“الجمهورية البوليفارية”.. آمنت بقضية فلسطين فانتصرت لها

آمن الرئيس الفنزويلي الراحل خلال السنوات الماضية بالقضية الفلسطينية، فتبعه على ذلك شعبه وحكومته في إعلان مواقفهم الصادقة والداعمة لجماهير الأرض المحتلة منذ سنة 1948.

تعددت المواقف، على مدار السنوات العشر الأخيرة، لكن آخرها كان بحضور رئيس جمهورية فنزويلا البوليفارية، نيكولاس مادورو، قمة مؤتمر منظمة التعاون الإسلامي في إسطنبول، التي دعا لها الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان.

حضور فنزويلا غير العربية ولا الإسلامية جاء في وقت غابت فيه دول عربية وإسلامية تعتبر نفسها صاحبة ثقل سياسي في الشرق الأوسط، ما لفت الأنظار ووضع علامات استفهام كثيرة حول سبب الغياب عن قمة لدعم القدس.

– “فلسطين هي فنزويلا”

بداية المواقف الداعمة لفلسطين و”القضية العادلة” كانت بعد تولّي الرئيس الراحل، هوغو تشافيز، (يوليو 1954–مارس 2013) حكم فنزويلا، والذي انتُخب رئيساً سنة 1998.

ومع توليه تدهورت العلاقات بين فنزويلا وإسرائيل، التي ينظر إليها الزعيم الراحل على أنها قوة محتلة لفلسطين، وكانت بلاده دائمة الدعم لحقوق الفلسطينيين، وتدين الإجراءات الإسرائيلية بحقهم.

خلال لقائه الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، نهاية نوفمبر 2009، عبّر تشافيز عن “أقوى” التزام وتضامن لإنشاء دولة فلسطينية مستقلّة عاصمتها مدينة القدس.

وقال: “نحن الفنزويليين يجب أن نكرّس كل ما في قلوبنا وأرواحنا من قوة لإقامة دولة فلسطينية. ففنزويلا هي فلسطين، وفلسطين هي فنزويلا، ولدينا نضال مشترك”.

وفي مواقف وتصريحات لم تنقطع أكّد تشافيز “وقوف بلاده إلى جانب النضال البارز للشعب الفلسطيني ضد دولة الإبادة الجماعية (إسرائيل)، التي تهدم وتقتل وتهدف للقضاء على الفلسطينيين”.

وسطرت المواقف الفنزويلية أقوى معاني التضامن عندما طردت السفير الإسرائيلي لديها خلال الحرب على لبنان سنة 2006، ومرة أخرى رداً على حرب غزة 2008-2009.

أثناء النزاع الإسرائيلي اللبناني، عام 2006، خفّض تشافيز اتفاقات اقتصادية وعسكرية بين فنزويلا وإسرائيل، ودعا لمحاكمة القادة الإسرائيليين في المحكمة الجنائية الدولية.

خطابات وهجمات تشافيز الكلامية ضد إسرائيل أكسبته الثناء في جميع أنحاء العالم العربي بأكمله، ومنذ ذلك الحين عزّزت فنزويلا علاقاتها مع روسيا والصين وإيران، من أجل مواجهة الدعم الذي تتلقاه إسرائيل من الولايات المتحدة.

في أعقاب الحرب على غزة (2009)، أعلن تشافيز مواقف غير تقليدية على صعيد السياسة الخارجية فيما يتعلق بإسرائيل؛ فسحب السفير الفنزويلي من إسرائيل، وأعلن تخفيض مستوى التمثيل مع تل أبيب إلى حده الأدنى، وقال: “لا فائدة من التعامل معهم”.

ويتجلّى الموقف الفنزويلي الداعم باعتراف تشافيز رسمياً بدولة فلسطين، وإقامة علاقات دبلوماسية مع السلطة الفلسطينية، في 27 أبريل 2009، بل قرر رفع التمثيل الدبلوماسي إلى مستوى السفارة، كجزء من اتفاق تعزيز العلاقات الثنائية.

– نيكولاس يواصل الدعم

بعد وفاة تشافيز تسلّم الرئيس الجديد، نيكولاس مادورو، راية التضامن ودعم الشعب الفلسطيني، إذ أكد على الدوام التزام بلاده الأخلاقي والثوري بتبنّي ودعم القضية في جميع المحافل الوطنية والدولية، كسياسة ثابتة على خُطا القائد الراحل.

العلاقات الأمريكية الفنزويلية المتوتّرة منذ عشرات السنين وصلت إلى ذروتها في الفترات الأخيرة لحكم الرئيس تشافيز، والتي استمرت في عدائها لواشنطن في عهد خلفه مادورو، وهو ما انتهزه الأخير للتعبير عن رفض القرار الأمريكي.

التنديد بالخطوة جاء من مادورو، الذي أعرب، في بيانٍ رسمي، عن إدانته قرار الإدارة الأمريكية التعسّفي، متمثلة في دونالد ترامب، معتبراً إياه انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي.

وفي إطار الردّ على القرار الأمريكي، عبّر مادورو عن رفضه “على نحو قاطع القرار التعسّفي لإدارة البيت الأبيض بشأن القدس (في إشارة إلى الاعتراف بها عاصمة لإسرائيل)”، معتبراً أنه يهدد استقرار الشرق الأوسط ويضرّ بالشعب الفلسطيني.

وذكر مادورو، الذي شارك في قمة إسطنبول عبر حسابه في “إنستغرام”، أن “فنزويلا ترفع صوتها، خاصة باسم حركة عدم الانحياز، داعية إلى بذل الجهود اللازمة للعودة إلى سبيل احترام القانون والاتفاقات الدولية التي تحمي الشعب الفلسطيني من الاعتداءات الإسرائيلية”.

في الحرب الإسرائيلية على غزة سنة 2014، تابعت الشعوب العربية قرار فنزويلا بدهشة، وتساءلت كيف لبلد بعيد غير عربي ولا مسلم، لا تهاجمه إسرائيل بشكل مباشر أو غير مباشر، أن يتخذ قراراً سياسياً بهذه الجرأة.

الجمهور العربي عبر مواقع التواصل الاجتماعي ثمّن موقف فنزويلا، التي اعتُبرت الدولة الوحيدة في العالم التي طردت السفير الإسرائيلي، وعبّروا عن شعورهم بالخزي لأن دولة عربية لم تحذُ حذوها.

وكان لافتاً الحضور الفنزويلي في مؤتمر “قمة القدس” بصفته ضيفاً يرفض ممارسات “إسرائيل” ضد الفلسطينيين، في حين غاب العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود.

– علاقات واتفاقيات

لم تنحصر العلاقات الفلسطينية الفنزويلية في دائرة المواقف السياسية، بل توسّعت على الصُّعد الاقتصادية والثقافية والتعليمية، من خلال اتفاقيات أُبرمت بين حكومة البلاد والسلطة الفلسطينية.

ففي 2015، وقع البلدان اتفاقية “حماية الاستثمار والترويج”، وذلك لتشجيع وحماية الاستثمارات بين الدولتين في مختلف القطاعات الصناعية والتجارية، وللنهوض باقتصاديات الشعبين.

كما جرى توقيع مجموعة من مذكرات التفاهم مع القطاع الخاص في مجالات تعزيز الاستثمار بين البلدين، في قطاعات الإنتاج الزراعي والأدوية والنفط والمناجم.

وفي 2014 أعلن مادورو أن بلاده ستوفر النفط والديزل لدولة فلسطين بموجب اتفاق جرى توقيعه مع عباس، خلال زيارته العاصمة كراكاس، قائلاً: “إن أول شحنة ستكون 240 ألف برميل، وكميات أخرى لم يتم تحديد كمياتها بعد”.

وفنزويلا واحدة من الدول التي تسمح بعبور الفلسطينيين أراضيها دون الحاجة إلى تأشيرة دخول، إذ أعلنت الخارجية الفلسطينية، في 2015، أن كراكاس ألغت تأشيرات الدخول لحاملي جواز السفر الفلسطيني الدبلوماسي أو العادي.

وأصدرت وحدة المراسم لشؤون الحصانات والامتيازات في وزارة الشـؤون الفنزويلـية، قـراراً يفيد بعدم الحاجة إلى إصدار تأشيرات فنزويلية لحاملي جوازات السفر الدبلوماسية والعادية الفلسطينية.

وقالت وزارة الخارجية الفلسطينية، في بيان لها: “إن القرار يأتي بناء على الاتفاقية الموقعة بين جمهورية فنزويلا البوليفارية ودولة فلسطين، بتاريخ 4 ديسمبر 2012”.

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن