حماس تُشعل خلافًا حادًا بين الجيش وجهاز الرقابة في إسرائيل

حماس تُشعل خلافًا حادًا بين الجيش وجهاز الرقابة في إسرائيل

تعيش إسرائيل في هذه الفترة على وقع خلاف جذري بين مكتب مراقب الدولة الإسرائيلي والمؤسسة العسكرية، على خلفية التقرير النهائي الذي يصيغه المكتب حاليًا، بشأن إخفاقات الجيش والاستخبارات العسكرية إبان عدوان “الجرف الصامد”على قطاع غزة، صيف 2014.

ويكمن الخلاف في نقطة دقيقة، تتعلق بتوقيت صدور التقرير، أواخر العام الجاري. وتدل المسودة التي كانت قد نُشرت في وقت سابق أنه سيُحمل شعبة الاستخبارات العسكرية (أمان) المسؤولية عن ملف الأنفاق الهجومية التي حفرتها حركة حماس، ونجحت من خلالها في تنفيذ عمليات ما زالت آثارها قائمة حتى الآن.

وطبقا للمسودة، سيتحمل اللواء أفيف كوخافي، قائد هذه الشعبة خلال العدوان، ومن تولى بعد ذلك منصب قائد القيادة الشمالية، جانباً كبيراً من المسؤولية عن عدم اكتشاف تلك الأنفاق أو وضع تصور محدد بشأن ما تشكله من خطر، وبالتالي سوف يتحمل المسؤولية عن اختطاف الجندي أورن شاؤول، الذي ما زالت حركة حماس تحتفظ برفاته.

وعلى الجانب الآخر، تمتلك المؤسسة العسكرية الإسرائيلية موقفاً مغايراً، وتعتبران تقرير المراقب سيصدر في وقت غير مناسب، بعد أن استخلصت بالفعل دروس تلك الحرب، وحاسبت نفسها داخليا، ونجحت جهود الجيش والأجهزة الأمنية في اكتشاف وتدمير غالبية أنفاق الحركة التي تسيطر على غزة، وتمكنت من استعادة الردع في مقابل حماس، لدرجة أن الأخيرة تعمل منذ وقف إطلاق النار قبل عامين على منع تنظيمات أخرى بالقطاع من استهداف إسرائيل صاروخياً، وتحرص على عدم الدخول في مواجهات جديدة معها.

خطوة استباقية

واستبق وزير الجيش الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، ورئيس هيئة الأركان العامة الفريق غادي أيزنكوت، التقرير النهائي لمراقب الدولة، القاضي المتقاعد يوسيف شابيرا، وأعلنا بشكل مشترك أمس الأول الخميس، تعيين اللواء كوخافي نفسه نائباً لرئيس هيئة الأركان العامة، ضمن سلسلة من التعيينات شملت العديد من الأذرع العسكرية.

ووصف مراقبون الخطوة بأنها صفعة لمكتب المراقب، وهجوم وقائي لمجابهة التوصيات التي يفترض أن ترد بالتقرير، ومنها على ما يبدو فتح تحقيق مع كوخافي، واعتباره المسؤول عن كل ما ترتب على مسألة عدم وجود إنذار مبكر أو تحذير استخباراتي بشأن شبكات الأنفاق التي حفرتها حماس.

وضرب أيزنكوت وليبرمان بعرض الحائط تقريرالمراقب، إذ أن تعيين كوخافي في المنصب الجديد يعني أنه مرشح في المستقبل لتولي منصب رئيس هيئة الأركان العامة، وهو أمر يعتقد مراقبون أنه يحمل العديد من الدلالات.

وعمل رئيس الأركان الإسرائيلي أيزنكوت، مؤخرًا، على التخفيف من وطأة الاتهامات التي من المتوقع أن توجه لقائد الاستخبارات العسكرية وقتها، وأشار في العديد من المناسبات إلى أن الحديث عن تحمل الجيش بصفة عامة والاستخبارات العسكرية بصفة خاصة المسؤولية عن تلك الأنفاق أمر مبالغ فيه.

المستوى السياسي لا الجيش

ويتبنى ليبرمان موقفاً صارماً ينص على عدم تحميل الجيش أدنى مسؤولية عن الإخفاقات التي شهدها هذا العدوان، ولا سيما فيما يتعلق بملف الأنفاق، وهو الأمر الذي شدد عليه مؤخراً في اجتماع عقدته لجنة الخارجية والدفاع بالكنيست، حين أشار إلى أن ما حدث من أخطاء في تلك الحرب لا يقع على عاتق الجيش.

وعلل ذلك بأنه من الخطأ الربط بين ما حدث من إخفاقات وبين أداء الجيش والاستخبارات، واعتبر أن الجيش نفّذ كل ما تم التوصل إليه من قرارات عبرالمستوى السياسي، ما يعني أنه يُحمل المستوى السياسي المسؤولية عن تلك الإخفاقات.

وكان ليبرمان وقت العدوان أحد أعضاء المجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية والأمنية (الكابينت) بوصفه وزيرًا للخارجية في حكومة نتنياهو الثالثة، حيث أن أحد أبرز مهام هذا المجلس وقت الحرب هو اتخاذ قرارات عاجلة تخص الأمن القومي للبلاد.

انقسام الآراء

وأدى كل ذلك إلى انقسام واضح بين المراقبين والمحللين الإسرائيليين، حيث يرى فريق أنه من الطبيعي أن يضع مكتب مراقب الدولة خُلاصة رأيه فيما شهدته تلك الحرب من أحداث، بما في ذلك تحديد المتسببين في الإخفاقات على غرار ما حدث طوال عقود مضت، والتوصية بتشكيل لجان تحقيق ومحاسبة المسؤولين، ولا سيما وأن الحديث يجري عن ملف ما زال مفتوحا.

ويرى الفريق الثاني أن تقريرالمراقب يعتريه القصور، حيث أنه اعتمد على أمور نظرية، وركّز على شخص اللواء كوخافي، رغم أن مسألة الأنفاق تقع في إطار اختصاصات أجهزة أخرى أيضا، وعلى رأسها جهاز الأمن العام “الشاباك”، والذي يبدو وأنه لا يواجه اتهامات مماثلة.

ماذا يدور وراء الكواليس؟

لكن هناك رؤية تتخطى هذين الموقفين، وتتعلق مباشرة بخطوات بعيدة المدى، يبدو وأن توقيت صدور التقرير النهائي أواخر الشهر المقبل لن تسهم في إنجاحها، وتتعلق بنظرة طويلة الأمد لقطاع غزة ولحركة حماس، تسعى المؤسسة العسكرية الإسرائيلية لتطبيقها، وتحظى بقبول وزير الدفاع ليبرمان.

ويدل التعمق في قراءة الانتقادات الموجهة لتقرير المراقب، أن هناك رغبة ملحة داخل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية في عدم طرح نقاط محددة للنقاش العلني في هذا التوقيت، وربما من منطلق رغبتها في عدم منح حركة حماس بعض النقاط في التوقيت الحالي، في وقت تتشكل فيه رؤية استراتيجية بشأن وضع القطاع برمته والحركة التي تسيطر عليه.

وظهرت ملامح تلك الرؤية في الحوار الذي أدلى به وزير الدفاع ليبرمان مؤخرا لصحيفة “القدس” الفلسطينية، والذي أثير بشأنه جدل واسع، لا سيما أنه لم يكن أشبه بالحوارات الصحفية المعتادة بقدر ما كان استعراضًا لبرنامج عمل وأُسس يبدو أن ملامحها تتشكل حالياً، وأنها محل دراسة داخل المراكز البحثية ومراكز دعم صناعة القرار بالدولة العبرية.

وتُرجح هذه الفرضية ورقة عمل صادرة عن المعهد الدولي لمكافحة الإرهاب (ICT) التابع للمركز متعدد المجالات في هرتسليا، بتوقيع الباحث شابتاي شوفال، والتي نشرت مجلة الدفاع الإسرائيلية جانب منها أمس الأول الخميس.

ويجري الحديث عن طرح فريد من نوعه، بشأن سبل تغيير النظرة الإسرائيلية بشأن مستقبل قطاع غزة، وتأكيدات على أن هذا الطرح جاء ضمن منظومة استخلاص دروس عدوان “الجرف الصامد”، والذي يثارحالياً بشأنه الخلاف بين المؤسسة العسكرية ومراقب الدولة، إذ أنه من الواضح أن ثمة تضارب مصالح بين الطرفين، وأن الأخير يعمل بأسلوب قد يهدم ما تم استخلاصه حتى الآن.

نموذج حماس

ويأتي على رأس الدروس نقطة تتعلق بالتعاطي الإسرائيلي مع ما يوصف بـ”نموذج حماس“، حيث يضع المركز الدولي لمكافحة الإرهاب أمام صنّاع القرار ورقة تحتوي على نقاط نظرية بشأن الـ 15 عاما المقبلة، والثمن الذي قد تبدي إسرائيل تحمله مقابل تعديل هذا النموذج وتبديل مسار عمله وعلاقاتها به.

وتُحدد الورقة مسارات العمل الإسرائيلية السابقة إزاء تلك الحركة، وتقول أن المسار الأول ركز على الحفاظ على قطاع غزة وحماس بوضعهما الراهن، أي أنه أبقى على الأزمة الإقتصادية الخانقة والعزلة السياسية مع العمل على امتصاص الأثار الناجمة عن مواصلة الحركة لعمليات تهريب السلاح وبناء القوة العسكرية وحفر الأنفاق، وصولا إلى التأهب والجاهزية المستمرة لحرب جديدة خلال السنوات المقبلة.

أما المسار الثاني فيتعلق بمحاولات تقديم حوافز للحركة تدفعها للتخلي عن قدراتها العسكرية بالكامل أو بشكل جزئي في مقابل تحولها إلى كيان براغماتي مقبول، وهو مسارغير مجد في المُجمل، فيما يكمن المسار الثالث في التفكير في التخلص من القدرات العسكرية لتلك الحركة عبر عمل عسكري مدمر.

ويرى الباحث شوفال أن إسرائيل حرصت على عدم التخلص من حماس ولم تحاول الحسم حتى ولو لم يكن أمامها المزيد من الخيارات. ويفسر ذلك بأن متخذي القرارات في إسرائيل يتفقون على أن إبادة القوة العسكرية لحركة حماس لا يعني أن السلطة الفلسطينية ستنجح في ملء الفراغ الذي سينجم عن تلك الخطوة.

اتفاق استراتيجي

ويضع المركز أمام صانع القرار الإسرائيلي خلاصة رأيه، ويبدو أنه مكلف بذلك ضمن مشروع  تشارك فيه مراكز أخرى، ويقدّر أن اتفاقا استراتيجيا مع حماس يقوم على المصلحة المتبادلة، ينبغي أن يرى النور حتى ولو كان سيتسبب في إضعاف السلطة الفلسطينية ويضاعف قوة حماس بالضفة.

ويحدد المركز عددا من النقاط التي ينبغي أن يقوم عليها التوافق بين حماس وإسرائيل، ويشير إلى أن الحكومة الإسرائيلية قادرة على تقديم بادرة تجاه الحركة، بأن تطلق سراح 40 أسيرًا فلسطينيا بشكل شهري بناء على اختيارها، على أن يتم الإفراج عن 7200 من بين 10 آلاف أسيرا لمدة تصل إلى 15 عاما.

وفي المقابل، في حال حدوث أي انتهاك من جانب حماس، بما في ذلك إذا كان في شكل إطلاق صاروخي من جانب تنظيمات أخرى، يتم وقف إطلاق سراح الأسرى أو يعطّله لفترة، مع الاحتفاظ بحق إسرائيل في الرد.

وبمقتضى الرؤية المشار إليها، تلتزم حماس بالامتناع عن الأعمال العدائية على جميع الصُعد طوال 15 عاماً، وتتعهد بعدم تشجيع الإرهاب في الضفة أيضاً وقطع علاقاتها بتنظيم داعش في شبه جزيرة سيناء. إضافة إلى ذلك، تتوقف الحركة عن حفرالأنفاق وتتيح للجيش الإسرائيلي تدمير الأنفاق الحالية، على أن يستمر الاتفاق برعاية وإشراف أمريكي.

كما يرى معدو الرؤية أن تحصل إسرائيل على تعهد من حماس بعدم تطويرأو تهريب صواريخ يزيد مداها عن 2 كيلومترا طوال فترة سريان الاتفاق، ولو تبين أنها انتهكت هذا البند، سيتم وقف إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين.

وفي مقابل كل ذلك، تعمل إسرائيل بالتعاون مع دول أخرى على إعادة بناء القطاع، وتعمل مصر على السماح بدخول المنتجات المدنية، كونها أرخص سعرًا من تلك التي تُطرح بالأسواق الإسرائيلية.

تطابق الرؤى

وتتطابق هذه الرؤية مع موقف وزير الجيش ليبرمان، والذي يرفض بشدة الدخول في مفاوضات مع حماس حول رفاة الجنديين الإسرائيليين، وهو ما تؤكده الورقة الصادرة عن المركز الدولي لمكافحة الإرهاب، بمعنى أنها سلطت الضوء على نقطة تُعّرض حكومة إسرائيل للابتزاز، ومطالبتها بإطلاق سراح 1200 أسير مقابل جندي واحد “غلعاد شاليط كمثال”، فلماذا لا تتجنب الابتزاز وتوافق من تلقاء نفسها وبشكل يحفظ هيبتها على تحرير 40 أسيرا شهريا مقابل 15 عاماً من الهدوء.

مأزق حماس

ويضع هذا العرض، الذي كان ليبرمان قد ألمح إليه في حواره الأخير، حين أشار إلى مسألة التسهيلات بشأن بناء قطاع غزة في حال التزمت حماس بالتهدئة، يضع الحركة في مأزق، ففي حال قبلته ستبدو على أنها في موقف ضعيف وأن إسرائيل هي من تملي شروطها، وستلتزم بوقف الأعمال العدائية تجاه إسرائيل بالكامل، فضلاً عن صورتها التي ستبدو كأنها تتعاون مع الاحتلال.

وفي حال رفضت العرض الإسرائيلي الذي تتم بلّورته، ستبدو أنها تتخلى عن أسّراها في السجون الإسرائيلية.

الاعتبارات الحزبية

وتسعى المؤسسة العسكرية الإسرائيلية لتمرير هذه الرؤية أو ما يقاربها من رؤى، ويبدو أن هذا الأمر من بين أسباب خلافها بشأن توقيت نشر تقرير المراقب، إذ ترى أن فتح ملف الاخفاقات الإسرائيلية في هذا التوقيت سيزيد من عناد حماس، بعد أن يركّز على نجاحاتها إبان الحرب، ويدفعها للنظر لأي مقترح من هذا النوع بنظرة مختلفة وربما ترفضه أو تضع شروط من جانبها.

لكن تلك المؤسسة ما زالت تواجه بعض العقبات الداخلية، التي تتعلق بالأساس بالمواقف السياسية والمصالح الحزبية لوزراء الحكومة الحالية، ولا سيما حزب “البيت اليهودي” الذي يترأسه وزير التعليم نفتالي بينيت، فيما يبدو أنه على الرغم من تبني ليبرمان لتلك الرؤية، وتأسيسه لوضعه كوزير دفاع لسنوات قادمة، على عكس ما كان متوقعا، لكن موقف حزبه “إسرائيل بيتنا” مازال غير واضح.

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن