المهذب والوقح في الشقاوة ينعمان

بكر ابوبكر

بقلم: بكر أبو بكر

دخلت القضية الفلسطينية وكل القضايا في الأمة المنكوبة بأبنائها معترك المضحكات والمبكيات، فلا يكاد هذا أوذاك في “الاتجاه الشرقي” يتحدث إلا وصفعه ذاك في “الاتجاه الغربي” (الشرق والغرب فرضيات) أو ردَّ له الصاع صاعين.

قد نقول أن “الشرقي” في رده [مهذب] والغربي في رده [وقح] هذا صحيح ، ولكن كلاهما يعمل ضمن مشروع، وجميل أن يكون لكليهما مشروع وهدف، ولكن كل منهما يعتقد أنه يخدم به فلسطين (أو قضية الله او قضية الوطن او قضية الحرية…الخ) من خلاله فقط كشخص أو حزب أو جماعة ، وهنا الطامة العظمى أو “أم الطمم” على وزن أم المعارك.
أن تكون مؤمنا بنجاح مشروعك وعاملا لذلك بجهد، ولكنك ترى كل المعيقات التي تجبرك على النظر لمشروع الآخر (المهذب أو الوقح) ولا تلتفت إليه، لأنها منه، أو لا تلتفت الى نُتف منه، ألا تعتقد أنه صفاقة؟ أم تراه تحجرا واستعلاء؟ أم هو بلاء في الأمة وحمق متوارث؟ متوارث هو لا أعتقد، أتراه مكتسب!

تتقاتل المسلّمات والفرضيّات والاستنتاجات والاحتمالات وتتعارض المصالح وتسود الأمور الشخصية لتحكم رقاب العباد، وكثيرا ما يكون ذلك باسم رب العباد! والقضية (كل قضية) تغرق يوميا في بركة آسنة، تغرق ولا أحد، نعم لا أحد، لا من ذاك ]المهذب[ ولا من ذاك ]الوقح] يمد لها قصبة النجاة مهما قال وجال ومال وصرخ حتى لو انشقت حنجرته.

الصراخ بالهواء الشرقي أو الهواء الغربي بلا قيمة إلا عند الأنصار، والأتباع المنساقين سوقا الماشية تتقدم ذليلة للذبح في مسلخ البلدية المجاور، ويحار ذو اللب أن وجد (أو وجدوا) في أحد المعسكرين/الاتجاهين (ربما هم كُثرُ ولكن فاعليتهم ضعيفة) مصداقا لقول الشاعر اللبيب الباكي الشاكي من سوء حاله (ذو اللب يشقى في النعيم بعقله وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم)، ونحن في شقاوتنا  “شرقيين وغربيين” ننعَمُ ونُطعم وبالغانيات نحلمُ، وكأننا نتقلب على أرائك وبُسط من حرير.
يضيع الكثير ومنه تضيع فلسطين وتضيع القدس وتضيع الأهداف الكبرى… ويضيع المقدس، بل وتضيع الامة الساهمة في عجاج النقع والغُمة، ونحن (غُثاء) و لاهون في سباق التلاعبات والتناقضات الكبرى التي تحرك قادة (المسلمات والفرضيات والاحتمالات والاستنتاجات) من أصحاب المصالح الخاصة والنزق، ووهج السلطة وبريق المال والمرق، والتصاقية الكرسي تحت التكييف بلا عرق؟

أفلا ينظرون أبعد من أرنبة أنوفهم ! فيرون كيف خُلقت الإبل؟ ويظنون أنهم بعظمتهم الموهومة سواء بفكرهم أو حراكهم أو إيمانهم الناصع أو خناجرهم أو حناجرهم يسيرون على الماء فلا يبتلون !.

يقول الله عز وجل في محكم التنزيل في]المهذب[ وفي ]الوقح[ بالمعنى القرآني المختلف والقطعي هنا بين الحق الواضح والباطل (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى) وقبلها قال سبحانه: (فَأَمَّا مَن طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ) (النازعات 37-40) فنهى النفس عن  الهوى المحرم يعني (الجهاد الأصل للنفس) بتربيتها وتنظيمها وتحقيق توازنها وطرد شيطانها، وزجرها ، وألزامها بالحق وكبح جماحها حتى لا تقع فيما حرم الله من الواضحات ومن الكذب الذي يتقنه السياسيون (المؤمن لا يكذب) والغيبة والوقاحة والتكفير والتخوين والفحش والاستئثار والكبر والاستبداد والظلم وعدم رؤية الآخر والاستعلاء …الخ، ليقول الحق أيضا في الخطاب الموجه مباشرة وبشكل محدد  للنبي داوود ومن ورائه القادة والرؤساء والملوك والزعماء وأي مسؤول او راعي لشؤون جماعة مهما كان حجمها مؤكدا في سورة ص (فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) ﴿ص،٢٦﴾ ومن الحكم الحق العدل والاتزان والنظر بالاتجاهين الشرقي والغربي معا.

غني عن ضرب المثل الكثير من مثل (أكلت حين اكل الثور الأبيض) وقصة نقر السفينة، ومئات الامثال التي تقرب و”تلتفت”، ولا تنفر وفي هذا النزر اليسير نذكر ما يقول على بن أبي طالب رضي الله عنه وعليه السلام في نظرته الاسلامية الانسانية الشمولية التي لا تستثني احدا وتحاول إيجاد المشتركات دوما فقد كان يقول كرم الله وجهه (( اما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق )).

“الشرقيون” و”الغربيون” (مصطلحان فرضيان لجماعتين أو اتجاهين أوقبيلتين) بين المهذب والوقح في الجماعتين كليهما أو بينهما، يقعون في متاهة التنظير لصحة ما يسعون له ويؤمنون به حصريا دون سائر الجماعات او العباد، حيث تتقاطع الى حد التطابق الأهواء والمصالح الشخصية للشخص والجماعة مع مصالح القضية والأمة (؟!) ولا يستطيع كثير من القوم “الشرقيون والغربيون” أن يروا طريقا يضمهم أوحتى بصيص نور جامع، ربما لأن (الطمم) قد غطاهم، ولإن ازالة التراب عن فرضياتهم الأوحدية الاستبدادية الاستعلائية تعنى النظر يمينا وشمالا، ما لا يضعونه في الاحتمال، وتعني حُكما ضرورة التقاطع والتشابك والتشارك مع الآخر، دون استعداء أو اقصاء أو الغاء ما هو من أعظم الكبائر عندهم، ومدون في الصفحة الأولى داخل قاموس المستحيلات!…لديهم.

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن