الحصار يطفئ بريق الذهب في غزة

الحصار يطفئ بريق الذهب في غزة

لا يحتاج “الذهب” إلى من ينادي باسمه أو يخبر عن وجوده، فهو يعلنُ عن نفسه، أنّى حلّ، ببريقه الأخاذ وتشكيلاته الفاتنة، فيخطف عيون الصبايا، ويغري الجميع باقتنائه. أمّا في غزة، فالوضع مختلف بعد أن انطفأ بريقه وخفت لمعانه مع تصاعد الحصار على أهلها، وزيادة معاناتهم.

فقد لحقت الخسائر بقطاع الذهب مثل باقي القطاعات، وكشف التجار عن تراجع المبيعات بنسبة 50% في الآونة الأخيرة، في ظل ضعف المستوى المعيشي، مما دفع الفلسطينيين إلى الإحجام عن شراء المعدن الأصفر، والتوجه لشراء الذهب الصيني الأرخص، حسب جمعية الصاغة والمجوهرات في غزة.

فلقمة العيش أصبحت أولى للغزيين من الذهب، وبعد أن كان سوق قيسارية -المعروف بسوق الذهب أو سوق العملة- مكتظاً بالزبائن والمشترين، بات مهجورًا إلا من بعض المارة، وبضع عرائس يتنقلن يائسات بين واجهات العرض.

ذهب صيني

فداء المدهون، عروس مقبلة على الزواج، كانت تتجول في السوق، تقول لـ”العربي الجديد” إنها اكتفت بشراء الأساسيات “الدبلة والمحبس” وأجّلت شراء مصاغها بسبب ارتفاع سعر الذهب، وقد قررت أن تتزين بالذهب الصيني (المقلّد) في حفل زفافها.

والذهب الصيني عبارة عن معدن مطلي بطلاء ذهبي، أو بما يسمى قشرة الذهب، بدأ التجار باستيراده من الصين، وعبر الأنفاق، حتى لاقى رواجاً بين المواطنين، ليصبح البديل المناسب بسبب ارتفاع أسعار الذهب الحقيقي.

وللذهب الصيني تجار ومعارض خاصة به، فهو لا يتوفر لدى صاغة الذهب الأصليّ أو في معارضة، كما أن أشكال الحليّ المصنوعة منه مختلفة، ولكل قطعة سعرها، بحسب حجمها وتصميمها.

أما أسماء عابد – متزوجة وأم لطفلين – فقد اضطرت إلى بيع كل مصاغها للمساهمة في بناء شقة تؤوي عائلتها، بعد أن ضاقت بها غرفة صغيرة، لا تتعدى مساحتها عشرة أمتار مربعة.

قالت عابد “لم يعد في مقدور الناس شراء سلعة كالذهب، للزينة أو الادخار، بينما هم في أمسّ الحاجة لتوفير لقمة العيش لأبنائهم في ظل هذه الأوضاع الصعبة”.

خسارة التجار

وقال التاجر أحمد عاشور، إن سعر الذهب لم يتدنّ إلى هذا الحد منذ عشر سنوات تقريباً، فقد هبط سعره بشكل حاد منذ شهر مارس /آذار من العام الجاري، فالتاجر أصبح يعتاش من رأس ماله بدلاً من تنميته، وهذا ينذر بخسارة كبيرة.

وأوضح عاشور، أن الجميع أصبح يشكو صعوبة الوضع الاقتصادي، فلا أحد يستطيع شراء أو بيع الذهب إلا المضطر، وأضاف أن توقف دخول مواد البناء للقطاع الخاص أثر على التاجر بشكل خاص، فقد كان البعض يبيعون مصاغهم لتوفير المال من أجل البناء، ولكن أصاب الشلل حركة البناء أخيرا”.

من جهته، أكد رئيس جمعية الصاغة والمجوهرات في قطاع غزة، محمود عطوة، لـ “العربي الجديد” أن حجم تداول الذهب خلال الشهور الأخيرة انخفض إلى أكثر من 50% عن سابق عهده، مشيرًا إلى أن حركة التداول خلال الأشهر الماضية، بالكاد تصل إلى 100 عملية شراء شهريًا، في حين أنها كانت تصل إلى أكثر من 400 عملية في المواسم الصيفية الماضية، على حد وصفه.

وأوضح عطوة أن تجارة الذهب في قطاع غزة مرتبطة بموسم إقامة احتفالات الزفاف (فصل الصيف)، مضيفًا أنه مع بداية الموسم تبدو مؤشرات الإقبال ضعيفة، وهناك توقعات باستمرار الركود في تجارة الذهب.

وتابع “لا أتوقع زيادة كبيرة في الإقبال على شرائه، حال استمرار الحصار وإغلاق المعابر”.

وأشار عطوة إلى عدم وجود ذهب مزوّر في السوق الفلسطينية، مؤكداً في الوقت ذاته أن تجار الذهب، لديهم قدرة عالية على معرفة الذهب والتمييز بين أنواعه.

وقال “إن هبوط الذهب إلى مستويات أدنى من 1180 دولارا للأونصة، من شأنه أن يفتح الطريق لمزيد من الهبوط الذي قد يصل إلى مستوى 1000 دولار للأونصة مبدئياً”.

ويرى أن سبب توجه بعض المواطنين إلى بيع ما يملكونه من ذهب، رغم انخفاض سعره، نتج عن عوامل عدة، أهمها التخوف من استمرار تراجع الأسعار، وتفاقم سوء الوضع الاقتصادي، مما يضطر بعض الناس إلى التخلي عن شيء من مدخراتهم من المصوغات أو السبائك الذهبية.

لقمة العيش أولى

فقدان الذهب لقيمته بين الغزيين وتراجع رغبات النساء باقتنائه؛ يعود لأسباب عدة، كما يرى الخبير الاقتصادي د. ماهر الطباع، الذي يقول “بالرغم من استقرار أسعار الذهب في ظل الهدوء النسبي على الساحة السياسية عالمياً، إلا أن قوة الإقبال عليه لم تتأثر في غزة، بسبب وجود عامل أقوى، يتمثل في الأوضاع المعيشية الصعبة التي يعانيها سكان القطاع نتيجة انخفاض الدخل وانتشار البطالة وإغلاق المصانع والمعابر وهدم الأنفاق، فأصبحت لقمة العيش أهم من الذهب”.

واستطرد الطباع في ذكر الأسباب التي ساهمت في ركود سوق الذهب، كاتجاه المستثمرين ذوي رؤوس الأموال الصغيرة والمتوسطة للاستثمار في مجالات أخرى، لأن تذبذب أسعار الذهب بين الارتفاع والنزول، يمكن أن يقضي على رأس مال التاجر.

وأشار الطباع إلى أن توفر بدائل أخرى للمقبلين على الزواج – وهم الفئة العظمى من الراغبين بشراء هذا المعدن – أدت إلى عزوف الكثيرين عن شرائه، موضحًا أن “دخول الذهب الصيني الأسواق بأسعاره المناسبة، بالإضافة إلى لجوء المقدمين على الزواج إلى استئجار الذهب لاستخدامه ليلة حفل الزفاف فقط، ساعدا في قلة الإقبال على شرائه”.

ويتراوح سعر الغرام الواحد من الذهب بين 28 إلى 30 دينارا أردنيا، وهو سعر مرتفع مقارنة بقدرة المواطن الغزيّ الشرائية، وهو الذي بالكاد يستطيع سد حاجاته الأساسية من المواد الغذائية، والتي لم تسلم، هي الأخرى، من خسائر كبيرة في القطاع الإنتاجي.

وأكد الطباع أن الخروج من أزمة الركود العام في قطاع غزة، وركود تجارة الذهب بشكل خاص، لا بد أن تبدأ بتحسن الوضع الاقتصادي عبر رفع الحصار عن غزة، وفتح المعابر الذي سيدفع إلى دوران العجلة الاقتصادية، ما يعني تحسن الدخل، وبالتالي يعود هذا بالنفع على التجارة عامة، ومن ضمنها تجارة الذهب.

المصدر: العربي الجديد

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن