الزواج الأبيض.. أخطر ظاهرة تهدد الأسرة الإيرانية

الزواج الأبيض.. أخطر ظاهرة تهدد الأسرة الإيرانية

يطلق “الزواج الأبيض” على ما لا يتم بالطرق الشرعية سواء العرفية أو الرسمية، ويختلف عن زواج المتعة المعتمد في المذهب الشيعي.

يتفق الزوجان بهذا النوع من الزواج الذي يعتبر غير شرعي في إيران على العيش المشترك بالتراضي دون اتباع أي من الآليات الشرعية.

وانتشار هذه الظاهرة ينم عن تحولات في قناعات ورؤى المجتمع بدأت تطفو للسطح شيئا فشيئا، يعتبرها علماء الاجتماع تهديدا وجوديا للحياة الأسرية والقيم المجتمعية التي انبنت عليه العائلة الإيرانية منذ آلاف السنين، كما ينظر إليها الآباء والأمهات ككابوس يتهدد نسلهم وحياة أولادهم.

ظاهرة دخيلة

الزواج الأبيض الذي بدأ ينتشر هنا منذ عقدين تقريبا، ويتحول اليوم إلى ظاهرة مجتمعية ولاسيما في المدن الكبرى، وهو دخيل على المجتمع، وقد انتقل إليه من المجتمعات الأوروبية حسب الخبراء والباحثين الإيرانيين بالقضايا الاجتماعية.

لا إحصائيات رسمية

يقول الباحث بالقضايا المجتمعية كامل أحمدي: لا توجد إحصائيات رسمية، لكن دراسة ميدانية لـ 213 حالة من هذا الزواج أجراها هذا العام، تؤكد أن 45% منهم تتراوح أعمارهم بين 25 وثلاثين عاما.

يضيف أحمدي أن غالبية الأزواج والزوجات يحملون شهادات جامعية، إذ إن 62% منهم لديه شهادة بكالوريوس، و23% يدرسون بمرحلتي الماجستير والدكتوراه.

وفقا لهذا البحث فإن 39% من المستطلعة آراؤهم لا يؤمنون بالدين الإسلامي، و57% لديهم درجات ضعيفة من المعتقدات الدينية، و2.9% فقط يؤمنون بالدين بالكامل، كما أن 52% من الزوجات يأملن أن ينتهي زواجهن لزواج رسمي، بينما رفض ذلك 47% من الأزواج.

أسباب الشباب

يذكر الباحثون المختصون جملة أسباب تدفع الشباب إلى اللجوء نحو الزواج الأبيض، يمكن تصنيفها إلى عوامل فكرية مثل عدم وجود القناعة بالزواج الرسمي، وحرية الاختيار، وملكية الجسد، وعوامل اقتصادية مثل تكاليف الزواج الباهظة، وعوامل نفسية مثل التهرب من المسؤولية، وعدم الثقة بشريك مدى الحياة، والرغبة في التعارف قبل الزواج الرسمي.

وفي هذا السياق، يقول الشاب “سينا” الذي اختار هذا النوع من الزواج منذ ثلاث سنوات للجزيرة نت “إننا قررنا (هو وإحدى الفتيات) أن نعيش تحت سقف واحد دون أي عقد، لأننا لا نؤمن بالزواج والقيود الرسمية والمجتمعية، وإذا ما تعارفنا على البعض أكثر ووجدنا أننا زوجين مناسبين للحياة مدى العمر، قد نفكر بتسجيل زواجنا رسميا، لكننا اليوم لا نريد ذلك”.

وفي معرض رده على سؤالنا إن كانت أسرتاهما تعلمان بذلك، قال إن عائلتيهما كانتا ترفضان بادئ الأمر لكن عندما وجدتا أنهما مصران على هذا النمط من الحياة أصبحتا تقبلان بذلك، مع ذلك أكد أن لديه أصدقاء اختاروا هذا النوع من الزواج دون أن تعلم عوائلهم وخاصة أسر زوجاتهم بذلك.

عدم الوعي

واعتبر وزير الرياضة والشباب أن دوافع الزواج الأبيض ليست اقتصادية فحسب، وإنما تعود أيضا إلى مشاكل ثقافية، ونفسية وعدم الوعي بتبعات مثل هذه العلاقات الزوجية غير الصحيحة التي أدت -حسب قوله- إلى اتساع نطاق معضلة الزواج الأبيض.

ويقول الباحث الاجتماعي د. مجيد أبهري إن مشاكل الزواج الدائم، والتملص من المسؤولية، وتوقعات عالية لدى الشباب، والمهور الثقيلة “التعجيزية” أحيانا تسببت في تزايد حالات الزواج الأبيض، مما أسهم في تراجع الزواج الرسمي.

معضلة اجتماعية

إلى وقت قريب، كان ينظر علماء الاجتماع إلى الطلاق كأخطر تهديد لسلامة الأسرة بعد أن سجل العام الماضي أعلى أرقام الطلاق في تاريخ البلاد، حيث وصلت إلى 175 ألف حالة بينما حالات الزواج المسجلة بالفترة نفسها كانت 609 ألفا، إلا أن هؤلاء الباحثين -حسب موقع خبر أونلاين- يعدون الزواج الأبيض أخطر من الطلاق.

وحتى الآن لا ترغب السلطات بالحديث عن ظاهرة الزواج الأبيض، وإنما تشير إليها بشكل عام وخجول، وعليه طالب وزير الداخلية قبل عدة أيام بضرورة إجراء تحقيقات خاصة حول انتشار هذا الزواج، قائلا إن الجهات المعنية أعدت تقارير بهذا الشأن وناقشتها دون أن يذكر مزيدا من التفاصيل.

وللقضاء كلمته

كما أن السلطة القضائية كسرت صمتها مؤخرا عبر تحذير أطلقه مساعد رئيس السلطة بعد استخدامه “العيش المشترك الأسود” بدلا من مصطلح الزواج الأبيض، قائلا “هذا الزواج يتعارض مع الشرع والقانون، وكل من يساهم في نشره أو يعلم به ارتكب مخالفة قانونية وشرعية وساعد في نشر الفحشاء”.

ويؤكد الباحثون أن الزواج الأبيض إن لم يكن كبرى المعضلات الاجتماعية التي يواجهها المجتمع اليوم فإنه يعد من أصعبها بسبب تبعاتها الكارثية على النظام الأسري والقيم الحضارية، حيث إن الأمر بات يتعدى عزّابا رجالا ونساء إلى متزوجين أصبحوا يقبلون على هذا الزواج.

النساء والأطفال الضحية

يقول د. أحمدي إن الدراسة التي أجريت بشأن الزواج الأبيض استخلصت أنه -فضلا عن آثاره السلبية على النظام الأسري والقيم المجتمعية- فإن له تداعيات أخرى مثل الضغوط النفسية الناتجة عن سرية هذا الزواج، وعدم شرعيته، وانهيار القيود الجنسية، وولادة أطفال بلا هوية قانونية ومحرومين من الحقوق كالإرث والإجهاض.

ومن جانب آخر، يؤكد د. أبهري أنه وفقا للإحصائيات الموجودة فإن العلاقات الزوجية في هذا النوع من الزواج قصيرة المدة لانعدام التزامات أخلاقية وقانونية وشرعية، لذلك يمكن أن يستيقظ أحد الزوجين صباحا ويقرر إنهاء هذه العلاقة لأنه لا يوجد أي رادع والتزام رسمي، ففي هذه الحالات النساء هن الضحية.

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن