الحلقة الثانية.. تفاصيل تنشرها القسام لأول مرة عن “الثأر المقدس”

الثأر المقدس

في الحلقة الثانية لتفاصيل عمليات الثأر المقدس، يواصل موقع القسام الالكتروني نشر معلومات جديدة سمح بنشرها، يرويها الأسير القسامي القائد حسن سلامة في الذكرى الـ22 للعمليات.

وفيما يلي الحلقة الثانية والتي تبدأ بعد تواصل القائد حسن سلامة مع مجموعة القدس وإرسال رسالة شفوية للقائد العام “أبو خالد”، ومن ثم نقل معدات العمليات من أسدود إلى القدس المحتلة للبدء بالعمل.

أول الغيث

تعرفت على الأسير محمد أبو وردة صاحب الفضل الكبير في هذا العمل ونجاحه، والتعرف عليه كان بداية الخير، فهو الذي استعد للعمل عندما طلب منه ذلك، وكان وقتها أمير الكتلة الإسلامية في معهد رام الله، وهو من نظم الشهداء وأحضرهم، وكان دائم الاستعداد لكل شيء.

مجدي أبو وردة، وإبراهيم السراحنة، كانوا طليعة استشهاديي كتائب القسام في عمليات الثأر المقدس، وأصحاب العمل المزدوج، انطلق الاستشهاديان بلباس صحفي، وقصة شعر تناسب عملهما.

كانت مهمة الاستشهادي القسامي مجدي أبو وردة الصعود للحافلة رقم 18 وهو يضع على ظهره حقيبة صحفي بداخلها عبوة من مادة (TNT) بوزن 13 كيلو جرام، جاهزة بين يديه، تم تركيبها وتجهيزها أمامه، وتلقى تدريباً عليها.

كذلك الاستشهادي القسامي إبراهيم السراحنة، كان هدفه تجمعٌ كبيرٌ للجنود في موقف لهم بالقرب من سجن عسقلان، وكان يحمل حقيبة جندي بداخلها عبوة بوزن 13 كيلو جرام، يعرف كل شيء عنها، وتلقى تدريباً عليها.

تلقوا التدريبات معاً والتوصيات المطلوبة، وتم إعطاؤهم مبلغاً مالياً ليستخدموه إن حدث معهم طارئٌ لا قدّر الله، وكان عليهم التسلل بصمتٍ وعدم إحداث أي أمر ملفت للانتباه، هناك التقطت الصور الأخيرة معهم، وكنا مجتمعين في أحد البيوت في أبو ديس بالقرب من القدس ومعي أكرم القواسمي وأيمن الرازم والاستشهاديان، تناولنا الطعام معاً وقضينا آخر اللحظات، وبعد تجهيز كل شيءٍ لهما، كان يجب عليّ العودة ليلاً قبل تنفيذ العمل، وقام الإخوة أكرم وأيمن بتوصيلي إلى رام الله.

في يوم الأحد 28/2 صباحاً انطلق المجاهد أيمن الرازم بالشهيد مجدي أبو وردة، سيكون الاستشهادي مجدي داخل الباص الساعة 6:30 صباحاً، وهذا ما تم بالفعل، ولم يغادر أيمن إلا بعدما تأكد من صعود مجدي للباص.

أما المجاهد أكرم القواسمي فقام بتوصيل الاستشهادي إبراهيم السراحنة لهدفه في عسقلان، لكي تتم العمليتان في نفس الوقت ولبُعد المسافة، انطلق أكرم إلى هدفه قبل أيمن، وفي طريقه وقبل الوصول لموقف الجنود، سمعوا في الأخبار بحدوث الانفجار الأول فكانت ردة فعل الشهيد إبراهيم بالقول “أسرع يا أكرم فقد سبقني مجدي إلى الجنة”، أسرع أكرم وأوصل إبراهيم إلى هدفه وترجّل من السيارة، ودخل إلى وسط جنود الاحتلال وفجر نفسه بعد صديقه مجدي.

عشر دقائق كانت الفرق بينهما في دخول الجنة إن شاء الله، فكُنت في رام الله أسمع الأخبار وأترقب ما الذي سيحدث، حتى بدأ بث إذاعة العدو في الساعة السادسة والنصف صباحاً، وبعد 5 دقائق تم بث خبر الانفجار الأول، وبعدها الانفجار الثاني وكان هذا الرد الأول الذي جاء بعد خمسين يوماً من استشهاد المهندس، وفوراً تواصلت مع غزة وتحدثت مع الأخ/ سالم المهموم باثاً إليه خبراً مشفراً بأنه “قد تم زراعة نصف الأرض بنجاح والنصف الآخر سيكون قريباً” وهذه عبارة مشفرة تعني أنه تم تنفيذ الجزء الأول من العمل بنجاحٍ وباقي نصف الثاني قريباً، ووصل الخبر للأخ القائد العام “أبو خالد الضيف”.

عودة للعمل

رغم ما حدث من إغلاق وتشديد واعتقال من قبل الاحتلال وأجهزة السلطة تواصلنا مجدداً للعمل واستكمال الانتقام، حيث تمكن الأخوان أكرم وأيمن من اختراق الحصار المفروض على القدس وبقينا في رام الله، وتحدثنا في أحد المطاعم عمّا حدث، وعن المهمة القادمة، وكان عليهم مسئولية تحديد هدفٍ جديد، واتفقنا على أن يكون الهدف الجديد ذات الباص رقم 18 كتحدٍ للأجهزة الأمنية الصهيونية، وللسخرية منهم، واعتقاداً منا أنهم لن يتوقعوا العودة إلى نفس الهدف.

كان هذا اقتراح أكرم وأيمن، واتفقنا على ذلك، وتوافقنا على لقاءٍ لاستلام الاستشهادي الثالث الذي لم يكن معروفاً حتى هذه اللحظة، فوراً تواصلت مع الأخ محمد أبو وردة وتقابلنا وتحادثنا، وباركنا له باستشهاد قريبه مجدي، وطلبت منه أخذ الحيطة والحذر، وعدم مغادرة المعهد، وطلبت منه استشهادياً ثالثاً، فأخبرني عن الشهيد “رائد الشغنوبي” صديقه في المعهد الذي يثق فيه، ويعرفه جيداً، ودائم الحديث عن الشهادة.

وفعلاً أحضر لي محمد الشهيد رائد، وكان كما أخبرني، فتحدثت معه، وتم تجهيزه، وعشت معه أياماً معدودة في البيت، وقبل استشهاده بيومٍ كان صائماً طوال هذه الأيام، وفي يوم السبت جهزت له إفطاراً (معكرونة دجاج)، وأيقظته ليأكل ويجهز نفسه لصلاة المغرب، فإذا به يبكي بحرارة، انزعجت وخطر في بالي أنه قد يكون تراجع في اللحظات الأخيرة، وبعدما هدأ سألته ما الخبر؟ ماذا حدث؟ فإذا أنا أمام شخصٍ غير عادي، جاء في منامه أن السماء قد فتحت له، وغمره نور، وانطلق صاعداً إلى السماء، هناك حيث الجنان، استيقظ يبكي فرحاً مستبشراً، وراجياً أن يكون هدفه كبيراً.

كُنت أمام نموذجٍ غير طبيعي، استبشرت به خيراً، انطلقنا معاً، وكنا على موعد مع مجموعة القدس لكي يبيت عندهم، ثم يوصلوه في الصباح إلى هدفه، وعاش أكرم وأيمن معه لحظاته الأخيرة، وفي الصباح انطلق الاستشهادي القسامي رائد الشغنوبي إلى هدفه، وكان عمله من أكبر الأعمال وأشدها على كيان الاحتلال، فقد خرج كبيرهم لأول مرة ليقول “هذا اليوم حزين بل من أشد الأيام حزناً على دولتنا منذُ أن تأسست فنحن أمام عمل لا يوجد فيه إصابات، جميع من في الباص قتلى” فقد أعطى الله شهيدنا على قدر إخلاصه.

هؤلاء هم أبطال هذا العمل الكبير، رحم الله شهداء هذا العمل البطولي في ذكرى استشهادهم، ورحم الله جميع شهدائنا، وكتب لنا ولهم الأجر، وجمعنا بهم في جنات الخلد، فقد طلبنا منهم أن يشفعوا لنا، وأن يسلموا لنا على رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى صحابته الكرام.

شهداء في ظلال الثأر المقدس

الشهيد عادل عوض الله صاحب الفضل الكبير بعد الله في هذا العمل، فهو الصديق الذي بحثت عنه وقد كنت تعرفت عليه في السجن سنة 1989م، وعندما وجدته لم يمض على خروجه من سجون الاحتلال سوى أسبوعين، ومع ذلك ورغم حذره الأمني قدّم لي كل ما أريده، ووفر لي المأوى، وعرّفني على الشهيد محي الدين الشريف، ووفّر لي المال، ووقتها أعطاني المال الذي كان يملكه من أجل العمل.

في بيته أيضاً تعرفت على أخوه الشهيد عماد، وعشت معهم أجمل وأحلى اللحظات، تحدثنا كثيراً عن العمل، وجمعتنا أصعب اللحظات عندما حاصرتنا السلطة في رام الله وفي بيت لحم، وعن طريقه تمكنت من التنقل والإفلات منهم، وهو من صاغ بيان العمليات، ووفّر لي كاميرا فيديو لتصوير الشهداء في لحظاتهم الأخيرة، وبعد العمل استمرت علاقتي معهم، وخططنا لعمليات الأسر التي تمت لكن لم يكتب لها النجاح.

الشهيد محي الدين الشريف الصديق الذي عشت معه في رام الله، ومعه خططت لهذا العمل، وكان صاحب خبرةٍ كبيرةٍ في مجال الكهرباء وأجهزة التحكم والتفجير عن بُعد، وبعد العمل لازمته واشتركنا معاً في عملية الأسر التي شارك فيها بنفسه، وكان يتنقل داخل الأراضي المحتلة عام 48 وهو المطلوب رقم 1 وقتها في الضفة.

وهناك أخوة آخرون أخفياء ساعدوا في إنجاح هذا العمل، لم تذكر أسماؤهم لهم الأجر بإذن الله، وأصحاب فضل كبير هم الشهداء (مجدي أبو رودة، إبراهيم السراحنة، رائد الشغنوبي) الأبطال الحقيقيون لهذا العمل، وهم الذين اختارهم الله شهداء، وكتب على أيديهم؛ لإخلاصهم هذا الإنجاز الكبير الذين سيبقى محفوراً في أذهان أبناء شعبهم، و دليلاً للبطولة والفداء، وذكرى مؤلمةً في تاريخ عدوهم وتاريخ هذا الكيان الذي اهتزت أركانه وتزلزلت دولته المزعومة من شدة وقع هذه العمليات الكبيرة.

ذكريات مع الاستشهاديين

مجدي أبو وردة شبلٌ لم يتجاوز الثامنة عشر من مدينة الخليل، من مخيم الفوار صاحب الابتسامة البريئة، الذي يعشق الجهاد، ويعشق كتائب القسام، كان يجلس هناك في مخيمه لوحده يتمنى الالتقاء بأحدهم ليطلب منه العمل، هذه حياته وهذا حلمه كنت أتصور أنني سأحتاج إلى أيامٍ وجلساتٍ كثيرة لتعبئته، جلست معه فأعطاني المعنويات، والاستعداد التام، وحبه للعمل، كانت عيونه تشع ببريقٍ خاص وكأنه أخيراً وجد ما تمناه.

إبراهيم السراحنة الشهيد البطل من مدينة الخليل من مخيم الفوار ابن الرابعة والعشرين كان كصديقه مجدي يتمنى العمل في صفوف كتائب القسام، لم يمكن مصدقاً أنه يجلس مع أحد مجاهدي كتائب القسام، وعيونه تتحدث عن مدى حبه واستعداده للعمل، كُنت محظوظاً بهذين المجاهدين وكانا يملكان من الإخلاص الكبير، لذا أكرمهم الله بهذا الإنجاز الكبير.

رائد الشغنوبي ابن نابلس معلم الأطفال القرآن، والذي كان يدرس في معهد رام الله، التقيت به بعد تنفيذ العمليات الأولى، واستشهاد كلٍ من (مجدي وإبراهيم)، أحضره لي الأخ محمد أبو وردة، وإذا به ذلك الشاب المثقف الواعي، صاحب الهم الكبير، شديد الالتزام، الخجول الباحث عن الشهادة، ما زلت أذكر عبارته “أريد المشاركة بعملٍ كبير” صدق الله فصدقه.

هؤلاء الشهداء عاشوا معي لحظاتهم الأخيرة، أو قُل أجمل أيام حياتهم، كانوا معي في بيتٍ في رام الله، كُنت أراقبهم حتى أقف على حقيقة مشاعرهم وصدقهم، عاشوا هذه الأيام في تقربٍ مع الله صياماً وقياماً، وكانت الأسلحة المتوفرة لدي لا تغادرهم، كانوا يحتضنونها، وينامون معها، ويستعجلون ببدء العمل، ولم يكن يعرف أحدهم أنه سينفذ عملاً استشهادياً، ومع ذلك كانوا مستعدين لكل شيء، كتبوا وصاياهم وأعطوني باقي أغراضهم لتوصيلها للأهل وأتمنى أن تكون وصلت.

وُثِّق كل شيءٍ عنهم بالصور ومقاطع الفيديو ولكن للأسف ولصعوبة الأوضاع والظروف تم إتلاف هذه الوثائق، وكان هذا أسوء خبر سمعته، ولكن هذا قدرهم يكفيهم أنهم الآن في الجنان اختارهم الله شهداء، وأجرى على أيديهم عملاً سيبقى خالداً بأسمائهم وسيذكرهم الجميع ويقتدي بهم ويتحدث عن بطولاتهم الكبيرة.

أسدل ستار العمل

بعد عمليات الثأر لاغتيال المهندس يحيى عياش، تعرضت الحركة لأكبر عملية حصار واعتقال خاصة في غزة، وكانت تلك الظروف من أصعب الظروف التي مرت على حركة حماس.

فتداعى العالم ليساند الاحتلال، واجتمعوا في (شرم الشيخ) لإنقاذ ما يستطيعون إنقاذه من حكومة (بيرس) بعدها انتقلت من رام الله المحاصرة إلى بيت لحم بواسطة الشهيد عادل عوض الله، وهناك التقيت مرةً ثانية بالشهيد محي الدين الشريف، ولحق بنا عادل، واستمر تنقلنا من مدينة إلى أخرى نخطط لعملٍ جديدٍ بمساعدة إخوة مجاهدين جدد كان على رأسهم الشهيد القسامي صالح تلاحمة، والشهيد جهاد سويطي.

عملنا معاً وخططنا لعمليات، أهمها التخطيط لأسر جنود، وتم ذلك ولكن لم يكتب النجاح لهذه العملية، بعدها اعتقلت مجموعة القدس، ثم اعتقلت أنا في كمين بالخليل، فيما استشهد كلٌ من (الشهيد عادل عوض الله، وأخوه الشهيد عماد عوض الله، والشهيد محي الدين الشريف، والشهيد صالح تلاحمة، والشهيد جهاد سويطي وإخوة آخرين).

وفي الختام .. هذا حديثٌ مختصرٌ يكشف بعض أسرار “عمليات الثأر المقدس” في ذكراها الـ 22، ومع هذا العمل وذكراه، وذكريات أبطاله وشهدائه تبقى صفحات جهاد القسام زاخرة بالعطاء والبطولات، التي تتكشف مع مرور الأيام والسنين فصولٌ جديدةٌ منها، وسيحمل المستقبل ما يسوء المحتل حتى يتحقق النصر والتحرير بإذن الله.

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن