تجارة السعادة.. يروجها الاحتلال ويدفع ثمنها الفلسطيني

حبة السعادة

تحقيق – محمد العرابيد

يروي ضابط شرطة قائلاً: “تحركت دورية من عناصر الشرطة لمعبر “إيرز” لإحضار تاجر موقوف على ذمة مالية لمركز الشرطة بعد اتخاذ جميع الإجراءات القانونية من المحكمة في غزة، وليتم تحويله بعد ذلك للحجز ليعرض على النيابة في اليوم التالي.

وتابع الضابط الذي تتحفظ صحيفة “الرسالة” المحلية عن ذكر اسمه: ” أثناء إجراءات التفتيش الروتينية لأي موقوف يتم حجزه في مراكز الشرطة بغزة، تبين أن التاجر يخفي في مناطق حساسة من جسده قرابة الـ900 حبة سعادة مخدرة جلبها من إسرائيل”.

هذه الحادثة التي رواها ضابط الشرطة، دفعت الصحيفة للتنقيب والبحث عن خفايا تهريب حبوب السعادة المخدرة إلى قطاع غزة، لاسيما أنها من أخطر المواد المخدرة على مستوى العالم، كونها تحتوي على كميات كبيرة من العقاقير الكيميائية الخطيرة، ويمكنها التأثير مباشرة على عدد من المستقبلات في الدماغ، لذلك هي محرمة في جميع دول العالم وفق اتفاقية تابعة للأمم المتحدة.

تحتوى على مواد مهلوسة

وتحتوي حبوب “السعادة” واسمها العالمي “الإكستاسي”، على مواد من العقاقير الكيميائية الخطيرة، إضافة إلى مواد مهلوسة تستخدم في علاج لمرضى الأمراض العقلية والنفسية، إضافة لمواد أخرى تصيب المدمن عليها بالجنون وفقدان الجهاز العصبي وخلل في الدماغ، حسب ما ذكرته منظمة الصحة العالمية في تقرير سابق.

في ضوء خطورة هذه الحبوب المخدرة، أسئلة كثيرة راودت معد التحقيق عن كيفية إدخال حبوب “السعادة” إلى غزة، وعن الإجراءات الأمنية لمواجهتها؟، وما دور الاحتلال في إغراق القطاع بها؟، فهذه التساؤلات كانت قيد البحث عن إجابات لها طيلة أكثر من شهرين على التوالي، حتى وصل معد التحقيق بعد عقبات إلى معلومات من مصادر عدة تؤكد وجود العشرات من التجار الذين يحلمون تصاريح دخول إلى “إسرائيل” يستغلون ذلك لتهريب حبوب “السعادة” المخدرة.

سجين: أصحاب الأموال والتجار هم من يتعاطون حبوب “السعادة” بغزة لارتفاع سعرها

وحسب المعلومات الأولية التي استطاعت “الرسالة” الحصول عليها، يشتري بعض التجار حبوب “السعادة” المخدرة بسعر زهيد من داخل “إسرائيل”، ويتم تهريبها في حقائبهم الشخصية عبر معبر “إيرز” أو من خلال إخفائها في بضائعهم عبر معبر “كرم أبو سالم”، وذلك لبيعها لمتعاطي هذه الحبوب بسعر مرتفع الثمن بهدف جمع الأموال.

وفي هذا السياق، التقت الصحيفة العقيد أحمد القدرة مدير مكافحة المخدرات في قطاع غزة، وخلال جلسة مطولة معه، أوضح أن بعض التجار يستغلون دخولهم لإسرائيل في تهريب المئات من حبوب “السعادة” إلى غزة.

وقال العقيد القدرة “بعض التجار وهم أصحاب رؤوس أموال يستغلون نفوذهم للحصول على تصاريح دخول لإسرائيل، ليتمكنوا من تهريب الحبوب المخدرة إلى قطاع غزة”، مؤكدا أن جهاز المكافحة تمكن من إلقاء القبض على عدد كبير من مروجي الحبوب في غزة خلال الأعوام الماضية.

مكافحة المخدرات: بعض التجار يستغلون دخولهم (إسرائيل) ليهربوا حبوب “السعادة”

وأوضح أن إحصائيات الكميات المضبوطة في غزة قليلة جداً، وذلك يعود إلى ارتفاع سعرها، وقد يصل من 80 شيكل إلى أكثر من 200 شيكل للحبة الواحدة حسب نوعها.

وأشار إلى أن الوضع الاقتصادي الصعب يمنع تجار المخدرات من تهريبها إلى قطاع غزة بكميات كبيرة نظرا لارتفاع سعرها، مؤكداً أن خطورتها الأكبر من بين جميع المواد المخدرة الموجودة في غزة، مثل الحشيش والاترمال، كونها تؤدي إلى الإدمان الشديد وعدم السيطرة على النفس والأعصاب.

وأوضح أن أبرز المشكلات التي تؤدي إلى عدم الكشف عن الحبوب هي غياب أجهزة حديثة على المعابر الفلسطينية، مثل جهاز “الأكس”، لذلك يستغل التجار قلة الإمكانيات ويتم تهريبها إلى قطاع غزة.

ونوه إلى أنه من خلال الضبطيات الأخيرة، تبين أن المواطن البسيط لا يستطيع شرائها لارتفاع ثمنها، مبيناً أن هناك فئة من أصحاب رؤوس الأموال من أكثر الفئات المدمنة عليها.

ويغض الاحتلال بصره عن بعض التجار الذين يدخلون الأراضي المحتلة، ويهربون حبوب “السعادة” إلى القطاع، كونهم يمرون عبر معبر “إيرز”، أو تمر بضاعتهم عبر معبر “كرم أبو سالم” التجاري وبحوزتهم العشرات من الحبوب المخدرة، علماً أن المعابر الإسرائيلية تمتلك وسائل تكنولوجية عالية تستطيع كشف الحبوب وبسهولة، حسب ما ذكره مصدر مطلع.

إسرائيل تغض النظر

وخلال عملية التقصي التقى معد التحقيق بأحد تجار حبوب “السعادة” في غزة، لمعرفة تفاصيل وخفايا إدخالها إلى قطاع غزة.

وقال التاجر الذي نتحفظ عن ذكر اسمه، أن جيش الاحتلال يتغاضى عن الحبوب الموجودة داخل البضائع التي تدخل معبر “كرم أبو سالم”، فيما يسمح للتجار أيضا بإدخالها عن طريق معبر “إيرز” شمال القطاع، حيث يعمد التجار على إخفائها في مناطق حساسة في أجسادهم”.

وأكد أن بعض التجار يستغلون ضعف الرقابة على المعابر الفلسطينية، وسماح الاحتلال لهم بإدخال الحبوب المخدرة إلى قطاع غزة، بكميات متفاوتة شهرياً، وذلك بهدف المال.

وباتت تجارة المخدرات في غزة، حربا خفية يقودها الشاباك الإسرائيلي الذي يلعب دورا مهما في تجاهل إدخالها إلى المجتمع الفلسطيني، وذلك بهدف تدمير نسيجه الاجتماعي، وإسقاط الشباب ومن لم تستطع إسقاطه تعمل على تحييده عن المعركة من خلال تضييع عقله ونفسه بتعاطي المخدرات.

مصدر خاص: بعض قضايا القتل بغزة يقف خلفها متعاطو حبوب “السعادة” المخدرة

ودأبت المخابرات الإسرائيلية منذ سنوات على إسقاط ضعفاء النفس من التجار الفلسطينيين من خلال السماح لهم بإدخال المخدرات وتهريبها إلى قطاع غزة، في المقابل نجحت الأجهزة الأمنية في غزة في عمليات عديدة ومفاجئة في إفشال العديد من محاولات التهريب من خلال ضبط العشرات من أنواع المخدرات ومروجيها.

وقادت عملية البحث والتقصي لمعرفة من يتعاطى حبوب “السعادة” المرتفعة السعر، إلى لقاء السجين “محمد خالد” اسم مستعار، ويقبع في غرفة مكتظة بالموقوفين على قضايا مخدرات في سجن العباس غرب مدينة غزة.

أصحاب رؤوس الأموال

السجين خالد، يبلغ من العمر (28 عاما) متزوج، ألقي القبض عليه بتهمة بيع حبوب “السعادة” ومصادرة ما يقارب 40 حبة “سعادة” مخدرة، إضافة إلى كمية من الحشيش والأترمال في منزله.

يقول لـ الصحيفة: “البعض كان يتردد إلى بيتي بسيارتهم الخاصة ويطلبون مني حبوب السعادة، بمعدل حبة يوميا”، مشيرا إلى أنه كان يذهب إلى المعنين ليعطيهم حبة “السعادة” بطريقة أمنة.

وأوضح السجين خالد أنه يحصل عليها عن طريق موزع مهمته إيصالها للمروجين، مشيرا إلى التاجر الكبير الذي يهرب هذه الحبوب لا يعرفه أحد، حيث يوزعها على المروجين عن طريق شخص، حتى لا ينكشف سره.

تاجر مخدرات: ضعف الرقابة على معبري “إيرز” و”كرم أبو سالم” يسهل دخولها لغزة

ونوه إلى أنه مؤخرا لجأ التجار إلى تهريب حبوب السعادة المخدرة عن طريق مدينة إيلات المحتلة إلى سيناء المصرية، لتدخل قطاع غزة عن طريق الأنفاق.

وتستخدم المخابرات الإسرائيلية العملاء الهاربين من قطاع غزة إلى داخل (إسرائيل) في التنسيق مع بعض تجار المخدرات لإدخال المواد المخدرة إلى قطاع غزة، بهدف إشاعة الجرائم والمشاكل الاجتماعية في القطاع.

إغراق غزة بالمخدرات

وقد كشفت التحقيقات التي حصل عليها موقع “المجد الأمني” المقرب من المقاومة، في تقرير نشره في شهر مايو العام الماضي، أن عددا من مروجي المخدرات الذين ألقي القبض عليهم اعترفوا بأنهم كانوا يهدفون لإغراق قطاع غزة بالمخدرات بالتنسيق مع عدد من العملاء الهاربين إلى (إسرائيل).

ونوه إلى وجود خطة إسرائيلية مدروسة يتم من خلالها ضخ كميات كبيرة من المخدرات عبر العملاء الهاربين، بحيث تصل للقطاع عبر المعابر والحدود، كاشفاً النقاب عن إلقاء القبض على عميل كان يتلقى المخدرات عبر الحدود.

ويتواصل تجار المخدرات مع عدد من عملاء المخابرات الإسرائيلية “الشاباك” المتواجدين في المناطق المحاذية لقطاع غزة وخاصة في “سديروت” وبئر السبع، ويتم إدخال المخدرات إما عن طريق البحر أو الحدود مع الاحتلال أو الأنفاق مع مصر.

 الاحتلال متورط

وفي هذا السياق، يؤكد المختص بالشؤون الأمنية رفيق أبو هاني، أن الاحتلال يحاول من خلال جهاز الأمن العام “الشاباك” عبر عملائه في غزة، تهريب وإدخال المخدرات إلى القطاع، وقال لمعد التحقيق، “(إسرائيل) ضاعفت في الفترة الحالية من نشاط العملاء في قضية ترويج وبيع المخدرات من خلال تهريبها إلى قطاع غزة عن طريق المعابر مع الاحتلال”.

مختص أمني: إسرائيل تسهل للتجار إدخال “السعادة” لغزة لإغراقها في وحل المخدرات

وأوضح أن أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية تهدف من وراء ذلك إلى إغراق القطاع بمثل هذه السموم، وإبعاد بعض أصحاب النفوس الضعيفة عن وطنهم وقضايا شعبهم، لمحاولة تجنيدهم فيما بعد، مشدداً على أن عملية تهريب المواد المخدرة تعتبر أمنية خطيرة على اعتبار أن مصدرها الاحتلال، “ويجب ألا يستهين المواطن بمثل تلك الأمور، لأن مدة أحكامهم قد تصل إلى سنوات”.

 ضعف الرقابة

وخلال بحث صحيفة الرسالة عن الجهات المسؤولة عن متابعة هذا الملف، حصلنا على معلومات من مصدر خاص في مكافحة المخدرات، تؤكد أن هناك ضعف في الرقابة على البضائع المستوردة من (إسرائيل) عبر معبر “كرم أبو سالم” وكذلك ضعف إجراءات تفتيش المسافرين على معبر “إيرز” شمال قطاع غزة.

وكشف المصدر الذي تتحفظ الصحيفة، عن ذكر اسمه، أن بعض الجرائم التي حصلت في غزة ومنها القتل، أظهرت التحقيقات أن الجاني متعاطي حبوب “سعادة” مخدرة.

وأوضح أنه قبل ثلاثة أعوام أقدم أحد الأشخاص على قتل والده ووالدته في منطقة دير البلح، وتبين بعد التحقيقات أنه كان متعاطيا لحبوب “السعادة” المخدرة، التي أفقدته وعيه وساعدته على تنفيذ عملية القتل دون مبالاة.

وقال المصدر: “هذه الحبوب خطيرة جدا، حيث تفقد المدمن عليها الإحساس والإدراك بالأشياء من حوله، وتقوده في بعض الأحيان للتهور وارتكاب جرائم قتل وسرقة دون أن يكون واعياً”.

 إجراءات ضعيفة

وخلال عملية التقصي والبحث توجه مع التحقيق إلى معبر بيت حانون “إيرز” الذي يقع أقصى شمال غزة، لمعرفة الإجراءات التي تتخذها الأجهزة الأمنية، وكيف تتم طرق تفتيش حقائق المواطنين العائدين إلى القطاع. ولاحظ معد التحقيق، بعد أن تواجد على البوابة الخارجية لمعبر “إيرز”، أن الإجراءات الأمنية التي تتخذها الجهات المختصة في تفتيش المواطنين العائدين إلى غزة “ضعيفة جداً”.

داخلية غزة: هناك من تغلب على الإجراءات الأمنية وهرب بعض المخدرات إلى غزة

وعلى طاولة لا يتجاوز عرضها المترين، يضع المواطنون العائدون إلى غزة حقائبهم، حيث يقدم عنصر الأمن المكلف بتفتيش المسافرين، على فتح هذه الحقيبة والنظر إلى داخلها لمدة لا تتجاوز الدقيقة، تم يبتسم لهم ويأمرهم بأن ينقلوا حقائبهم ويتوجهوا إلى شباك الأمن لينهوا إجراءاتهم، هذا ما لاحظته “الرسالة” خلال تواجدها في المعبر لمدة ثلاثة ساعات متواصلة لمراقبة آلية متابعة المسافرين.

هذه المشاهد التي نقلتها “الرسالة” من معبر “إيرز” تعزز فرضية التحقيق، بأن بعض التجار والذين يحملون تصاريح دخول إلى “إسرائيل” يستغلون ضعف الرقابة وإجراءات التفتيش في تهريب المخدرات إلى قطاع غزة، وتفند رواية وزارة الداخلية في غزة بوجود رقابة مشددة على المعابر.

 متابعة المهربين

الصحيفةطرقت باب وزارة الداخلية في غزة، لمعرفة الإجراءات الأمنية التي تتخذها الجهات المختصة على معبر “إيرز” شمال غزة، وما مدى نجاحها في إفشال عمليات تهريب المخدرات للقطاع. وقال المتحدث باسم الوزارة إياد البزم، إن الأجهزة الأمنية المختصة تعمل على متابعة عملها فيما يخص المواطنين القادمين والخارجين من وإلى قطاع غزة عبر معبر “إيرز” شمال القطاع.

وأضاف من الممكن أن تكون نجحت بعض عمليات تهريب المخدرات لغزة، مشددا على أن الداخلية تتخذ الإجراءات اللازمة لحماية أبناء شعبنا على معبر “إيرز” كونه مرتبط مع الاحتلال بشكل مباشر. وأكد البزم أن دخول بعض المواد المخدرة لا ينفي وجود رقابة من الأجهزة الأمنية في غزة على المعبر.

وأوضح أن هناك من تغلب على الإجراءات الأمنية وهرب بعض المخدرات إلى قطاع غزة عبر معبر “إيرز”، مشيرا إلى أن الداخلية تتخذ الإجراءات الأمنية المشددة وتطور من إجراءاتها خاصة أن المخدرات تدخل من أكثر من منفذ على غزة.

جدير بالذكر، أن حجم سوق المخدرات في “إسرائيل” يتجاوز ستة مليارات دولار سنويًا تشمل أكثر من مائة طن من الماريغوانا وثلاثة أطنان من الكوكايين وحوالي أربعة أطنان من الهيروين، إضافة إلى الحبوب المخدرة، ويتم بيع كميات كبيرة من هذه المخدرات إلى الفلسطينيين.

واستنتاجًا مما سبق، فإن حجم الضرر الذي يهدد صحة المواطن في غزة وسلامته، من ضعف الرقابة على البضائع التي تدخل عبر معبر “كرم أبو سالم” وتفتيش المواطنين على معبر “إيرز” من الجهات المختصة يسهل دخول حبوب “السعادة” إلى قطاع غزة، وهذا يفرض تشكيل لجان مختصة مهمتها متابعة وفرض إجراءات صارمة بتفتيش البضائع والمسافرين على المعابر الإسرائيلية.

إضافة إلى فرض قانون رادع وصارم بحق التجار الدين يحملون تصاريح دخول لإسرائيل في حال ثبت تهريبهم للمخدرات إلى قطاع غزة، إضافة إلى عدم إغفال رفع مستوى الوعي لدى المواطنين حول خطر هذه الحبوب المخدرة.

المصدر: صحيفة الرسالة

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن