التعليم المهني.. خيار تنم ويتعرقل تعميمه الثقافة السائدة

التعليم المهني

غزة / تسنيم البنا

محمد أبو حصيرة شابٌ غزاوي قرر عدم إضاعة الوقت في الدراسة التقليدية والانتقال للدراسة الصناعية التي يعتقد أنها أفضل بالنسبة لتطوير قدراته ومهاراته في المجال التقني، على حد تعبيره، موضحاً أنه يرغب بدراسة الهندسة الإلكترونية التي أحبها واقتنع بأهمية دراستها.

وحسم محمد قراره بالانتقال إلى التعليم الصناعي كي لا يكون ضمن صفوف الخريجين العاطلين عن العمل، وكله أملأن يساعده قراره بإنقاذ مستقبله كونه يدرك الصعوبات التي تواجه خريجي الجامعات للحصول على وظيفة، وقرار محمد بالانتقال إلى المدرسة الصناعية، حظي بدعم أسرته.

وأنهى أبو حصيرة دراسة المرحلة الأساسية قبل قراره بالتوجه للتعليم التقني والمهني، حيث يأمل في أن يساعده هذا القرار برسم تفاصيل مستقبله بعيداً عن التعليم النمطي الذي يجنح إليه أغلبية الطلبة.

وقال: “أشاهد المئات من خريجي الجامعات من دون وظائف، وهذا دفعني لتغيير مسار تعليمي نحو التعليم التقني والصناعي لأنني أجد نفسي فيه أكثر”، خاصة أنه يشتمل على التعليم التطبيقي والعملي أكثر من حفظ المواد التعليمية.

ويعتقد محمد أن إنهاء تعليمه الصناعي والتقني سيوفر عليه الانضمام إلى طوابير الخريجين الباحثين عن العمل خاصة في ظل الأرقام والإحصائيات التي تشير إلى مشكلة حقيقية بات يواجهها الطلبة الخريجون من الجامعات في هذا المجال.

قراره.. حظي بدعم أسرته

وفي إطار دعم أسرته لهذا القرار يقول والده “أحمد أبو حصيرة”: “لم أتدخل في قراره لكنني أعتقد أنه قرار صائب كونه يحب هذا النوع من التعليم”.

وأضاف: “حينما عرض الأمر أمامي قلت له بوضوح: أنت الآن قادر على اختيار ما تريد ونحن معك”.

وتابع أن تشجيعه لقرار ابنه بالانتقال للدراسة الصناعية نتج عن مشاهدته للكثير من خريجي الجامعات الذين لا يجدون فرصة عمل ويصابون بالإحباط.

وتعتبر مشكلة الحصول على وظيفة بالنسبة للطلبة الجامعيين من أبرز المشاكل التي يعانون منها بعد التخرج خاصة عندما تشير الأرقام والإحصائيات الرسمية في وزارة التربية والتعليم العالي إلى أن عدد الطلبة في الجامعات والكليات والمعاهد يصل إلى قرابة 220 ألف طالب وطالبة على مستوى الضفة وقطاع غزة مايعني أن المجتمع مطالب بتوفير وظائف لهذا العدد الكبير.

الدعم الحكومة للتعليم المهني

وبات التعليم الصناعي والتقني والمهني يحظى بالدعم الرسمي الحكومي من خلال                                         تشجيع ودعم توجهات الطلبة نحو هذا النوع من التعليم كونه مرتبطاً باحتياجات المجتمع ولا يقل أهمية عن التعليم التقليدي، لكن المشكلة الأساسية في هذا الأمر تكمن في نظرة المجتمع السلبية للطلبة الذين يتجهون نحو التعليم الصناعي ويعتبرونهم أقل ذكاء من أقرانهم الدارسين في المدارس النظامية.

ويرى الباحث والإعلامي محمود فطافطة الذي أنجز مؤخرا دراسة بعنوان: “الشباب في فلسطين.. قضايا شائكة وحلول معلقة” لصالح مؤسسة إعلامنا للأبحاث والتطوير، أن غياب المعلومات حول التعليم التقني والمهني أدى لإيجاد صورة سلبية حول التعليم المهني إضافة إلى أنه حد من توجه الطلبة لهذا التعليم وولد نظرة دونية له باعتباره خياراً للطلبة ذوي التحصيل المتدني.

ورغم ربط الإستراتيجية الوطنية للتعليم والتدريب الفني والمهني، بتحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية في فلسطين مع وجود عدد كاف من مخرجات هذا التعليم، إلا أنها تؤكد استحالة تحقيق التنمية في ظل نقص أعداد الخريجين منه.

وقال فطافطة: ” العديد من الطلبة يختارون مسار دراستهم استناداً لعوامل اجتماعية والتقاليد والأعراف ويسعون إلى وظائف ومهن يعتبرها المجتمع جيدة بدلاً من مؤشرات واحتياجات سوق العمل”.

وأشار إلى أن العديد من الدراسات والأبحاث تؤكد أن نظام التعليم الرسمي في الضفة وغزة يوجه الطلبة نحو العمل في قطاع الخدمات ما يساهم في تحويل مسار الخريجين نحو الهجرة للخارج، لأن السوق المحلية غير قادرة على استيعاب الأعداد الكبيرة من المتقدمين للوظائف الخدماتية”.

وتابع: “من الواضح أنه لا توجد محاولات لإدخال التعليم والتدريب المهني لتوسيع خيارات الطلبة وتلبية احتياجات السوق المحلية”.

وتوجد في الضفة الغربية وقطاع غزة نحو(48) كلية ومدرسة تقدم خدماته التعليمية في المجال الصناعي والمهني، في حين لا تزيد نسبة الطلبة الذين يقدمون امتحانات الثانوية العامة في المجال الصناعي عن 5% من نسبة طلبة الثانوية العامة الذين يصل عددهم قرابة 85 ألف طالبة وطالبة، في حين أن نحو 1700 طالب قدموا العام الجاري امتحان الثانوية العامة ولم تزيد نسبة نجاح بينهم على 56 %.

ورغم حرص وزارتي التربية والتعليم العالي والعمل، على دعم التدريب المهني والتقني، إلا أن المشكلة تكمن في عدم وجود نظام متكامل في مدارسنا لفحص احتياجات واهتمامات وميول الطلبة لمساعدتهم على اتخاذ القرارات بخصوص نوعية التعليم الذي يحتاجونه حيث يبقى هذا القرار لدى الطالب أو أسرته.

التشغيل.. عنصر أساسي للإنتاج الاقتصادي

وتنظر وزارة العمل إلى التشغيل باعتباره العنصر الأساس في عناصر الإنتاج الاقتصادي والمجتمعي، والمحرك الأقوى لسوق العمل بمداخلاته ومخرجاته من الموارد البشرية المدربة من مشغلين وباحثين عن عمل.

وفي سبيل حصر وتنظيم الجهود المبذولة في قطاع التشغيل وترشيد وتخطيط الموارد عبر سياسات وبرامج تشغيلية موجهة ومتناغمة، مشيرة إلى الإستراتيجية الوطنية للتشغيل التي تسعى للنهوض بأوضاع سوق العمل وتنظيمه ورفع كفاءته التشغيلية وقدرته الاستيعابية على نحو منظم وموجه في إطار سياسة وطنية شاملة، قادرة على وضع الأساس الصالح والمتين لبناء الاقتصاد الوطني المتحرر من التبعية للاقتصاد الإسرائيلي، عبر تعاون ثلاثي تكاملي بين الشركاء الاجتماعيين المستند إلى الحوار الاجتماعي الممنهج الذي يمهد للقطاع الخاص ويعبد الطريق أمامه ليكون بحق نواة الدولة المستقلة.

وتنطلق هذه الإستراتيجية من عدة محاور رئيسية أبرزها تفعيل الشراكة الاجتماعية من خلال مجلس اقتصادي اجتماعي، وإستراتيجية التدريب المهني والتقني لخلق فرص التوظيف الذاتي، والمجالس المحلية للتشغيل والتدريب والتعليم المهني والتقني، وإنشاء وكالة وطنية عامة للتشغيل، وإعادة تفعيل الصندوق الفلسطيني للتشغيل والحماية الاجتماعية. وبينما يجري العمل لوضع خطط وبرامج جديدة لتطوير التعليم المهني والتقني في فلسطين، فان الطالب”محمد” استبق هذه الجهود باتخاذ قراره على أمل أن تتاح له فرصة تحسين مستقبل هو فتح مشروعه الشخصي من أجل مستقبل أفضل.

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن