تحليل سياسي: إسرائيل تستعجل حرباً في ظروف إقليمية آنية مؤاتية

توغل الاحتلال

سؤالان يشغلان بال الإسرائيليين؛ الأول والأكثر أهمية يتعلق بمخططات حزب الله للرد وحجمه ونوعيته وزمانه ومكانه أم هل سيمتنع عن الرد ويحتوي العملية، في ظل تقديرات اسرائيلية كبيرة تشير إلى ان حزب الله مضطر للرد، الأمر الذي جعل إسرائيل تستنفر قواتها في الشمال بشكل غير مسبوق على المستوى العلني وغير العلني في رسالة حازمة وقوية لحزب الله، والسؤال الثاني يتعلق بأسباب ودوافع عملية الاغتيال وعلاقة توقيتها بالحملة الانتخابية، السؤال الذي بات يكتسب أهمية كبيرة في ظل حملة الانتخابات، وفي ظل مؤشرات على تراجع مكانة حزب “الليكود”.

ظلال الانتخابات

قيل وكتب الكثير في إسرائيل عن محاولات ربط العملية بالانتخابات، رغم ان مثل هذه التلميحات لا تعتبر في إسرائيل أمراً شائعاً وتلقائياً، وكل من يلمح بذلك يضع نفسه في مكان غير مريح، لا سيما ان الأمر ينطوي على اتهام خطير لا يمكن إثباته، الجنرال غالنت، وهو الرجل الثاني في حزب كحلون، وكان قائداً للمنطقة الجنوبية لخمس سنوات، ومرشحاً تمت تسميته لرئاسة الأركان خلفاً لأشكنازي؛ كان أول من لمح الى شبهة علاقة الانتخابات، ومستشهداً بعملية اغتيال الجعبري (نوفمبر 2012) في ظل الحملة الانتخابية، قائلاً “حتى الآن لا أعرف الأسباب التي جعلت القيادة ترفض المصادقة أكثر من مرة على توصية من قيادة الجيش باغتيال الجعبري، لكنها وجدت من المناسب ان تصادق عليه في توقيت تصادف مع الانتخابات”، لكن غالنت إياه في اليوم التالي من تصريحه تراجع عن جوهر أقواله متهماً وسائل الإعلام بالمسؤولية عن الفهم الخاطئ الذي وصل للجمهور.

أما صحيفة “هآرتس” ففي افتتاحيتها ليوم الثلاثاء (20 يناير) تحت عنوان “قصف قبل الانتخابات” استعرضت لقرائها كل العمليات والحروب التي خاضتها أو نفذتها حكومات اسرائيل في فترات الانتخابات، بدءاً من قيام بيغن بقصف المفاعل النووي العراقي 1981، ومروراً بعناقيد غضب بيرس 1996، وحرب “الرصاص المصبوب” 2008، وعدوان نوفمبر 2012 الذي بدأ باغتيال الجعبري، واستخلصت قائلة “واضح أنه لا يمكن الاثبات بأن العملية في سوريا نبعت من اعتبارات انتخابية، وليس من اعتبارات نقية للدفاع عن الدولة، ولكن القرائن على تأثير السياسة المحلية على الأمن ثقيلة الوزن”.

أسباب وعوامل كثيرة قد تقف خلف أي قرار اسرائيلي بتنفيذ هجوم (اغتيال أو قصف أو الدخول في تصعيد عسكري محدود أو واسع)، لكن من بينها يمكن تشخيص سبب رئيسي واحد أو اثنين، فيما تلعب الأسباب الأخرى دوراً هامشياً، عامل تشجيع ومحفز كمن لا يمانع ان يصيد أكثر من عصفور بحجر واحد، ومن بينها الوزن الانتخابي الذي قد يكون حاضراً في خفايا حسابات التوقيت من قبل القيادة السياسية.

الانتخابات تشكل أحد هذه العوامل أحياناً، وقد تشكل عاملاً رئيسياً ليس فقط من حيث التوقيت؛ بل ومن حيث الضغط على قيادة الأمن لتقديم خطط هجومية تحت عنوان الرد على التهديدات الأمنية، لا سيما إذا كان يدور الأمر حول عمل ناجح ومحدود وبنتائج واضحة دون أية مضاعفات، أي “عملية نظيفة” كما يقال اسرائيلياً، مذاق حلو دون ان يكون مصحوباً بطعم الحموضة، تعتبر عملية قصف المفاعل النووي العراقي على خدمة التوقيت لحملة الانتخابات، حيث لم يشكل المفاعل في حينه “قنبلة متكتكة” وبحاجة الى معالجة سريعة في وقت محدد، وكان يمكن تنفيذ نفس العمل وبنفس الأدوات بعد شهرين أو ثلاثة، بيغن مبدئياً لم يصادق على توصيات الجيش بالاستعداد لقصف المفاعل بناءً على دوافع انتخابية، لكنه اختار التوقيت الأنسب.

وعليه؛ فإن حملة نتنياهو الانتخابية قد تستفيد من الهجوم على موكب نشطاء حزب الله، فنتنياهو يهرب من التهديدات السياسية والأجندة الاجتماعية، ويستفيد كثيراً من حضور الأجندة الأمنية، لكن المغامرة هنا كبيرة وتنطوي على مخاطر جدية، والإفادة الانتخابية قد لا تكون مؤكدة.

الصراع على القنيطرة

الهجوم تطلب وقتاً كبيراً من التخطيط وجمع المعلومات، وهو بالمعايير الاسرائيلية يعتبر تجرؤاً كبيراً وخروجاً عن قواعد اللعبة، وينطوي على مخاطر جدية تجعل ربطها بالانتخابات أو أي سياقات تكتيكية محدودة أمراً مستبعداً؛ الأمر الذي يطرح سؤالاً جدياً حول أهداف الهجوم وما الذي تسعي اسرائيل للوصول إليه.

منذ سنتين حصرت إسرائيل عدوانها في الشمال على الأراضي السورية، بما في ذلك قصف المواقع السورية القريبة من الحدود مع إسرائيل، محافظة الى حد كبير على الهدوء على الجبهة اللبنانية، وكما ان حزب الله أو ما يعرف بالمقاومة السورية باتت تركز نشاطها ضد إسرائيل عبر الأراضي السورية الحدودية، وكأن ثمة حالة من الاتفاق على نقل التصعيد والصراع من لبنان الى منطقة القنيطرة.

ونحن اليوم نشهد حالة من انقلاب الأدوار والوظائف للجغرافيا الحدودية، فعندما كانت حدود الجولان مستقرة وحدود جنوب لبنان متوترة، قارع نظام الأسد إسرائيل عبر الجبهة اللبنانية، اليوم يقارع حزب الله اسرائيل عبر جبهة القنيطرة – الجولان.

نصر الله، كما النظام السوري، أشارا أكثر من مرة الى إمكانية فتح جبهة الجولان أمام المقاومة السورية، ونصر الله في لقاء “الميادين” الأخير، أشار بوضوح الى وجود المقاومة السورية، وأن دور الحزب يقتصر على الدعم والتدريب.

إسرائيل من جهتها تحدثت كثيراً عن تداعيات سيطرة المعارضة السورية على المنطقة الإقليمية السورية المحاذية لإسرائيل، وأطلقت عليها اسم دولة درعا المتشكلة، وكان الهاجس الاسرائيلي منذ البداية يتمحور حول طبيعة وتوجهات الجهة التي ستسيطر على المنطقة الحدودية التي تمتد من حدود الاردن الشمالية الشرقية متصلة مع الحدود الاسرائيلية السورية شمالاً، فبادرت إسرائيل، بالتعاون مع الأردن وبغطاء ورعاية وتمويل دولي، إلى استقطاب عناصر المعارضة “المعتدلة” الذين يتم تدريبهم في الأردن، الى المنطقة الحدودية، وأقامت معهم شبكة اتصالات تقدم لهم وعبرهم لسكان المنطقة بعض المساعدات، لا تقتصر فقط على علاج الجرحى والمرضى، يعلون في قرية جولس أخبر مضيفيه ان جيشه يقدم لسكان المنطقة أغذية وملابس ومساعدات أخرى لم يفصح عنها.

إسرائيل تصارع على طبيعة ولاء سكان المنطقة ومسلحيها، وتحاول جاهدة ان تكسبهم لصالحها بما يشبه خلق جيب صديق في الدائرة الأمنية الأقرب، على الأقل تحييد السكان، وأن لا يشكلوا حاضنة شعبية لأي تشكيل مقاوم لإسرائيل.

من جهته؛ فإن حزب الله ومعه نظام الأسد وإيران يخوضون صراعاً لتحويل المنطقة الحدودية (القنيطرة) الى جبهة مقاومة جديدة تشكل تهديداً واستنزافاً لإسرائيل، وتحويلها الى جبهة ردع، وذلك بعد ان تحولت عملياً الى أرض محروقة وخسر النظام السيطرة على معظمها، والمقاومة السورية تكتسب فيها شرعية محلية وإقليمية ودولية في ظل احتلال اسرائيل للجولان وأراضي سورية أخرى.

عملياً؛ نحن نشهد حالة صراع اسرائيلية مع محور المقاومة للسيطرة وبسط نفوذ كل منهم على المنطقة، وقد شهدنا في السابق تبادل لأعمال التصعيد العسكري في المنطقة، واستشهاد قيادات عسكرية وازنه للحزب مع ما يقال عن وجود شهداء إيرانيين في الموكب الذي استهدفه العدوان الاسرائيلي قرب إحدى المزارع في منطقة القنيطرة، دليل كبير على نشاط وتوجه المقاومة لإعداد وتجهيز وخلق بنية تحتية للمقاومة السورية في المنطقة الحدودية.

أهداف العملية البعيدة

وثمة من يقول إسرائيلياً ان العملية كانت بمثابة ضربة وقائية استباقية ضرورية للقضاء على تهديدات جدية مستقبلية، ونعتقد ان ذلك يشكل الهدف المباشر والآني للعملية، حيث نجحت إسرائيل في القضاء على أهم القيادات العسكرية المكلفة بمهمة بناء تشكيلات المقاومة السورية، حسبما يشاع في الإعلام.

بيد ان حجم العملية ونوعية المستهدفين يجعلها من العمليات ذات الوزن الثقيل، التي قد تشكل منعطفاً كبيراً يؤدي الى تغيير كبير في حسابات الاحتواء والرد وحجمه ونوعيته، لا سيما وأن العملية جاءت مباشرة بعد حديث نصر الله المطول مع “الميادين” الذي تحدث فيه عما بعد الجليل، وأجاب بوضوح على سؤال عن الرد في حالة قيام إسرائيل بخروقات، فقال “ان الرد على اختراق كبير ونوعي لن يأخذ بالاعتبار التداعيات والآثار”، في تهديد واضح لإسرائيل ان “لا تختبروا صبرنا وحكمتنا”.

من المؤكد ان تقديرات الاستخبارات الإسرائيلية التي أحيط بها متخذ القرار، قد أكدت ان حزب الله لن يستطيع احتواء اغتيال قياداته، وأنه سيشعر بإهانة وغضب كبيرين، وربما تدارسوا سيناريوهات الرد الممكنة لدى حزب الله، ومن المؤكد أيضاً أنهم قرروا طبيعة ردهم على رد حزب الله. إذاً ليس من المستبعد ان القيادة الاسرائيلية عندما صادقت على الهجوم أخذت بعين الاعتبار احتمالات ان يشكل ذلك صاعق تفجير لحريق كبير.

ومن المتابعة نعرف ان إسرائيل امتنعت في السابق عن القيام بما تسميه صيداً ثميناً في حال تقديرها ان الأمر سيجر الى تفجير كبير لا ترغب به في ظروف معينة، فهل إسرائيل اليوم وفي هذه الحالة أرادت ان تفجر حرباً في الجبهة الشمالية؟

في إسرائيل تجمع القيادة الأمنية والسياسية ان الحرب على الجبهة الشمالية، تحديداً مع حزب الله، هي حرب حتمية لا مفر منها لأسباب كثيرة تتعلق بالأمن ورد الاعتبار والانتقام، وأدوار ووظائف إقليمية لها علاقة بالاستراتيجيات الجيوسياسية المتشكلة شرق أوسطياً.

إننا نعتقد ان إسرائيل بات لديها قرار بالذهاب الى حرب في ظروف وتوقيت لا يحدده عدوها ولا يكون مريحاً له، فطالما ان الحرب حتمية الاندلاع فلماذا لا تكون قريبة؟، ولماذا لا تستعجلها إسرائيل في ظروف إقليمية آنية مؤاتية لها وفي غير صالح عدوها، وستلعب نتائجها (مرتبط بالتقديرات الاسرائيلية للنتائج) دوراً مهماً في تأمين مصالح إسرائيل في التشكيل الجيوسياسي، وفي مقدمته ان إسرائيل بحربها على حزب الله ستلعب دوراً غير مباشر في الصراع السوري عبر إخراج أو إضعاف أحد أهم المكونات التي تحارب ضد المعارضة السورية، مما يشكل إضعافاً كبيراً للنظام.

إسرائيل اختارت ان تضرب حزب الله في لبنان وأن تستفزه بشكل قوي لتجبره على رد انفعالي يشكل مبرراً لفتح حرب لا يحظى فيها بغطاء من الشرعية اللبنانية أو العربية أو الدولية، فإسرائيل في هذه الحالة لم تعتدِ على الأراضي اللبنانية.

طبيعة الرد واعتباراته

نعتقد ان حزب الله، ومعه كل ما يسمى “محور المقاومة”، بات مضطراً للرد لاعتبارات كثيرة لها علاقة بردع إسرائيل وصورة المقاومة وجمهورها، ولها علاقة أيضاً بحالة الصراع الطائفي الذي بات الكثير يرى حزب الله جزءاً منه.

صحيح ان الرد لا يجب ان يكون انفعالياً ويحقق الأهداف الإسرائيلية، لكن ذلك لا يعني الاحتواء والتفويت؛ فإن كان لإسرائيل مخطط فهي لن تكتفِ بهذا الهجوم وستذهب لاحقاً الى أبعد من ذلك طالما بقيت بدون ردع وطالما ظلت تتمسك بمخططها، وكنا قد رأينا سابقاً عندما قصفت إسرائيل قبل شهرين مواقع أمنية سورية ان الرد السوري على الهجوم كان مستوجباً، وان المبالغة بالمخاوف السورية من الرد في غير محلها، وأنها فقط تفتح شهية العدو على المزيد من الغطرسة والقوة، واليوم نعتقد ان حزب الله ملزم بالرد، وأنه ربما سيفضل الرد عبر الجبهة السورية ليبقي جبهة لبنان بعيدة عن التصعيد، وحتى لا يمنح اسرائيل مبرراً للهجوم على لبنان، ففتح جبهة القنيطرة – الجولان هو الأكثر نجاعة من بين الخيارات الأخرى.

نقلا عن مركز اطلس للدراسات الاسرائيلية

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن