الحكومة ترفض بناء المنازل من مواد طبيعية لحل أزمة المتضررين في غزة

mini_5454

خاص بآفاق البيئة والتنمية: فكرة إنشاء المنازل من مواد طبيعية  فرضتها الحاجة الغزية في ظل تعرض القطاع بين فترة وأخرى للعدوان الإسرائيلي المتكرر، الذي يستهدف البنية الإنشائية بشكل عام، مازال يشكل مثاراً للجدل والرفض المطلق من قبل الحكومة، دون إبداء أية تبريرات منطقية تُقنع أصحاب براءات الاختراع.

ما بين ايجابيات هذه الأفكار وسلبياتها والتحفظات عليها، دارت حلقة النقاش المستديرة التي نظمها مركز العمل التنموي “معاً” بعنوان” إنشاء المنازل من مواد طبيعية: الايجابيات والسلبيات” بحضور مجموعة من الخبراء وأصحاب براءات” الاختراع” والمختصين والإعلاميين.

أصحاب البراءات بادروا بعرض تجاربهم بهذا الشأن، والتي شملت البيوت المصنعة من مواد الكركار والطين والخشب المُعدم، مؤكدين أنها لم ولن تكن بديلاً عن إعادة الاعمار، وهي ليست وليدة اللحظة الحالية حيث بدأت تلك الأفكار ترى النور عقب عدوان 2008 والتي جاءت كحلّ مؤقت للإيواء.

المهندس عماد الخالدي خبير استخدام التربة في العمارة البديلة، قال: “فكرة إنشاء المنازل من المواد الطبيعية انطلقت بعد اشتداد الحصار الإسرائيلي على القطاع، وارتفاع سعر كيس الاسمنت لدرجة كبيرة، فجاءت فكرة أن ننعش موضوع البحث عن بدائل من تربة القطاع وكانت نقطة الانطلاق، المبنية على أن الإنسان عرف موضوع بناء البيوت منذ القدم والعمارة من البيئة التي يعيش فيها”.
ويضيف الخالدي اعتمدنا على عنصر التربة الموجود، بعد القيام بمعالجته في إطار الخصائص الهندسية المطلوبة، حيث جرى معالجتها بالحرق لتقاوم الانكسار والرطوبة، في ظل عدم توفر الطاقة الكهربائية.

تربة الكركار

“توجهت في الفكرة لاستخدام تربة الكركار سيما وأن غزة القديمة بنيت كل أسوارها وبيوتها خاصة في المناطق الشرقية من الشجاعية وحتى مدينة رفح إلى  بيسان؛  لأن تلك المناطق غنية بالتكشفات الكركارية” موضحاً أن عملية البناء تبدأ بقص الحجارة وتفتيتها، وقد جرى استهداف التربة وتم فصل الكركار منها وعلاج جميع الخصائص لإنتاج طوب متماسك يحتوى على جميع العناصر الجيدة ككبريتات الكالسيوم وكربونات الكالسيوم وكل أكاسيد المعادن الجيدة كونها تحدث ترابطاً وتماسكاً للمواد، وأجريت جميع الاختبارات اللازمة في الجامعة الإسلامية، والتي أثبتت قوة الحجر، والذي تزداد صلابته بمرور الوقت.

3000 وحدة

ويضيف الخالدي في ذات السياق لقد جرى اعتماد النظام المعماري القديم الذي يحتوى على الأقواس والأقبية والأشكال الهندسية التي تعرف “بيت العقد” مضيفاً أننا نجحنا في إنتاج المواد اللازمة لـ(3000) وحدة سكنية بعد عدوان 2008 بالتعاون والتمويل من قبل الدول المانحة.

ووجه اتهاماً صريحاً حينها للحكومة المقالة في قطاع غزة التي وقفت في طريق استمرار المشروع، ما تسبب بخسارة للشركة الذي يمتلكها.

وقال:” لم أتمكن من بناء سوى عشر وحدات سكنية وتوقف العمل في الشركة، وواصلنا بعد ذلك عملنا في إنتاج تقنيات جديدة غير الحجر، وهي تكوين ألواح تربة، من خلال تركيب مونة بدون اسمنت وجرى تطوير الحجر، ونجحنا في وضع 1% من الجبس، ولاقى هذا المشروع  تجاوباً من قبل المانحين، والدول العربية ولكن جوبه المشروع بالرفض المطلق من قبل الحكومة تحت مبررات سياسية.
وقدم عرضاً فنياً لطريقة التشييد والبناء، والتي راعت كل عوامل تحرك التربة، والرطوبة والحرارة من خلال استخدام عوازل جلدية أو خشبية. لافتاً أن هناك تقنية ثالثة خاصة بالمنشآت السياحية كالفنادق  والشاليهات، أو معسكرات الإيواء، وأن هذه التقنية تستخدم التربة دون معالجة وإنتاج مونة بدون اسمنت، وهي محلية بامتياز وقد لاقت الترحيب من قبل أبزر صحيفة أمريكية هناك وهي مونتور.

الحكومة تتجاهل

وأوضح أنه اقترح على الحكومة أن تقوم بإعادة  رأس المال  الفكرة  التي بلغت  أكثر من( 82) ألف دولار والذي تضمنت أبحاث ودراسات لمدة (6) شهور وإنشاء مصنع لإنتاج الطوب المعالج والذي أنتج (50000) طوبة ومسكبتين حديد وغيرها من الأجهزة الأخرى، ولكن قوبل بالتجاهل، وجرى ضرب مشروعه كونه الطرف الأضعف.
وقال:”  أن وزير الإسكان قدم مليون دولار لغرض عمل اختبارات على الطين فتفاوضت معه بإعطائه كل النتائج والتجارب التي توصلت إليها مقابل دفع رأس المال الذي أنفقته للمشروع، ولم يجرؤ لمقابلتي وتوضيح الأمور نظرا لارتباطها بمصالح شخصية على حد تعبيره”.

استثمار المحررات

وأكد  أنه قدم مقترحا لوزير الإسكان في حكومة غزة يتضمن استثمار المناطق العشوائية في المحررات دون المساس بالمشاريع الإسكانية المقامة، وجرى تسليم هذا المقترح منذ عام( 2010) وأن هذه المساكن ستأخذ شكل إبداعي ومعماري هرمي تضفي جانب جمالي على المكان، وفي ذات الوقت تأوي العديد من الأسر وتكون كسياج  وسور لحمايتها من إعادة احتلالها مرة أخرى، موضحا أن المشروع تم تسليمه للصندوق العربي ووافق على دعمه ولكن بقى حبيس الأدراج.

المهندس إسماعيل أبو سخيلة مدير المشاريع في الجامعة الإسلامية، تحدث عن فكرة بناء البيوت من الطين والقش، والذي واجه عدم قبول من قبل الناس، للسكن وقال “أنتجنا أول وحدة كانت لمركز شرطة في مدينة الشيخ زايد في محافظة الشمال، موضحاً أنه في التجارب التي أجريت تم إضافة مادة الكركار ولكن تلك التجربة مكلفة للغاية وهي ليست في متناول المواطن، في ظل عدم وجود دعم لتلك المشاريع والتي تحتاج لمساحات شاسعة،  وهذه الفكرة انطلقت بعد عدوان 2008 كحل مؤقت لإيواء الناس وليس بشكل دائم.

الحاجة

ويرى أبو سخيلة أن هذه المشاريع التي ولدتها الحاجة والضرورة تدل على مدى التحدي الذي يمتلكه الشعب الفلسطيني، لافتا أن هذا المشروع صعب تعميمه لزيادة كلفته من ناحية، وعدم القبول من قبل الناس، عدا عن ضعف توجه ومساندة الخبراء المحليين والمهنيين للعمل في إنشاء بيوت من الطين، وتحديات أخرى لها علاقة بالجانب السياسي وإقدام إسرائيل على سرقة الطين من وادي غزة، وندرة الطين الجيد في تربة القطاع، وفرض الحصار على الأخشاب.

وتابع في ذات السرد أن التكلفة الغالية لإنشاء وحدة سكنية تكلف 20،000 دولار حيث تُحجم الدول المانحة لدعم تلك البيوت، نظرا لكلفتها المرتفعة، عدا عن معدل صلاحيتها يصل من (10-15) عاماً فقط، وصعوبة عمل طوابق متعددة تتناسب مع حاجة الأسرة الممتدة، والاحتياج لمساحات واسعة أفقية وقطاع غزة لا يحتمل هذا التوسع العمراني. عدا عن حاجتها لتشطيب خاص يقاوم عوامل الحرارة والبرودة.

أول بيت خشبي

وعرض المهني يوسف شريتح تجربته في بناء أول بيت خشبي لأسرته عقب عدوان 2008 والذي تضمن طابقين، من استخدام الخشب المعدم مع إضافة لكوب خشب من محلات النجارة والمسامير للتثبيت، موضحاً أن كلفة البيت تبلغ ثلاثة آلاف دولار فقط جاهز للسكن بعد عشرة أيام من الانتهاء منه، والذي يستغرق إقامته أسبوع واحد.

شريتح يضيف أنه عاش في بيته الخشبي لمدة ثلاثة سنوات إلى أن تم تدميره  بالكامل خلال عدوان( 2014 )، ويقول: ” لقد أنشأت بيتاً آخر لعائلة هدم بيتها في العدوان الأخير في بيت حانون،  وأنشأت حتى اللحظة 40 بيتا” 12 بيت في شرق جباليا منطقة أبو صفية، 3 بيوت في بيت حانون، و12 بيت في القرية البدوية، وجاري إنشاء عدة بيوت في الوقت الحالي في مدينة رفح.
ويواجه شريتح تحديات في تكملة مشروعه الذي يعتبر مناسباً وفي متناول الناس المتضررين الذين بات بإمكانهم العيش مؤقتا في تلك البيوت، وهي قلة الخامات وفرض الحصار على دخول الأخشاب. موضحاً أنه يستخدم الجلد في تبطين البيت ويتم تبليط الأرضية بالكراميكا، أو البلاط العادي لمنع تسرب المياه في فصل الشتاء

اعتبر الجميع أن فكرة البيوت الخشبية ” الخيم الخشبية” لاقت القبول كونها في متناول الجميع، ومؤقتة للسكن، كون الخشب يناسب جميع الفصول.

وترفض المهندسة نشوة الرملاوي منسقة مركز إيوان في الجامعة الإسلامية فكرة استخدام الموارد الطبيعية في بناء الوحدات السكنية, وان الجامعة تستخدم المواد الطبيعية فقط في ترميم المباني.

تذرع الاحتلال

قدم مدير الإعلام في وزارة الاقتصاد طارق لبد رؤية وزارته تجاه هذه الأفكار، مسجلاً اعتراضه عليها من خلال سوقه لعدة مبررات منها، وجود الاحتلال الإسرائيلي والذي يتذرع دوماً بإحكام الحصار في حالة وجود مثل تلك البدائل، وهذا من وجهة نظره يعفى الاحتلال من مسؤولياته لموضوع الاعمار وإدخال جميع المواد الخام اللازمة.

وأوضح أن قطاع الإنشاءات من أكثر القطاعات المؤثرة على الدخل القومي، لافتا أنه في العام( 2012) وصلت معدلات الربح من قطاع المقاولات 2 مليار و724 مليون في سنة واحدة بقيمة مضافة( 380 )مليون دولار وتشغيل ( 2310) شركة مقاولات في غزة وخلق فرص عمل لنحو( 39000) عامل.

في حين في العام 2013 انخفضت نسبة الشركات لتصل إلى 1356 فقط لقطاع المقاولات وانخفاض الربح إلى (1 مليار و599 مليون دولار) وانخفاض عدد العاملين إلى (22) ألف عامل وعدد الشركات انخفض في عام( 2014 ) إلى 476 شركة مقاولات فقط ووصل عدد العمال إلى( 8034 )عامل وهامش الربح وصل إلى(5 مليون و612 ).

وتابع أن معدلات البطالة ارتفعت من 52% عام 2012 لتصل إلى 62% عام 2014، موضحا أننا نعاني من ضخامة الطلب على موضوع الاسمنت وشح العرض وأن الاسمنت الذي يدخل من قبل الاحتلال الإسرائيلي يأتي حاملا أسماء المتضررين البالغ عددهم حوالي 125 ألفاً، وأن المواطن يبيع الاسمنت عبر السوق السوداء ليصل سعر الطن ما بين 2000- 2400 شيقل على قلة جودته.
وبرر رفض الحكومة لمثل هذه المشاريع بقوله:” أن قطاع غزة يعتمد على التوسع الرأسي وليس الأفقي؛ لقلة الأراضي في ظل وجود أكبر نسبة من اللاجئين الذين لا يمتلكون الأراضي عدا عن ارتفاع ثمنها، لذا يلجأ الشخص للحفاظ على أرضه”. عدا عن ارتفاع سعر الأراضي، عدم القدرة على بناء طوابق إضافية للوحدات السكنية، وأن هذه المواد الطبيعية تستخدم فقط في ترميم المباني التراثية فقط وليست مطلقا لسكن المواطن، معتقدا أن الكرفانات أفضل من البيت البديل.

ويؤكد لبد أنه لم يرفض الفكرة كفكرة ولكن رفضها يأتي من منطلق عدم إقرارها لتصبح أمرا واقعا وبديلا عن فك الحصار وإدخال جميع المواد الخام اللازمة للاعمار، معلنا أن هناك وعود من قبل الاحتلال الإسرائيلي لدخول الاسمنت لجميع المواطنين وليس للمتضررين فحسب.

لم تراع الأبعاد

وعقب منسق المشاريع في مركز معاً ماجد حمادة على المشاريع والتي لم تراع الأبعاد والمخاطر البيئية والسياسية لهذه المشاريع، وفي مقدمتها أنها لم تأخذ بالحسبان موضوع الكثافة السكانية الكبيرة في قطاع، كون جميع المبادرات أخذت طابع الامتداد الأفقي وهذا لا يمكن تطبيقه في ظل محدودية المساحة العمرانية.

وأضاف أن الأمر الثاني هو  الأثر البيئي على استخدام هذا المورد الطبيعي الهام في قطاع غزة واستنفاذه في ظل الطلب المتزايد على الرمال، الذي يعود إلى التطور الطبيعي لتلبية الاحتياجات العمرانية والبنية التحتية وبناء المؤسسات الخدماتية وغيرها، سيما مع العجز الكبير الذي لحقها نتيجة الحصار ومنع إدخال مواد البناء عدا عن تأثير ذلك على الحق في السكن وتأثير ذلك على الخزان الجوفي الذي يعد المصدر الرئيس للمياه في القطاع.

ونبّه حمادة من أن الاستخدام الجائر لمقالع الرمال سيؤدي كذلك إلى تآكل التربة وتقليل نسبة خصوبتها، ما يؤثر على التنوع الحيوي، الإضافة إلى تحويل تلك المناطق إلى أماكن لتجميع النفايات الصلبة والمياه العادمة، وتأثير الأخيرة على إمكانية تلويث المياه الجوفية.
وتابع في ذات السياق أن الكثبان الرملية تقع فوق خزان المياه الجوفية وهي مصائد طبيعية لمياه الأمطار ويؤثر اقتلاعها سلباً على قدرة مخزون المياه الجوفية على التجدد.

وقد اتفق الجميع على ضرورة تطوير فكرة البيوت الخشبية كونها الأكثر تناسباً في الوقت الحالي للمتضررين، والتي تستخدم بشكل مؤقت، وتكثيف الأبحاث والدراسات والاهتمام بالكفاءات المحلية وفسح المجال أمامها للإبداع.

تقرير: ماجدة البلبيسي

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن