الغاز والكهرباء والمواصلات.. “ثالوث” مزمن في الحياة الغزية

الوطن اليوم / تسنيم الرنتيسي

يكشف انقطاع التيار الكهربائي المستمر عن قطاع غزة منذ شهر، آثار أزمة تلو الأخرى على سكان القطاع المليون ونصف فلسطيني.

ففي غزة تستمر أزمة الدراسة للامتحانات مع انقطاع التيار الكهربائي 8 ساعات في اليوم الواحد، نتيجة شح الوقود الذي نتج عن إغلاق أنفاق التهريب على الشريط الحدودي بين رفح ومصر.

كما يشهد قطاع غزة أزمة كبيرة في غاز الطهي منذ أكثر من عام، نتيجة تقليص الاحتلال للكميات الواردة للقطاع عبر معبر كرم أبو سالم.

هذه الأزمة ألقت بظلالها على حياة الغزيين لا سيما في الجانب الإنساني، وأجبرت المواطنين على تعبئة اسطواناتهم بأنفسهم بعد عجز الموزعين عن توفير الحد الأدنى لهم من احتياجاتهم.

وتتكدس داخل محطات تعبئة الغاز عشرات الآلاف من الإسطوانات التي ينتظر أصحابها بفارغ الصبر تعبئتها، كما عادت الطوابير على بوابات المحطات، يتناوب فيها أفراد العائلة للحصول على اسطوانة واحدة، وقد يطول الانتظار لأيام.

أزمات مترابطة

وتتزامن أزمة الغاز هذه الأيام مع أزمة الكهرباء والمواصلات، ويقول الطالب عبد الله أبو حصيرة في الصف التاسع بمدرسة تابعة لوكالة الغوث بغزة لــ”الوطن اليوم” :”إن انقطاع الكهرباء أثر علينا في عدم مقدرتنا على الدراسة ونحن نقوم منذ أسبوع بتقديم امتحانات نهاية الفصل  الدراسي الأول، ويضيف بعد العودة من تقديم الامتحان أذهب إلى البيت للدراسة للامتحان الذي يليه، وهناك ما في كهرباء أيضاً فأضطر إلى النوم مبكراً، وعندما تأتي الكهرباء بساعات الفجر أستيقظ للدراسة للامتحانات”.

ويقول الطالب عبدالله :”في ظل انقطاع الكهرباء لا يوجد لدينا ما نشغله سوى الشمعة ولا استطيع أن أدرس عليها”.

أما سعد في أواخر الثلاثينات من عمره قال إن ما يهمه هو توفير الحرارة والتدفئة المطلوبة للأطفال حرصاً على عدم تعرضهم للمرض، وأعرب عن سخطه الشديد لانقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة، على حد تعبيره.

ولم تقف أزمة الكهرباء وحدها عائقاً أمام سعد لتدفئة منزله، فقد حالت أزمة الغاز دون تشغيله مدفأة الغاز لعدم امتلاكه سوى اسطوانة واحدة للطهي، ما أجبره على استخدام الفحم لتدفئة منزله، بالرغم من مخاوفه من الآثار التي تنجم عن إيقاده داخل المنزل.

أما كمال رجب فقد استخدم برادة النجارة لتدفئة المنزل بعد حصوله عليها من ورشة للنجارة بالقرب من منزله، مفضلاً استخدامها على الفحم.

وقال رجب إن سلبيات انقطاع التيار الكهربائي لا تتوقف فقط على ما يصاحبها من انخفاض في درجات الحرارة، موضحا أنها تضاعف من حالة الملل لدى الأطفال الذين يرغبون في مشاهدة التلفاز والتسلية.

معاناة تعبئة الغاز

و يقول المواطن أكرم عبد العال وقد بدا عليه الإرهاق بعد انتظار دام لساعات في طابور اصطف فيه عشرات المواطنين أمام إحدى محطات تعبئة الغاز شرق رفح يحرسون اسطواناتهم وينتظرون فتح بوابة المحطة لتعبئتها: «اضطرتني أزمات الغاز المتلاحقة إلى اقتناء ثلاث اسطوانات بالمنزل، ولم أكن أدري أن أزمة الغاز عادت من جديد، وفوجئت عند نفاذ الاسطوانة الأولى أن الغاز شحيح وأن الحصول على أنبوبة أصبح حلماً صعب المنال، ومنذ ذلك الحين فرغت جميع الاسطوانات خاصتي ولم أتمكن من تعبئة واحدة منها».

وجرت العادة منذ بدء الحصار على قطاع غزة أنه في حال عدم توفر الوقود يلجأ أصحاب السيارات للاعتماد على الغاز في تشغيلها من خلال تركيب جهاز يتيح ذلك.

وقد أقبل الكثير من أصحاب السيارات على استخدام الغاز بدلاً من الوقود بعد إغلاق أنفاق التهريب وارتفاع أسعار المحروقات التي تدخل من إسرائيل.

ويرى مواطنون أن أزمة غاز الطهي تعتبر الأسوأ منذ سنوات، لأنها تتزامن مع أزمة الكهرباء، خاصة أن الأخيرة تعتبر مصدراً للطاقة وتشكل بديلاً عن الغاز.

وقال محمد المدهون أنه حصل على عرض مناسب بأن يدفع عشرة شواقل لأحد الذين حالفهم الحظ بتعبئة أنبوبة غاز من الحجم الكبير على أن يقوم بتفريغها باسطوانات صغيرة.

ويؤكد المواطن فريد أبو عمر أنه يعاني من نفاذ الغاز من بيته منذ شهرين، مشيراً إلى أنه لم يتمكن من الحصول على اسطوانة واحدة حتى اللحظة في انتظار أن تأتي حصة المنطقة التي يسكن فيها وفقاً لما أبلغه به أحد موزعي الغاز.

وأشار أبو عمر إلى أن شح غاز الطهي خلق أزمة في طهي الطعام خاصة مع تفاقم أزمة الكهرباء، موضحاً أن عائلته تضطر في كثير من الأحيان لطهي الطعام على «بابور الكاز» وهو مكلف حيث يصل سعر لتر الكاز إلى ستة شواقل تقريباً هذا بالإضافة إلى أنه يشكل خطراً لكن العائلة اضطرت لاستخدامه.

أما إبراهيم عبد الرحمن أحد موزعي الغاز فبين أن أزمة الغاز مستمرة منذ فترة ولا يتمكن موزعو الغاز من إرضاء جميع الموطنين دفعة واحدة.

وقال: «يحاول موزع الغاز أن ينظم عملية التوزيع وفقاً للمناطق والأحياء، ونظراً لشح الغاز والنظام المتبع في المحطات نتيجة هذا الوضع يضطر الموزع لجمع الاسطوانات الفارغة من الأحياء تباعاً ويتم أيضاً توزيعها بعد تعبئتها تبعاً لنفس نظام الجمع ما يخلق فترة طويلة بين الجمع والتوزيع وهذا يشعر المواطن بأن انتظاره للحصول على اسطوانة يطول كثيراً وقد يستمر أحياناً شهراً أو أكثر».

رئيس جمعية أصحاب محطات الوقود والغاز بقطاع غزة محمود الشوا، أوضح أن سبب أزمة غاز الطهي داخل القطاع ترجع لعدم سماح الاحتلال بإدخال الكمية الكافية وذلك نظراً لقلة ساعات العمل على معبر كرم أبو سالم التجاري.

وقال الشوا إن: «الكمية التي يسمح بإدخالها من الغاز تعادل 160 إلى 180 طن يومياً، وهي لا تكفي 50% من احتياج سكان قطاع غزة». وأوضح الشوا «أن هناك وعودا لزيادة كميات الغاز المدخلة للقطاع، كما يجري العمل على تركيب خطوط غاز جديدة على معبر كرم أبو سالم»، معربا عن أمله بأن تنتهي الأزمة بسماح الاحتلال بزيادة ساعات العمل لزيادة كمية الغاز المدخلة.

خط جديد للغاز

وكشف رئيس هيئة المعابر في السلطة الوطنية نظمي مهنا عن مخطط ستقوم السلطة بتنفيذه يتمثل بإنشاء معبر جديد خاص بالغاز إلى قطاع غزة.

وأضاف مهنا انه تم التوصل لاتفاق مع الجانب الإسرائيلي على إقامة خط جديد آخر للغاز يسمى «معبر الغاز» يمتد لمسافة كيلومتر قرب معبر كرم أبو سالم سيتم من خلاله إدخال 350 طنا يوميا من الغاز وهي كافية لسد احتياجات قطاع غزة.

وأضاف مهنا أن الحكومة ستقوم بتغطية نفقات المشروع الذي سيبدأ تنفيذه خلال الأيام القريبة المقبلة لحل أزمة الغاز التي يواجهها قطاع غزة.

المواطنون يدفعون الثمن

وانعكس ارتباط أزمة الغاز بأزمة المواصلات إلى تشعب الإشكالية التي يدفع ثمنها السائقون والمواطنون على حد سواء، فمن ناحية يرى السائقون أن أزمة المواصلات في ظل غلاء الوقود تتطلب رفع تسعيرة التنقل، فيما يرى المواطنون ضرورة ألا يكونوا ضحايا أي أزمة جديدة.

من ناحيته حذر نافذ غنيم عضو المكتب السياسي لحزب الشعب الفلسطيني من معالجة أزمة المواصلات في قطاع غزة على حساب المواطنين، وذلك من خلال رفع تسعيرة التنقل داخل وبين المحافظات، معتبرا أن أي قرار من هذا القبيل سيسهم في تصعيد حدة الاحتقان الداخلي، وقد يكون سببا في انفجار الحالة العامة التي وصفها بــ”الصعبة للغاية”.

وقال غنيم «إن أزمة المواصلات آخذة بالتصاعد، وبدأت عمليا حين قامت الحكومة برفع أسعار الوقود بصورة مطردة وبمعدلات عالية حينما كان يتم تهريب الوقود عبر الأنفاق من الجانب المصري، حيث لمست الشكوى في الشارع من قبل قطاع السائقين، وتضاعف هذا الوضع المأساوي بعد منع تهريب الوقود من مصر بسبب إغلاق الأنفاق، واضطرار السائقين للتعامل مع الوقود الإسرائيلي المرتفع الثمن، الأمر الذي لم يترك ناتجا ماليا للسائقين كي يتمكنوا من إعالة أسرهم بكرامة».

واعتبر غنيم أن تحميل السائقين العبء أمر غير عادل ومرفوض، موضحا أن السائقين يمثلون شريحة كبيرة من المجتمع، ويجري تصنيفهم ضمن الفئات الفقيرة نسبيا.

وشدد غنيم على أن «الحالة الداخلية في قطاع غزة مرشحة لمزيد من الأزمات كما ونوعا، بسبب الحالة التي نشأت في المنطقة بعد سقوط حكم الأخوان في مصر، وبسبب استمرار حالة الانقسام وما نتج عنها من مناكفات متعددة الوجوه والمسارات»، منوها إلى ضرورة أن «يستوعب الجميع أن واقعا جديدا نشأ في المنطقة، وان حال اليوم ليس كالأمس، وأنه لا يجوز التعامل بالأساليب والمفاهيم التي تجاوزتها الأحداث».

وأكد غنيم «أن ذلك سيساهم في تكريس الأزمة الداخلية، وسيضاعف معاناة شعبنا، وستتولد إلى جانب أزمة المواصلات والوقود والكهرباء والبطالة، أزمات أخرى متنوعة سيدفع الجميع بسببها ثمنا باهظا».

بدوره، شدَّد النائب في التشريعي يحيى شامية، على ضرورة البحث عن وسائل جديدة يتم الاستفادة منها لتوفير الكهرباء لسكان القطاع والتخلص من تِلك الأزمة.

وأوصى بالعمل على توفير تأمين الوقود لمحطة توليد الكهرباء بغزة دون ضرائب، والعمل على تجنب استخدام الوقود الإسرائيلي بسبب ارتفاع الضرائب عليه، وأن تتحمل شركة توليد الكهرباء مسؤولية إيراد الوقود وإنتاج الكهرباء وبيعه بما هو مناسب، وأن تصبح مسؤولية إدارة شركة الكهرباء من مسؤوليات رئيس سلطة الطاقة.

وشدد مدير شركة توزيع الكهرباء سهيل سكيك، على ضرورة تحديد احتياجات قطاع غزة من الطاقة الكهربائية والبحث عن مصادر متعددة عن الطاقة في غزة، وعدم التوقف على مشروع الربط الثماني مع عدة دول في المنطقة.

ودعا كافة المعنيين إلى ضرورة العمل على تنفيذ مشروع “161” من أجل إنهاء معاناة سكان قطاع غزة من مشكلة التيار الكهربائي.

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن