها؛ مجلس الأمن والجمعية العامة، عدة قرارات بشأن الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، والانتهاكات التي مارستها حكومات “تل أبيب” المتعاقبة ضد الفلسطينيين عامة، وضد مدينة القدس على وجه الخصوص.

ويمكن الحديث عن القرارات المصيرية في هذا الصراع، والتي كان أولها في 29 نوفمبر 1947، عندما أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار (181)، المعروف بـ”قانون التقسيم”؛ والذي أقرّ تقسيم الأرض الفلسطينية إلى دولة عربية وأخرى يهودية، مع وضع مدينة القدس وبيت لحم والأراضي المجاورة تحت وصاية دولية.

ورغم أن القرار 181 حمل بين طيّاته استحالة تنفيذه من الجانب العربي، فقد أصبح لاحقاً، وخاصة بعد اتفاقية “أوسلو” (سبتمبر 1993)، مطلباً للسلطة الفلسطينية والدول العربية، ومع ذلك لم تلتزم دولة الاحتلال بتنفيذه.

ونص القرار على إقامة دولة “إسرائيل” على 56 بالمئة من أرض فلسطين، رغم أن سكان هذا القسم من العرب يعادل عدد سكانه من اليهود، أو يقل عنه بـ1 في المئة، وملكية الأرض التي بحوزة العرب في ذلك الجزء تزيد على 90 بالمئة، فضلاً عن كل ما له علاقة بالأبنية والزراعة والصناعة والتجارة.

ورغم عدم اعترافه بالقرار فإن ديفيد بن غوريون، أول رؤساء إسرائيل، اتخذ منه مرجعاً شرعياً دولياً لـ”إعلان قيام دولة إسرائيل”؛ بعدما نزع منه البعد المتعلق بوجود “دولة لليهود” في فلسطين، ومضى يرفض الاعتراف بالدولة الأخرى (الفلسطينية) التي نص عليها القرار.

وكأي قرار مثله، لم تخضع سلطات الاحتلال لتنفيذ القرار 181، ولم تجد حتى اللحظة من يجبرها على التنفيذ بالقوة، وخلال عقود من التجاهل تمكنت “إسرائيل” من انتزاع مساحات شاسعة من المناطق التي خصصها القرار لدولة فلسطين، في ظل عجز دولي عن أي فعل شيء سوى التنديد والمطالبة بتنفيذ قرار التقسيم.

وعقب الحرب الأولى بين العرب و”إسرائيل”، 1948، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1949 القرار (303)، الذي أكد عدم الاعتراف بإعلان إسرائيل مدينة القدس عاصمة لها، وهو القرار الذي ضرب به دونالد ترامب، في ديسمبر 2017، عرض الحائط.

بعد الحرب الثالثة بين العرب ودولة الاحتلال، وتحديداً في 22 نوفمبر1967، دعا مجلس الأمن الدولي في القرار رقم (242) قوة الاحتلال للانسحاب إلى حدود ما قبل حرب 1967.

وجاء هذا القرار كحل وسط بين عدة مشاريع قرارات طرحت على النقاش بعد الحرب، ومن أبرزها مشروع القرار السوفييتي والأمريكي، تفادياً لإقدام أي من الدولتين الكبريين على ممارسة حق النقض.

واشترط واضع القرار اللورد كارادون (مندوب بريطانيا آنذاك لدى مجلس الأمن) أن القرار “لا يقبل أي تعديل أو مساومة فإما أن يقبل كما هو وإما يرفض؛ لأن أي تعديل ولو طفيفاً من شأنه نسف المشروع من أساسه”.

وبعد إزالة اللبس الذي اعترى كلمة “أرض” الواردة في نص القرار، جاء الاتفاق على “ضرورة انسحاب إسرائيل من جميع الأراضي التي احتلتها عام 1967″، هو ما لم يحدث أيضاً، رغم أن القرار ما يزال حاضراً في صلب كل المفاوضات والمساعي الدولية والعربية لإيجاد حل للصراع العربي الإسرائيلي.

وفي 23 ديسمبر 2016 أصدر مجلس الأمن الدولي، بعدما رفضت إدارة باراك أوباما استخدام حق الفيتو، القرار (2334)، الذي يؤكد أن إنشاء إسرائيل المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، بما فيها “القدس الشرقية”، ليس له أي شرعية قانونية.

وطالب القرار “إسرائيل” بوقف فوري لجميع الأنشطة الاستيطانية، وعدم الاعتراف بأي تغيرات في حدود الرابع من يونيو 1967. بيد أن حكومة الاحتلال ضاعفت منذ مطلع العام الجاري من مشاريعها الاستيطانية.

ومررت “إسرائيل”، في فبراير 2017، قانوناً يشرعن بأثر رجعي 3800 بيت استيطاني بنيت على أراض فلسطينية في الضفة الغربية المحتلة.

وبحسب بيانات حركة “السلام الآن” الإسرائيلية، الناشطة في رصد الاستيطان في الأراضي الفلسطينية فقد صادقت تل أبيب على مخططات لبناء 6500 وحدة جديدة في الضفة الغربية منذ بداية 2017، مقارنة بـ2629 وحدة في 2016، و1982 وحدة في 2015.

وفي 25 أكتوبر الماضي، قال رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إن حكومته ستستثمر 800 مليون شيقل (230 مليون دولار) لتطوير البنى التحتية في مستوطنات الضفة الغربية، بدءاً من 2018.

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن