المأذون التركي

نبيل عمرو
نبيل عمرو

خرجت من غزة وعنها أخبار كثيرة تؤكد نظرية “لا دخان بلا نار” وهذه عينة من الأخبار.. مصر قررت – أو هكذا نُشر – إقامة أحواض لتربية الأسماك على طول الحدود مع غزة، وذلك لمنع إقامة أنفاق بفعل تحلل التربة تحت تأثير الماء. توني بلير يواصل عمله بين غزة وتل أبيب لبلورة اتفاق تهدئة طويل الأمد مع حماس.
الناطقون الرسميون باسم حركة المقاومة الإسلامية “حماس” يعلنون أن محادثات التهدئة مع إسرائيل مستمرة، ولكنها لم تنضج تماما بعد. إسرائيل تعلن أنها لا تفاوض حماس لا بصورة مباشرة ولا غير مباشرة.
أما تركيا المفضلة عند حماس كمأذون شرعي، فلا تنكر إجراء مفاوضات مصالحة مع إسرائيل على مستوى مديرين عامين لوزارتي خارجيتي البلدين، من أجل تسوية الخلافات القائمة بينهما، بما في ذلك مسألة رفع الحصار عن غزة، كأحد شروط ما بعد مرمرة.
هذه الأخبار جميعا تناقش وفق أجندات كل طرف وليس ما إذا كانت دقيقة أم غير ذلك، والمعني هنا هو حماس وإسرائيل.
الملاحظ أن حماس تبالغ في الحديث عن الاتصالات مع إسرائيل، وذلك من أجل إعطاء أهل غزة بارقة أمل برفع الحصار وعودة الحياة الطبيعية، بعد أن ذاق الغزيون مرارة الحصار مضاعفة مثنى وثلاث، في الشتاء القارس قبل شهور، والحر اللاهب الآن، ومنذ انتهاء عهد الأنفاق واستبدالها ببحيرات السمك المزمع إنشاؤها، أكثرت حماس من التبشير بعلاقات طبيعية على وشك الحصول مع مصر، ورفع حصار مرهق من قبل إسرائيل.
إن حماس بحاجة إن لم يكن لتحقيق إنجازات ملموسة في هذا الاتجاه، فالمتاح هو الوعد بها.
أما إسرائيل التي تنفي جملة وتفصيلا أي مفاوضات مع حماس، مع أن أحدا لا يمكن أن يصدق ذلك، فهذا هو تكتيكها لعدم استفزاز رام الله، التي تعتبر أي اتفاق بين حماس وإسرائيل لا بد وأن يكون على حسابها ولمصلحة قيام إمارة مستقلة في غزة.
إسرائيل تعرف حاجة حماس الملحة للتهدئة، وتستخدم هذه الحاجة لترويضها، وجعلها أكثر حرصا على التنسيق الأمني معها من حرص رام الله، ولا تقبل إسرائيل أن تتطور العلاقة بينها وبين حماس، لتتعدى الجانب الأمني، ذلك أن للجانب السياسي شروطا هي ذات الشروط التي التزمت بها سلطة رام الله، وإن ببعض اختلافات يفرضها اختلاف البيئة بين الجناحين الفلسطينيين.
حتى الآن أصدق أقوال بعض قادة حماس من أن التفاهمات مع إسرائيل لم تنضج وقد لا تنضج، فإسرائيل التي تمسك بأقفال المعابر مع غزة تفضل تهدئة تستقر بحكم الأمر الواقع وقدرات الضغط والردع، فإن حدث تفاهم حول هدوء عميق وطويل الأمد فلا بأس من ذلك دون أغلفة سياسية، وإن لم يحدث فالأمر الواقع الذي جعل حماس تطارد كل من يطلق النار على إسرائيل سوف يستمر وبصرامة أشد.
الخطبة التي يسعى إليها توني بلير ويجري المباحثات لإنجازها تحتاج إلى إخراج على الطريقة الإسلامية والمأذون التركي راغب وجاهز حتى لو كان غير كافٍ في أمر كهذا.

نبيل عمرو

كاتب وسياسي فلسطيني

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن