إندونيسيا.. هل تسير أكبر بلد إسلامي في طريق التطبيع مع إسرائيل؟

إندونيسيا.. هل تسير أكبر بلد إسلامي في طريق التطبيع مع إسرائيل؟

ميرفت عوف

ابتهج مواطن إندونيسي يرتدي قبعة سوداء صلبة، وهو يلتقط صورة سيلفي، وخلفه مسجد قبة الصخرة الذهبية؛ ليظهر أنه حقق حلمًا كبيرًا بالوصول إلى هذا المكان المقدس بالنسبة له في مدينة القدس، ضاربًا بعرض الحائط اضطراره للحصول على تأشيرة إسرائيلية، ومعتبرًا أن هدف الوصول للقدس هو حق له كمسلم أو مسيحي يريد زيارة الأماكن المقدسة في فلسطين.

وفي خضم الحديث عن تضامن ومساندة شعبية إندونيسية للفلسطينيين، فإن للحكومات حسابات أخرى تحكمها أو تفرض عليها، فتخرج الكثير من المعلومات التي تؤكد على أن العلاقات الإندونيسية الإسرائيلية تنتقل إلى مرحلة جديدة، مرحلة فيها المزيد من التعاون والتبادل التجاري والثقافي والعلاقات الدبلوماسية، فما هي دوافع تقارب الاحتلال مع أكبر بلد إسلامي؟

إندونيسيا نحو التطبيع وسنغافورة هي أداة «إسرائيل»

على شواطئ جزيرة (بالي) الإندونيسية ذات المناظر الطبيعة الخلابة، ليس من الغريب أن تجد بين السياح الأجانب الذين جذبتهم هذه المنطقة السياحية العديد من الزائرين الإسرائيليين، بل إن أعداد هؤلاء من المتوقع أن تزيد في الأشهر القليلة المقبلة، بعد إعلان إندونيسيا عن إزالة القيود على دخول السياح الإسرائيليين إليها.

فكما تقول المصادر الإسرائيلية: إنه «في أعقاب محادثات هادئة أجرتها وزارة الخارجية في الأسابيع الماضية عبر قنوات دولية مختلفة، تقرر إلغاء التقييدات المفروضة على دخول السياح الإندونيسيين إلى إسرائيل، وفي المقابل، إلغاء التقييدات المفروضة على دخول السياح الإسرائيليين إلى إندونيسيا».

الاحتفاء الإسرائيلي بعودة هذه العلاقات لم يكن إلا لمنع لم يتجاور الأشهر الثلاثة للسياح الإسرائيليين، إذ إنه في مايو (أيار) الماضي، منعت إندونيسيا دخول هؤلاء السياح إلى أراضيها، احتجاجًا على ممارسات الاحتلال الإسرائيلي بحق سكان قطاع غزة، وقتل عشرات المدنيين في مسيرات العودة، وردًا على القرار الإندونيسي قررت إسرائيل منع دخول الإندونيسيين إلى الأراضي الفلسطينية، خاصة مدينة القدس حتى إشعار آخر.

لكن ما يلاحظ هو هرولة إسرائيل وراء إندونيسيا لإقامة علاقات معها؛ فقد عمدت إسرائيل للوصول للإندونيسيين باعتماد سنغافورة كدولة مسؤولة عن العلاقات بينها وبين إندونيسيا، فجعلت وزارة الاقتصاد في سنغافورة تتوالي مسئولة الاتصالات الإسرائيلية مع إندونيسيا، وتمكنت من استخدام سنغافورة لتقديم خدمات لشركات إسرائيلية، بتسويق منتجاتها في إندونيسيا وغيرها، ففي العام 2007 وقعت شركة مقرها في سنغافورة، تتبع مجموعة (أورمات) الإسرائيلية عقدًا ضخمًا تبلغ قيمته نحو 200 مليون دولار لتوريد الكهرباء لإندونيسيا لمدة 30 عامًا، وكذلك عملت وزارة الخارجية الإسرائيلية مؤخرًا على تفعيل موقع إنترنت في إندونيسيا للتأثير في الشارع الإندونيسي، وهي تستمر في استقطاب بعثات من الصحافيين وقادة الرأي العام الإندونيسيين إليها، كما تدعو رجال الأعمال الإندونيسيين للاحتفال بعيد الاستقلال الذي تقيمه السفارة الإسرائيليّة في سنغافورة.

تاريخ العلاقات الإسرائيلية والإندونيسية

تعود العلاقات الإسرائيلية الإندونيسية بشكل واضح إلى العام 1993، حين نشأت اتصالات سرية بين البلدين بالتزامن مع توقيع اتفاق أوسلو مع الفلسطينيين.

هذه العلاقات أخذت بالتنامي، خاصةً في المجال الاقتصادي في السنوات الأخيرة، ويمكن الإشارة إلى زيارة وزير الاقتصاد والتجارة الإسرائيلي «نفتالي بينيت» إلى إندونيسيا في العاشر من نوفمبر (تشرين الثاني) 2013، لحضور مؤتمر دولي تابع لمنظمة التجارة العالمية، وسجلت هذه الزيارة كأول زيارة رسمية لإسرائيل بعد زيارة رئيس الحكومة إسحق رابين إليها في العام 1993.

عملت إسرائيل التي لا تربطها علاقات دبلوماسية رسمية مع إندونيسيا على تعميق الاتصالات الثنائية في السنوات الأخيرة، ففي مارس (آذار) 2016 بادرت وزارة الخارجية الإسرائيلية بدعوة وفد صحافي إندونيسي لزيارتها، وقال رئيس وزراء الاحتلال «بنيامين نتنياهو» الذي استقبل هذا الوفد: إن «إسرائيل وإندونيسيا لديهما العديد من مجالات التعاون، فالأسباب التي كانت تمنع قيام علاقات دبلوماسية بين إسرائيل والدولة المسلمة الكبرى في العالم لم تعد قائمة، وقد حان الوقت لإقامة علاقات رسمية بينهما».

وفي ذات الشهر كشفت نائبة وزير الخارجية «تسيبي حوطوبلي» عن أن «إسرائيل لديها علاقات مع إندونيسيا في العديد من القضايا، ونحن نعمل كل الوقت على تحسين العلاقات بين الشعبين»، مضيفة: «نحن نرى أن هناك تقدمًا وتطورًا في العلاقات مع الدول في جميع أرجاء آسيا، الأمر الذي لم نشهده سابقًا»، ويمكن الاشارة أيضًا إلى مشاركة وفد من علماء الدين الإندونيسيين من جمعية (نهضة العلماء) يرأسه الأمين العام للجمعية «يحيى ستاكوف»، في مؤتمر العلاقات الإسرائيلية الأمريكية المنعقد في القدس في يونيو (حزيران) 2018، ونقلت صحفة «إسرائيل بالعربية» عن نتنياهو قوله لـ«ستاكوف»: إن «إسرائيل هي أمة الابتكار، ويسرني أن أرى دولًا عربية وإسلامية كثيرة تتقرب من إسرائيل، آمل أنه سيكون هناك تقدمًا أيضًا في علاقاتنا مع إندونيسيا».

هذه الزيارات تظهر اتخاذ إندونيسيا لسياسات تبدو متناقضة بالنسبة للبعض، فعلى الجانب الآخر من الحقائق التي سردناها من قبل، تظهر جاكرتا عادًة مؤيدة لتطلعات الشعب الفلسطيني في إقامة دولته، وتعارض الاعتراف بالقدس عاصمة للدولة العبرية، وتشجب مواجهة المتظاهرين السلميين في قطاع غزة، وهي تعكف دومًا على التأكيد دعم الفلسطينيين في كفاحهم، فإثر اختيارها من قبل الأمم المتحدة لعضوية مجلس الأمن في دورته المقبلة 2019-2020، أكدت أنها تعتبر القضية الفلسطينية من أولويات دبلوماسيتها الدولية، وقد أبدت دعمها لانضمام الفلسطينيين إلى عضوية منظمة التجارة العالمية، وفي ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أعلن وزير التجارة الإندونيسي «إنجارتيساتو لوكيتا» أن «جاكرتا ستسمح بدخول بعض السلع الفلسطينية وإعفاء تلك الواردات من الرسوم اعتبارًا من العام الجديد».

دوافع تقرب إسرائيل من إندونيسيا

إسرائيل، وضمن سياسة حرب الباردة مع خصومه التي يتبنها لجني الكثير من الثمار، وصل نفوذها الى جاكرتا، وتدرك إسرائيل أهمية كون إندونيسيا واحدة من أكبر 10 اقتصاديات في العالم ، فهي تملك اقتصادًا ناجحًا في مجموعة العشرين، وهي أسرع بلد حضري في آسيا، وتتحدث المصادر الإسرائيلية أن إندونيسيا تعد «مثل إسرائيل، أكثر ديمقراطية متعددة الثقافات تنوعًا سياسيًا في منطقتها».

وتهدف إسرائيل جراء ذلك إلى تحقيق العديد من الأهداف، منها استغلال أكبر بلد إسلامي في عمليات التفاوض مع الفلسطينيين، حيث يرى الإسرائيلون أنه في «ضوء السياسة الخارجية لإدارة ترامب، يجب على إسرائيل والسلطة الفلسطينية أيضًا أن توضح لإندونيسيا أنه لا يمكن التفاوض على حل الدولتين بنجاح مع طرف واحد فقط»، كما تقول الأكاديمية « نيروبان بالاخاندران»، التي أضافت في مقالها: «لماذا تعد إندونيسيا شريكًا جيدًا لإسرائيل»؛ «لذلك ينبغي إبلاغ إندونيسيا بأن إنفاذ المعاهدات وفن الحكم والدعوة وبناء القدرات وصلاحيات الوساطة من جانب أطراف ثالثة من المرجح أن تكون فعالة، إذا كانت إندونيسيا تربطها علاقات دبلوماسية مع كل من الإسرائيليين والفلسطينيين».

وسبق أن حاولت الدبلوماسية الإندونيسية لعب دورًا في إقناع الجانب الفلسطيني بالسير في العملية السياسية التفاوضية مع الاحتلال، و عقب نجاح حركة (حماس) في الانتخابات الفلسطينية عام 2006 حاولت إندونيسيا إقناع الحركة باتخاذ «سياسة معتدلة، بهدف احتضان المجتمع الدولي لها».

وكذلك يأتي استهداف إندونيسيا ضمن استهداف إسرائيل لمنطقة آسيا كأهم المناطق لبيع منتجات إسرائيل العسكرية، حيث تؤكد المصادر الإسرائيلية على أن الإسرائيليين يجرون صفقات في إندونيسيا، دون إثارة ضجة إعلامية، واقتصاديًا يمكن الحديث عن تشكيل لجنة تجارية إسرائيلية إندونيسية في عام 2009، وعن توقيع شركة تأمين إندونيسيّة في عام 2000 على اتفاقيّة عمل مع شركة إسرائيلية للتأمين التجاري المُتبادل، وأقامت شركات إندونيسية علاقات مع دولة الاحتلال كمجموعة (باكري)، وفي عام 2002، تشكّلت لجنة للعلاقات الخارجيّة الإسرائيليّة – الإندونيسيّة، بمساعدة يهودي إندونيسي يدعى «بنيامين كنتاج»، ووصلت الأمور إلى إنشاء منظمة بين الطرفين مثلت «لوبي تجاري» هدفًا لتطوير الاستثمارات الإسرائيلية في إندونيسيا.

فرغم عدم وجود علاقات دبلوماسية ازدادت العلاقات التجاريّة بين جاكرتا و«تل أبيب» في السنوات الأخيرة فوصلت قيمة هذه التجارة إلى ما يُقدّر بنصف مليار دولار، حيث أقامت منظّمات غير حكوميّة بالعمل على تطوير وتحسين العلاقات فيما بينها، وتتركز البضائع التي يستوردها الاحتلال في المواد الخام، مثل البلاستيك والخشب والفحم والمنسوجات وزيت النخيل، فيما تصدر إلى إندونيسيا من الاحتلال صناعات الطاقة، والمياه، والتكنولوجيا.

الشعب الإندونيسي: العقبة الأكبر في وجه التطبيع

لم يكن الموقف الشعبي الإندونيسي مناوئ للموقف الرسمي المعلن الخاص بالتضامن مع فلسطين، وإن كان يفوقه وضوحًا في التضامن مع القضية الفلسطينية، إذ يظهر استطلاع للرأي، أن 70% من الإندونيسيين ينظرون إلى نفوذ إسرائيل نظرة سلبية، بينما ينظر 12% منهم نظرة إيجابية لهذا النفوذ، وقد أضحى الشعب الإندونيسي واحد من أهم الشعوب التي تساند الفلسطينيين أمام اعتداءات إسرائيل، ففي ديسمبر (كانون الأول) الماضي، استجاب الشباب الإندونيسي بسرعة ولبوا نداء مجلس علماء إندونيسيا بالتظاهر ضد القرار الأمريكي تجاه مدينة القدس باعتبارها عاصمة للاحتلال ومقرًا لسفارتهم.

وفي ساحة الاستقلال وسط جاكرتا، احتشد واحدًا من أضخم الحشود التي خرجت ضد هذا القرار، وعلت الشعارات تؤكد أن الإندونيسيين سيكونون من أوائل الساعين لتحرير فلسطين وعاصمتها القدس، ونقل عن نائب رئيس البرلمان الإندونيسي «فخري حمزة» قوله: إن «شباب إندونيسيا ينتابهم حلم دائم بتحرير فلسطين ورؤيتها مستقلة؛ لأنها كانت أول بلد يعترف باستقلال بلادهم، ففتوى مفتي فلسطين في حينه نصت على وجوب القتال من أجل تحرير إندونيسيا من الاستعمار الهولندي».

ويقرأ البعض حرص الإندونيسيين للسفر إلى القدس التي يعتبروها ضمن الأراضي الفلسطينية، بينما تعتبرها إسرائيل ضمن أراضيها؛ لوجود شرط الحصول عل تأشيرة إسرائيلية، أنه يأتي في إطار حرص مسيحيين ومسلمين إندونيسيا على زيارة الأماكن الدينية، حيث تنشط الشركات السياحية الإندونيسية في تنظيم رحلات إلى القدس أبرزها، شركة الجزيرة، والأقصى ترافل، وساترياني ويستا، ويحرص الإندونيسيين على اللجوء إلى مكاتب السياحة الفلسطينية لتسهيل تنقلهم وإقامتهم داخل القدس، وتؤكد مصادر فلسطينية أن نحو 70 ألف إندونيسي يزورون القدس ومختلف المدن الفلسطينية كل عام، ويقدر عدد المسيحيين منهم بنحو 45 ألفًا.

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن