حديث المنخفض والمرأة

كأنها نوبة غضب من سماء مدلهمّة، تغطي منطقتنا وترمينا بالصقيع. ربما هو إعصار يطارد ضباعاً مسنّة وأخرى فتيّة، أثقلت عليها أعمارها أو ضمائرها، فأرخت بثقلها على أوقاتنا وأيامنا. يا لهذا المنخفض الذي ينفخ فينا هواءً بارداً ومطراً ثقيلاً، ويعلمنا كيف تضرب الأعاصير رتابة الحياة، وتمحو بعض الأسماء، وتنكأ بعض الجراح، وتفضح الكثير من خيبات التهيؤ والعمران!

ليست شتوية وحسب ساعات المنخفض. لو إنها ظلت شتوية دونما غضب، لكانت أوقاتاً للصمت، وللتأمل في انكسار الأمطار أو ارتطامها بالأرض، وفي هطولها على مرايا النوافذ والشوارع. فشتاء كل منا، هو زمنه الشخصي، وذكريات أماسيه المبللة بالمطر، ووجع المسافات بين جدران دافئة، تعز عليك أيامها، وما أوصلتك الدروب اليه من جدران شديدة البرودة. ففي زمنك الشتائي، يستثار كل شيء مخبوء في داخلك، ويطفو على سطح الذاكرة، فيلامس خبايا النفس ويلفك بالشجن والحسرات، وتتلون لحظات الارتجاف بأسماء راحلين ويستذكر واحدنا “كانون” جدته!

في القديم، لم تكن ثمة أسماء للمنخفضات والأعاصير. وحسب ما قرأنا، ربما يكون أحد علماء الأرصاد في العشرينيات، من استراليا، هو الذي ابتدع تسمية كل إعصار ومنخفض خطير، باسم نائب في البرلمان، كان رفض التصويت بالموافقة، على بند في الموازنة، لتطوير أبحاث الأرصاد الجوية. وعندما تحاشى جميع النواب الرفض؛ انتقل العالم الاسترالي لمرحلة تسمية المنخفضات والأعاصير بأسماء النساء اللاتي يكرههن. وكانت وجهة نظر الرجل، واسمه “كليمنت راج” أن المرأة هي شبيهة الإعصار والمنخفض، من حيث صعوبة التنبؤ بعنفها وبأحوال مزاجها المتقلب، ولشدة بطشها وجنونها حين تنفجر. فهي لا تستطيع الكتمان كالإعصار، بل ربما تنكشف خباياها الرديئة في لحظة انخفاض!

على ذلك المنوال، جرت العادة أن تُسمى الأعاصير بأسماء إناث. وكانت الأرصاد الجوية الأميركية، بعد الحرب العالمية الثانية؛ قد استعدت للأعاصير بقائمة من أسماء إناث، وأعلنت عن قبول طلبات الإدراج في القائمة، من كل ضابط وجندي آذته امرأة أو غدرت به أو تجسست عليه أو توعدته بالنفي من دنياها وتطاولت. وفي بحر أسبوع واحد، جمع القائمون على الأمر 84 اسماً. ولم يكن هذا التدبير مخالفاً لطبائع الأمور، لأن الإعصار، هو اسم ظاهرة انثوية أصلاً واسمه مؤنث بالانجليزية Hurricane””. أما في لغتنا العربية، التي ربما يراها البعض منحازة ضد المرأة، وعلى الرغم من كل غنائياتها في مديح الأنثى، ورقة الغزل في شِعرها؛ إلا أن معظم البلاءات والذمائم مؤنثة، كالفضيحة والهزيمة والمصيبة والنكسة والوكسة والبذاءة. وهذا ليس من عندنا بالطبع. ولما كنا مضطرين بالتبعية، لتسمية المنخفضات والأعاصير القادمة الينا، فقد اطلق الرقيقون على الحدث المناخي الغليظ، أسماء عربية أنثوية رقيقة، مثل زينة وهدى، ربما توخياً لروقان الطقس وروقان اللغة. وعلى أية حال، إن ما نحن بصدده الآن، هو محض إعصار يمر ويذهب، هو واسمه وذكراه!

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن