المصالحة الفلسطينية… ورقة تكتيكية أم تحول استراتيجي؟

المصالحة الفلسطينية

اعلنت حركة حماس ومنظمة التحرير الفلسطينية في مؤتمر صحافي مشترك عقد في مخيم الشاطئ للاجئين غرب مدينة غزة امس الاربعاء الاتفاق على تشكيل حكومة توافق وطني برئاسة الرئيس محمود عباس خلال خمسة اسابيع.

واطلق الاعلان عن الاتفاق احتفالات في شوارع غزة، مصدرها الامل في ان تكون المصالحة قابلة للتنفيذ هذه المرة، وان تفتح الباب امام انهاء الحالة المأساوية التي يعيشها القطاع. ولا يملك المراقب العربي الا ان يتمنى ان تكون هذه المصالحة ‘مختلفة حقا عن سابقاتها’، وان يكون الدافع اليها هو تحول استراتيجي مشترك نحو الالتزام بالمصلحة الوطنية العليا، وليس اللعب بها كـ ‘ورقة تكتيكة ‘ لتحقيق اهداف سياسية ضيقة، سواء على صعيد المفاوضات التي وصلت الى نهاية الطريق المسدود مع اسرائيل، او الوضع السياسي لحركة حماس في ضوء علاقاتها المعقدة مع القاهرة.

فهذه ليست المرة الاولى التي يخرج فيها الفرقاء الفلسطينيون ليعلنوا انهاء الانقسام، ويلتقطوا الصور للمصافحات وتوقيع الاتفاقات، قبل ان يكتشف الجميع ان ما حدث لا يتعدى ‘مسرحية اعلامية’، اصبحت بالنسبة لكثيرين ‘مثيرة للملل’ على اقل تقدير.

وحتى اذا توافرت النوايا الحسنة لدى الطرفين، قد لا يعدم المراقب ان يجد من الاسباب الجدية والمنطقية للتشكيك في امكانية تنفيذ هذه المصالحة، وهي التي يكاد ينطبق عليها القول ‘مضطر اخاك لا بطل’ بعد ان تأخرت لسنوات طويلة. وحسب المثل الفلسطيني فان ‘الملدوغ يخاف من جرة الحبل’.

الا ان الانصاف يحتم استحضار ان الاختلاف الكبير في المعطيات السياسية هذه المرة، قد يكون كافيا لتبرير الامل في ان تكون بداية ممكنة لنهاية هذا الانقسام المشين.

فالرئيس محمود عباس يمكن ان يجد في المصالحة مع حماس ‘حبل نجاة’ لانقاذ مصداقيته، بعد ان وصل مجددا الى النتيجة المحتومة نفسها في المفاوضات الماراثونية مع اسرائيل دون ان يكون قادرا على تقديم بديل حقيقي لشعبه، ما زاد من الضغوط عليه للتهديد باعلان حل السلطة، وتسليم مفاتيحها الى الامم المتحدة.

وربما القى نتنياهو اليه بهذا الحبل عندما هدده بأن عليه ‘ان يختار بين السلام مع إسرائيل أو الحركة الإسلامية المعادية لإسرائيل’، وهي تهديدات تستحق ان يرد عليها الرئيس الفلسطيني ببرقية شكر، اذ انها تسهل عليه اتخاذ القرار الصحيح للمرة الاولى منذ زمن بعيد.

فالذي ينتظره الفلسطينيون من رئيسهم، مصالحة على اساس المقاومة المشروعة للاحتلال بكافة السبل، تفعيلا لمعاهدات القانون الدولي التي وقع عليها مؤخرا، وليست ‘مصالحة للتسويف او المهادنة او التعايش’ مع الاحتلال.

اما حركة حماس، فقد اصبح تفاقم الاوضاع المتردية في قطاع غزة يمثل تحديا حقيقيا لسلطتها، سواء من حيث شرعيتها او قدرتها على البقاء. واصبح واجبا عليها من جهة المسؤولية الوطنية ان تعيد الامانة الى صاحبها الاصيل اي الشعب الفلسطيني، عبر انتخابات شاملة، بغض النظر عن اي تصنيفات على اسس سياسية او ايديولوجية او جغرافية، ليقرر ان يفعل بها ما يشاء.

وليس سرا ان العلاقة بين حماس وحكومة القاهرة وصلت مؤخرا الى مرحلة غير مسبوقة من المواجهة ان لم يكن العداء، وسط اجواء مسمومة من الحرب الاعلامية، والقطيعة السياسية، والتوتر الامني.

ومن اللافت ان اسماعيل هنية ومسؤولين اخرين في حماس اشادوا بدور مصر في اتمام المصالحة واكدوا دعمهم لها. فهل ستكون المصالحة الفلسطينية مناسبة لفتح صفحة جديدة مع القاهرة؟ ولا يمكن النظر الى المصالحة الفلسطينية بمنأى عن تحولات اقليمية متسارعة، اصبح معها استمرار الانقسام الفلسطيني نوعا من الاصرار على الانتحار السياسي الجماعي، ناهيك عن الحاق ضرر تاريخي بالقضية الفلسطينية لا يمكن الا ان يقارن مع النكبة نفسها.

وفي المقابل فان القاهرة مطالبة بمباركة هذه المصالحة ليس ببيان دبلوماسي اجوف، لكن باتخاذ مبادرة لانهاء معاناة اهل غزة، بفتح المعبر بشكل قانوني ما يحفظ الامن للجانبين، لكن لا يقصر الحالات الانسانية على المعتمرين، وكأن المرضى والعائلات المشتتة وغيرهم ليسوا كذلك.

وبغض النظرعن حقيقة هذا المشروع الجديد للمصالحة الفلسطينية ومستقبله، فانه مناسبة اخرى يظهر فيها جليا ان ادارة الصراعات السياسية المتحولة بحكم طبيعتها، تتطلب قدرا كبيرا من ضبط النفس والبراغماتية وعدم الايغال في العداء، حيث انه في النهاية لا يصح الا الصحيح.

المصدر: القدس العربي

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن