تحقيق: اسرائيل تشن “حربا ضمن الحروب” وسط مخاطر تستعر على نار هادئة

بينما ترقب اسرائيل صراعات طائفية تعصف بأعداء عرب قدامى وجهودا دبلوماسية لتقييد مطامح إيران النووية يواجه جيشها تحديا جديدا.. ألا وهو الهدوء.

فالهدوء النسبي يشكل -لاسرائيل على الاقل- معضلة في حد ذاته.. فالقادة العسكريون عليهم الاستعداد لمواجهة اعداء ربما يصعب التكهن بهم في وقت تحاول أن تتجنب فيه إسرائيل تخفيضات كبيرة على ميزانية الجيش.

وقال اللفتنانت جنرال بيني جانتس رئيس اركان جيش الاحتلال في كلية (آي.دي.سي هرتزيليا) التي استضافت واحدا من عدة مؤتمرات أمنية عقدت هذا الاسبوع إن الوضع الاستراتيجي الاسرائيلي في غياب احتشاد اي جيوش معادية على مقربة “واحد من افضل الأوضاع على الإطلاق”، كما أوردت رويترز.

لكنه استطرد قائلا إن هناك اعدادا كبيرة من المسلحين الاسلاميين على حدود إسرائيل كما أن الصراع الداخلي في سوريا ولبنان كثيرا ما يمتد اليها مما يشعل الموقف بين الحين والآخر.

والفشل في احتواء الموقف يمكن أن يفضي الى تصعيد خطير على عدة جبهات. فإسرائيل تتمتع بقوة اقتصادية وديمقراطية نادرة في المنطقة. وفي صراعات سابقة احتشد الرأي العام بسرعة مطالبا برد انتقامي كبير وضخم.

من امثلة هذا أشار جانتس إلى إطلاق جهاديين صاروخ كاتيوشا من سيناء على منتجع ايلات هذا الشهر.

سقط الصاروخ في البحر الاحمر دون أن يلحق اضرارا لكن جانتس قال “لو كان سقط على (فندق) ميريديان لاختلف الوضع تماما الآن.”

اذن فالاحتواء هو الحل. أقامت اسرائيل سياجا على حدودها وتقيم درعا صاروخية بمساعدة الولايات المتحدة. ومن أجل ردع الاعداء يبالغ الزعماء الاسرائيليون في تصوير براعتهم العسكرية ويلجأون أحيانا للتهديدات المباشرة.

واتهم قائد القوات الجوية الميجر جنرال امير ايشل حزب الله اللبناني بانشاء “آلاف القواعد” في مبان سكنية وقال ان اسرائيل مستعدة لتدميرها ان هي تعرضت لاستفزاز رغم احتمال سقوط قتلى من المدنيين.

وقال في معهد فيشر للداراسات الجوية والفضائية الاستراتيجية “من سيبقى في هذه القواعد سيتعرض للضرب وسيجازف بحياته. ومن يتركها سيعيش.”

– صندوق الحرب

حزب الله هو أكبر مصدر للتهديد المباشر لاسرائيل. خاض معها حربا في عام 2006 ويقول مسؤولون اسرائيليون إن ترسانة الحزب المدعوم من ايران وسوريا تضم الآن نحو 100 الف صاروخ بزيادة 30 الفا عما أوردته البيانات الاسرائيلية العام الماضي.

لكن توقيت تصريحات ايشل القوية أثار دهشة.. فالاسرائيليون يعتقدون أن حزب الله ربما يكون منشغلا بمساعدة دمشق في محاربة جماعات المعارضة المسلحة بدرجة لا تسمح له بمحاربة اسرائيل الآن.

وقال مصدر اسرائيلي مطلع على تخطيط الجيش إن ايشل وغيره من كبار الضباط ربما يحاولون تبرير إنفاق القوات المسلحة الكبير لحكومة تميل الى توفير النفقات.

ويبلغ حجم ميزانية الدفاع نحو 51.5 مليار شيقل (14.74 مليار دولار) اي ستة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي وتريد الحكومة إجراء تخفيضات واسعة النطاق.

وقال المصدر الاسرائيلي الذي طلب عدم نشر اسمه “مر عام منذ آخر جولة قتال خضناها لذا تدور تساؤلات الان بشأن كل هذه المشاريع الدفاعية التي تقدر قيمتها بالمليارات” مشيرا الى الصراع الذي دار في غزة في نوفمبر تشرين الثاني 2012.

ونظرا للضغوط المالية وموافقة سوريا على التخلص من ترسانتها من الاسلحة الكيماوية تحت إشراف مفتشين دوليين قررت اسرائيل عدم صرف اقنعة واقية من الغاز اعتبارا من الشهر القادم. ومن العلامات الأخرى على أن الاسرائيليين لا يخشون قصفا وشيكا يستهدفهم في الداخل تريد وزارة الدفاع إغلاق وزارة الدفاع المدني والاضطلاع بمسؤولياتها.

اما المهمة العسكرية الاعلى تكلفة والتي لم تنفذ حتى الآن فهي الحرب التي تجري مناقشتها منذ فترة طويلة على برنامج ايران النووي.

وجاء الاتفاق المؤقت الذي أبرم بين ايران والقوى العالمية ليكبح جماح رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو رغم أنه ندد بالاتفاق ووصفه بأنه “خطأ تاريخي” خفف العقوبات عن ايران وترك بنيتها الاساسية النووية كما هي.

وفي كلمات مختلفة عن نبرة نتنياهو الحادة قال ايشل إن الدبلوماسية تسير فيما يبدو في “اتجاه ايجابي”. لكنه استطرد قائلا “لا أعلم ما ستؤول إليه الأمور.”

وقال إن جيش الاحتلال منهمك الآن -في غياب المواجهة الشاملة- في شن “حملة ضمن الحروب… للتعامل مع الاخطار قبل أن تتشكل.”

ويشير هذا فيما يبدو الى ضرب اهداف مثل قوافل الأسلحة المتجهة لحزب الله في سوريا او مخازن تزودها إيران بالسلاح في السودان. ويشتبه على نطاق واسع في أن الاسرائيليين خربوا اجهزة كمبيوتر متصلة ببرنامج ايران النووي وهي قدرة تباهى نتنياهو بها في منتدى عن الانترنت في تل ابيب.

– خصم الخصم

تشعر اسرائيل -التي يعتقد أنها تملك الترسانة النووية الوحيدة في الشرق الاوسط- بارتياح لعدم تعرضها لتهديد من الشيعة والسنة الذين يتقاتلون في المنطقة.

قال الميجر جنرال افيف كوخافي رئيس المخابرات العسكرية لمؤسسة (آي.إن.إس.إس) البحثية “محور الراديكالية في الدرك الأسفل. فسوريا وايران وحزب الله تحت ضغط كبير.”

وعبر عن امله في أن يساعد “المحور السني البراجماتي” -الذي يضم دولا مثل الاردن والسعودية- اسرائيل في كبح جماح تنظيم القاعدة الذي اتسعت رقعة وجوده بعد تفجر الحرب الاهلية السورية.

وسرت تكهنات في وسائل الاعلام عن احتمال تعاون اسرائيل والسعودية من وراء الكواليس بشأن ايران. لكن عدم وجود علاقات دبلوماسية بينهما والخلافات التي تكتنف إقامة دولة فلسطينية تحد بشدة من مساحة المناورة المتاحة لهما.

وقال الرئيس محمود عباس لمؤسسة (آي.إن.إس.إس) البحثية في تصريحات مسجلة بالفيديو إنه يبذل قصارى جهده للحفاظ على الامن. ويقول خليل شقاقي -وهو خبير استطلاعات رأي مقيم في الضفة الغربية- إن معظم الفلسطينيين لا يريدون انتفاضة مسلحة اخرى.

لكن اسرائيل لم تتأثر ووصفت حملاتها العسكرية في الضفة الغربية حيث يعتقل نحو ثمانية فلسطينيين كل ليلة في المتوسط بأنها أساسية للحفاظ على الهدوء ومنع صعود نجم حركة حماس بالضفة. وتدير حماس قطاع غزة منذ هزمت قوات حركة فتح عام 2007.

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن