انتخاب ترامب يوسع الخلاف بين إسرائيل ويهود أميركا

انتخاب ترامب يوسع الخلاف بين إسرائيل ويهود أميركا

حلمي موسى

منذ انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة والسجال لا يهدأ لا داخل إسرائيل ولا في صفوف يهود أميركا. ومعروف أن العلاقة وثيقة بين هذين الوجودين الأكبرين لليهود في العالم لدرجة أن البعض يعتقد أن وقوف أميركا إلى جانب إسرائيل يعود الفضل فيه إلى يهود أميركا الذين يملكون أشد اللوبيات تأثيراً في العالم. وبالعكس هناك من يعتقد أن مصلحة أميركا في إسرائيل عزّزت بشكل كبير من قيمة اليهود في أميركا. وفي كل حال لا ريب في أن أي خطر يتهدّد يهود أميركا يترك أثراً مباشراً على إسرائيل التي باتت أميركا الراعي الأكبر لها في العالم.

وقد بيّنت الظواهر التي صاحبت وأعقبت فوز ترامب بالرئاسة الأميركية أن جزءاً كبيراً من أنصاره، وهم من اليمين الأميركي المحافظ، يحملون في الوقت نفسه عداء للسامية واليهود. ولا يُخفي أنصار ترامب، ولا ترامب شخصياً، عداءهم للأجانب وخصوصاً من الملوّنين والهسبان والمسلمين. وهناك قناعة في أوساط يهود كثر، خصــوصاً من طوّروا لأنفسهم معايير ليــــبرالية، أن العداء للأجانب يعود بالضرر لاحقاً على اليهود. فعندما لم يكن لدى كارهي الأجانب أشخاص يكرهــــونهم، كانت الكراهية تنصبّ على اليهود. ولذلـــك يرون أن كــــراهية الأجانب هي وجه آخر لــــكراهية اليهود أو جزء مكمّل لها.

غير أن هذا موقف جزء من اليهود وليس كل اليهود لا في أميركا ولا في إسرائيل. فالجماعات الصهيونية في أميركا والتي تتغذّى على العداء للسامية أنشأت في السنوات الأخيرة علاقات مميزة مع اليمين الأميركي المحافظ. كما أن الأحزاب اليمينية في إسرائيل، خصوصاً بعد أن استقر لها الحكم وصارت هي صاحبة حقوق التداول فيه، بلورت مع مرور الوقت علاقات تحالف مع اليمين الأميركي من المحافظين الجدد وحتى العنصريين البيض. فالمسألة في نظرهم لم تعُد كراهية اليهود وإنما العداء لسياسة حكومات إسرائيل. وصارت اللاسامية في نظر هؤلاء تعني تحديداً اتخاذ مواقف سياسية تناهض الاحتلال. وربما أن أشد أنواع اللاساميين سوءاً في نظر قادة اليمين الإسرائيلي هم اليهود، خصوصاً في أوروبا وأميركا، ممن يبدون العداء للممارسات الإسرائيلية سواء الاحتلالية أو الاستيطانية. وفي نظر هؤلاء فإن اليهود أنصار الحق الفلسطيني هم «كارهون لأنفسهم».

على أية حال جاء انتخاب ترامب ليوسّع شقة الخلاف بين اليهود الليبراليين في أميركا واليمين اليهودي سواء في إسرائيل أو في أميركا. فالتقاليد الليبرالية لأغلب اليهود في أميركا باتت معرضة للخطر جراء اتساع التأييد لليمين الأميركي بسبب موقفه المتعاطف من إسرائيل. ويرى اليهود، خصوصاً من الطائفتين الإصلاحية والمحافظة وهم الأكثرية بين يهود أميركا، أن الطائفة الأرثوذكسية، صاحبة الغلبة في إسرائيل أن ليس من مصلحتهم الارتباط بالفاشية الأميركية. صحيح أن كثيراً من الليبراليين الأميركيين اليهود كانوا يتفهّمون أو يغضّون الطرف عن سلوكيات القمع الإسرائيلية، إلا أن المسألة تختلف عندما تغدو رؤوسهم قريبة من الخطر.

وليس صدفة أن استشعار يهود أميركا الليبراليين بالخطر صار يدفعهم للتعاطف مع مسلمي أميركا ممن يتعرّضون للاضطهاد جراء مواقف وتصريحات ترامب وأمثاله. ويُبدي المسلمون في أميركا ومنظّماتهم نوعاً من الاشمئزاز من ترامب وإدارته وهو الاشمئزاز ذاته الذي تشعر به قطاعات واسعة من يهود أميركا. فالخطر على حقوق الأقليات في أميركا صار ملموساً بعد أن وصل ترامب وأنصاره إلى سدة الحكم.

ويزعج التقارب بين يهود أميركا ومسلميها الحكومة الإسرائيلية التي راهن قادتها على أن عداء ترامب للمسلمين يعني عداء للعرب ووقوفاً إلى جانب الموقف الإسرائيلي من القضايا الأساسية.

ومعروف أن حكومة نتنياهو أبدت فرحتها بانتصار ترامب، رغم معرفتها بأن هذا ليس موقف الأغلبية الساحقة من يهود أميركا التي أيّدت، مثل المسلمين، المرشحة المنافسة، هيلاري كلينتون. ويقف يهود، خصوصاً من الرابطة ضد التشهير، على رأس الحملة المناوئة لترامب وأنصاره العنصريين.

ومنذ تولى جونثان غرينبلت رئاسة هذه الرابطة بعد إيف فوكسمان في العام الفائت، والرابطة تتعرّض لاتهامات بأنها باتت تحوي الكثير من المعادين للصهيونية وأنها تخالف سياسات الحكومة الإسرائيلية.

وعلى غير رضى الحكومة الإسرائيلية تحشد الرابطة ضد التشهير أنصاراً كثر لموقفها ضد ترامب وإدارته. وتتهم أوساط إسرائيلية الرابطة بالعمل ضد إسرائيل ومصالحها من خلال المواقف التي تتخذها ضد إدارة ترامب.

وقد رفضت إسرائيل فرضية صارت تمتلك أسساً داخل الرابطة تقول بأن ليس هناك بالضرورة ترابط بين اللاسامية والعداء لإسرائيل.

ويشيرون خصوصاً إلى موقف الرابطة من حركة مقاطعة إسرائيل التي يعتبرون عملها شرعياً ومناهضاً للاحتلال فقط.

ويقول غرينبلت الذي لم يعجبه تفهم إسرائيل لتعيينات ترامب، خصوصاً مستشاره الاستراتيجي ستيف بينون أن بينون معادٍ للسامية. ولذلك طوّر فكرة تقول إنه مثلما أن معارضة إسرائيل وتأييد مقاطعة البضائع الإسرائيلية لا يشير تحديداً إلى معاداة للسامية، فإنه ليس ثمة تناقض بين أن تكون لا سامياً وأن تُعرب عن التأييد لإسرائيل.

ومن المؤكد أن هذه المعادلة لن تمرّ هكذا لأنها تنسف الكثير من الأسس التي قامت عليها العلاقات بين إسرائيل والطوائف اليهودية خصوصاً في أميركا.

ولا ريب أن هناك في إسرائيل من ينظر بخطورة إلى اتساع شقة الخلاف بين الدولة العبرية والجالية اليهودية الأشد تأثيراً في العالم. وهذا بالتأكيد سيزيد من حدة النقاشات حول الوجهة التي يقود اليمين الإسرائيلي الدولة العبرية نحوها، سواء في علاقاتها الدولية أو علاقاتها الإقليمية. وهذا ليس أكثر من جانب واحد من جوانب الخلاف الذي في الغالب سوف يتسع.

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن