الإعدامات الميدانية.. سياسة إسرائيلية منذ الانتفاضة الأولى

الوطن اليوم / وكالات

أعادت جريمة إعدام الشهيدين الفلسطينيين عبد الفتاح يسري الشريف ورمزي القصراوي، أمس الأول الخميس في الخليل على يد جنود من جيش الاحتلال الإسرائيلي، إلى الأذهان سياسة الإعدامات الميدانية التي كان قد اعتمدها الاحتلال أول مرة في زمن الانتفاضة الأولى، وإن كان عدم التطور التكنولوجي والإعلامي في حينه، قد أضعف من القدرة على إبراز تلك السياسة في ذلك الوقت، وأيضاً بفعل أن وزير الأمن الإسرائيلي آنذاك كان إسحاق رابين من حزب “العمل”.

لكن العودة إلى سنوات الانتفاضة الأولى تُبيّن أن سياسة الإعدامات الميدانية، كانت مُتّبعة منذ السنة الأولى للانتفاضة الأولى، وإن كانت تتم بشكل خاص في ساعات الليل وتحت جنح الظلام عبر فرق موت أطلق عليها الفلسطينيون القوات الخاصة، ثم لاحقاً قوات المستعربين، بعد أن بدأ أفراد هذه الفرق، ممارسة عملهم في تصفية نشطاء الانتفاضة الفلسطينية في وضح النهار. وقد اشتهرت في جيش الاحتلال فرقتان رئيسيتان في تنفيذ عمليات الإعدام والقتل داخل القرى والبلدات الفلسطينية، هما فرقتا دوفودفان (الكرز) وشمشون (نسبة إلى أسطورة اليهودي شمشون). ووصل نشاط هاتين الفرقتين إلى أوجّه في السنة الثالثة للانتفاضة عام 1990، عندما بدأ أفراد الفرقتين، يتخفّون بالزي الفلسطيني، وباستخدام سيارات تحمل لوحات ترخيص فلسطينية (إذ كان الاحتلال يميز سيارات الفلسطينيين من الضفة الغربية بلوحات خضراء، مقابل لوحات ترخيص صفراء للسيارات الإسرائيلية) ودخول البلدات الفلسطينية وهم يتخفون بلباس محلي أو يضعون الكوفية الفلسطينية، ويشارك بعضهم في التظاهرات، قبل أن ينقض على نشطاء الانتفاضة لاعتقالهم في البداية، ثم إطلاق النار عليهم بهدف القتل لاحقاً.

ومع أن الفلسطينيين، قدّموا شهادات لجهات دولية مختلفة حول سياسة الإعدامات الميدانية، إلا أن أول توثيق (إسرائيلي) رسمي لها جاء في تقرير خاص أصدره مركز “بتسيلم” الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة في يوليو/تموز 1990 تحت اسم “تعليمات إطلاق الرصاص في المناطق”.

وبحسب التقرير المذكور، فإن الجيش الإسرائيلي وإن كان قد أعلن رسمياً عن عدم تغيير في أوامر إطلاق النار، إلا في حالات وجود ملثمين، إلا أن الممارسة على أرض الواقع كانت مخالفة كلياً، فقد حصل تغيير في الأوامر الشفهية، أي في التوجيهات المباشرة التي يصدرها قائد القوة قبل كل عملية لجنوده. واعتبر التقرير ذلك تحايلاً، إذ لا يتم إدخال تغييرات في الأوامر الرسمية، (خلافاً لما جرى في العام الحالي من تغيير رسمي وقانوني يجيز إطلاق النار على كل من يعترض أو يمكن أن يسبب خطراً لحياة عناصر الشرطة وقوات الأمن) وإنما يجري تغيير سياسة إطلاق النار، وتقديم شهادة بعد عملية إطلاق النار لتبرير الأمر بأثر رجعي.

ويوثّق تقرير “بتسيلم” أول جريمة إعدام ميدانية بهدف القتل، بدلاً من السعي لاعتقال المطاردين، بتاريخ 9 أكتوبر/تشرين الأول 1988، أي بعد نحو سنة من انطلاق الانتفاضة الأولى، عندما قتلت قوات الاحتلال بشكل مقصود ومن دون حصول مواجهات عامة بين الاحتلال وشبان الانتفاضة، الشهيدين كمال الطبيخ وفضل النجار في بلدة يطا جنوبي الخليل، حيث أطلق جنود النار عليهما من مركبة عسكرية بعد تحديد هويتيهما والتأكد منهما، ومن على مسافة قصيرة، فيما ادعى الاحتلال أن الاثنين استشهدا خلال محاولة الجنود الدفاع عن أنفسهم من جمهور فلسطيني غاضب رشقهم بالحجارة.

بعد ذلك بشهر تقريباً، حاول جندي من الاحتلال قتل إبراهيم طقاطق، في حي قصبة في نابلس عندما اختبأ في عربة لبيع الكعك والفلافل وأجبر الطفل الذي يجرها على أن يدفعها باتجاه طقاطق ثم أطلق النار عليه من داخل العربة. عمليات استهداف عناصر الانتفاضة الذين أطلق عليهم الاحتلال مصطلح “مطلوبين”، فيما عُرفوا في أدب الانتفاضة الأولى بالمطارَدين، تكررت خلال العامين 1989 و1990 من خلال استخدام سيارات فلسطينية أو الاختباء في عربات لبيع الكعك، أو من خلال وحدات المستعربين. وكان هدف حكومة الاحتلال تحت قيادة اسحق شمير ووزير الأمن اسحق رابين آنذاك؛ وقف الانتفاضة بكل الطرق، واعتقدت أن القضاء على المطارَدين، الذين اعتُبروا القادة الميدانيين، وخصوصاً مجموعات “الفهد الأسود” التابعة لحركة (فتح) في منطقة قباطيا وجنين، و”النجم الأحمر” التابعة لـ(الجبهة الشعبية) في نابلس، إلى جانب خلايا “صقور الفتح” في قطاع غزة، كفيل بوقف الانتفاضة أو على الأقل الضغط على منظمة التحرير الفلسطينية.

ومع أن صحيفة “هآرتس” أفادت في 20 مارس/آذار 1990 بأن 11 مطارَداً سلموا أنفسهم للسلطات بعد أن كثّفت حكومة الاحتلال من مطاردتهم وحتى قتلهم ولو سلموا أنفسهم، كما في حالة الشهيد محمد القرع الذي قُتل في بيته في دير البلح بتاريخ 14 سبتمبر/أيلول 1989، إلا أن سياسة الإعدامات الميدانية استمرت ولم تتوقف.

وفي العام 1991 كثّفت حكومة الاحتلال من انتهاج سياسة الإعدامات الميدانية، عندما بدأت تنفذ عملياتها في وضح النهار وأمام جموع من الناس، لتتحوّل سياسة الإعدامات الميدانية إلى نهج يهدف إلى الردع. فبتاريخ الأول من إبريل/نيسان 1992، تمكّنت صحيفة “البيارق” الأسبوعية التي كانت تصدر في فلسطين المحتلة عام 1948، من سرد تفاصيل عملية إعدام الشهيد جمال رشد غانم، من قرية شويكة قضاء طولكرم في ملعب كرة القدم البلدي، خلال مباراة كرة قدم، وأمام جمهور كبير من المشاهدين. وجرت العملية باقتراب قوة مستعربين من اللاعب وإطلاق أربعة جنود النار عليه، حتى بعد أن حاول الاحتماء بحكم المباراة محمد مصطفى حسين. وكشف التقرير يومها، عبر شهادات من أهالي القرية، عن سلسلة عمليات إعدام مشابهة طاولت شهداء من قريتي رامين وعنبتا، إضافة إلى الشهيد علي زغرد من مخيم نور شمس، وأحمد سروجي من مخيم طولكرم، وسمير غانم من دير الغصون.

وشكّلت عملية إعدام الشهيد جمال غانم نقطة تحوّل، إذ لم يعد الاحتلال بعدها يخفي عمليات الإعدام الميدانية، وسمحت الرقابة العسكرية للصحف الفلسطينية بنشر تفاصيل عمليات مشابهة بهدف الإرهاب وحث المطارَدين على السعي لتسليم أنفسهم لقوات الاحتلال لتفادي مصير الإعدامات الميدانية.

واستمرت عمليات الإعدام الميدانية طيلة العام 1991-1992 بموازاة المحادثات السرية التي كُشف عنها لاحقاً بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل للتوصل إلى اتفاق إعلان المبادئ في أوسلو ووقف الانتفاضة الفلسطينية. وتبيّن لاحقاً أنه تم التوصل إلى صفقات مختلفة، أُجبر بموجبها عدد من المطارَدين، من “الفهد الأسود” في قباطيا وجنين، ومجموعات “النسر الأحمر” في نابلس، و”الصقور” في قطاع غزة، على الخروج من الوطن، ولجأ قسم منهم إلى الأردن، فيما خرج المطارَدون من قطاع غزة إلى مصر.

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن