حماس وخياراتها في مواجهة إنذار الرئيس

د. علاء أبو عامر
د. علاء أبو عامر

أعلم علم اليقين أن الانذار المرسل من القيادة الفلسطينية لحماس بعد حكم عشر سنوات، تحت عنوان “سلموا وإلا” والمتضمن المطالبة بالتنازل حكم ها لغزة هو أمرًا ليس من السهل القبول به، حيث أن هذه العشرة سنوات كانت كافية لتذوق متعة الحكم وامتيازاته المادية والمعنوية وقد شعرت به قياداتها وعناصرها، ورأت حماس كم أن حكمها كان ومازال يمثل أملًا لجماعة الإخوان المسلمين العالمية للبرهنة على أن حكم الجماعة ممكن وممكن جدًا ان ينجح، ولو على هذه البقعة الصغيرة التي تسمى غزة، التي لها في الذاكرة الجمعية العربية التاريخية مكانة مميزة، فغزة تحديدًا كانت ومازالت قبلة وطنية نضالية لها علاقة بالتاريخ والصمود والانتماء العروبي، عندها توقفت هجمات المغول وعندها توقفت هجمات الصليبيين وهي التي انتفضت في وجه نابليون أولا وقاومته لتمنح شقيقتها عكا مثالا أقتدت به وصدت هجماته فيما بعد وحطمتها على الأسوار وهزمته، ومنذ عام ١٩٤٨ بقيت غزة هي المنطقة الوحيدة التي حملت اسم فلسطين بعد أن ضُمت الضفة الغربية للأردن وباقي اجزاء الوطن اصبح يسمى اسرائيل، ومنها انطلقت الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة التي نادت بالتحرير الكامل للوطن ومنها انطلقت انتفاضة العام ١٩٨٧التى أقامت السلطة الوطنية الفلسطينية ومنها انطلقت انتفاضة الأقصى التي كانت ردا على الضغوط الامريكية الإسرائيلية لتصفية القضية الفلسطينية، وهي الوحيدة من بين المدن أو المناطق لفلسطينية التي أثبتت أن التحرير ممكن عبر الكفاح المسلح.

لذلك كانت غزة ومازالت بالنسبة لجماعة الإخوان المسلمين بمثابة الدرة التي حلموا بها طويلاً، ومن هنا جعل الإخوان مثال حماس أو نموذجها الذي حكمت به عشر سنوات (واستطاعت خلالها مجابهة الصعاب وتطويع غزة وسكانها بما يخدم هدف الجماعة الأم) إثباتًا أن مشروع الدولة الإسلامية قابل للتنفيذ والاستمرار، ومن هنا اِتُخذ مثال غزة مرتكزا للنضال في كل مكان للوصول الى السلطة حتى ولو من خلال “ربيع الخراب” الذي قبلت الجماعة عبره أن تكون أداة طيّعة في يد القوى الغربية المعادية لكل ما هو عربي للوصول إلى السلطة في الأقطار العربية.

وقد جعل الإسلاميون دعم حكم حماس في غزة دعماً للحكم الإسلامي المؤدي للخلافة فهذا الحكم هو الأمل في الاستمرار والبناء عليه، وهو الأمل في تحقيق كل ما كان قبل حكم حماس مجرد شعار. لذلك تلقت حماس وحكمها في غزة، دعماً هائلاً من قبل تركيا الأردوغانية ورأينا دعماً من الدوحة عاصمة قيادات الإخوان المسلمين لحكام غزة حتى أصبح مصطلح شعب غزة هو مصطلح رائج بين اوساط الجماعة وداعميها خصوصا قناة الجزيرة.

لقد أصبحت غزة والحفاظ على حكم الإخوان فيها أهم من القدس ومسجدها الأقصى، وأصبح التضامن معها وبالطبع مع من يحكمها هو الهدف الذي قد جُند في سبيله كل طاقات جماعة الإخوان المسلمين في العالم لإظهار مظلومية غزة.

لذلك كيف يمكن تصور قبول حماس بالتنازل عن حكم غزة بهذه السهولة. في الحقيقة ليس من السهل على حماس القبول بذلك، خصوصا وهي ترى اليوم قطاعات وطنية فلسطينية بينها فتحاوية داخل غزة وخارجها تستنكر التمييز الحاصل من حكومة السيد رامي الحمد الله ضد المدينة وقطاعها المحاصر، كيف ستتنازل وهي ترى العديد من الفصائل تعتبر أن ما حصل في مجزرة الرواتب هو اهانة لغزة؟ إهانة لا يمكن ابتلاعها وتمريرها والقبول بها لأنها تعاملت مع غزة وفق تفسير هذه النخب الغزية من منطلقات استعلائية وعنصرية، الشعور بالإهانة لم يتلاشى رغم اِصرار الحكومة في رام الله-والتي تخبطت أيما تخبط في بياناتها لتبرير التمييز-لكن غزة ونخبها السياسية والثقافية والفكرية والاكاديمية اعتبرت ومازلت مستمرة في اعتقادها ان الحكومة تعاملت مع غزة و اهلها على انهم مجرد قطيع، لذلك لم تتوقف المقالات والندوات وورشات العمل التي كتبها واقامها الوطنيون لتعبر عن الرفض القاطع للتعامل مع غزة واهلها بهذا الأسلوب الذي اِفتقر إلى الحكمة والمسؤولية (وفق رؤية هذه النحب)، وهذا ما تفاجأت به حماس وقياداتها تحديدا عندما رأت احتجاج الفتحاويين في ساحة السرايا بالآلاف وهي التي كانت قبل سنة المحرضة على الموظفين الحكوميين ووصفتهم بالمستنكفين، وشجعت موظفيها وعناصرها على مهاجمتهم وتحطيم الصرافات الالية لمنعهم من الحصول على رواتبهم بحجة ان هذا المال يجب أن يكون من نصيب عناصرها فهم الذين يعملون.

وعليه وفي ظل التضامن الذي تكرس بين الغزيين نتيجة مجزرة الرواتب وسياسة التمييز المتبعة تجاه غزة وابنائها والتي يقال أنها اشتدت منذ عام ٢٠١٣، في ظل الحكومة الفلسطينية الحالية تشعر حماس لأول مرة أن ظهرها مسنود داخلياً وانها ليست وحدها في المواجهة بل غزة كل غزة تقف خلفها وهو ما سيجعلها تتعنت وتعاند بل وترفض الإنذارات القادمة من القيادة عبر وفد اللجنة المركزية السداسي.

ولكن هل رهان حماس في محله؟

باعتقادي أن رهان حماس على استمرار هذا التضامن وهذا الجو السائد الآن خاطئ وبدأ يتفكك كون الهدف المعلن من القيادة الفلسطينية من مجزرة الرواتب هو استعادة غزة ، فإذا نفذ الرئيس إنذاراته لحماس وأوصل سكان القطاع حد العتمة والجوع والعطش (لا ماء بلا كهرباء) ونقص الدواء والحصار المحكم فإن التضامن المتعلق بالكرامة وإن استمر بين النخب فإن فقراء الشعب وهم الأغلبية سيصرخون عالياً وسيثورون كما لم يثوروا من قبل في وجه حماس وسلطتها وسيحطمون كل شيء، إذن الرهان على استمرار هذا الوضع من التضامن، ليس في محله لن يصمد الناس طويلا ستنهار غزة، ولن ينقذ حماس أحد مهما صرخت.

الظروف السياسية في العالم وفي الإقليم تغيرت كل التحالفات القديمة والخطط حول تمكين الاسلام السياسي من الحكم انهارت بعد هزيمة هيلاري خليفة اوباما.

العقوبات الاقتصادية سلاح ذو حدين

وإذا تجاوزنا حركة الإخوان المسلمين وسياساتها وخططها ومكانتها اليوم فإن رهان حماس في عنادها، قد يكون من ناحية أخرى في محله من حيث أن صراخ الناس بسبب سياسة التجويع سيؤدي إلى ردة فعل عكسية ستجلب تعاطف العالم ورأفته وتضامنه مع غزة وهو سلاح سيبقى في يدها لا عليها وهكذا تُفشل استراتيجية أبو مازن وتحولها من أداة في يده إلى أداة ضده وهي بالتأكيد تراهن على انتفاضة أهل الضفة للتضامن مع أهلهم في غزة، وتراهن أيضا على التحالف مع النائب في المجلس التشريعي محمد دحلان وتياره -الذي ستنضم إليه كما تشير مؤشرات عدة أعداد كبيرة من أبناء فتح الذين يشعرون بالغبن والظلم من قرارات السلطة الأخيرة -بأن يساندها في مواجهة خصمهما اللدود الرئيس الفلسطيني محمود عباس وهو القائد الفتحاوي السابق المدعوم عربيا والذي يحظى بعلاقات عربية ودولية متعددة.

ويبقى هذا الأمر مشكوكاً فيه في ظل دعم الرباعية الداعمة لدحلان لأبو مازن في صراعه مع حماس حاليا.

نعم قد يكون رهان حماس على ذلك، وستعتبر أن ما يفعله الرئيس الفلسطيني تجاه غزة والانفصال عنها في حال لم تنصاع لإنذاراته يصب في مصلحة استراتيجيتها في الاستمرار في حكم غزة وإنشاء دولة موسعة فيها بالشراكة مع قوى أخرى أبرزها النائب محمد دحلان وتياره وستبقي صراعها مع السلطة في الضفة الغربية من خلال امتداداتها هناك.

وعندها وكما ترى الجماعة وأنصار السيد دحلان فإن سياسة أبو مازن الإنذارية وتهديداته الاقتصادية ستتحول إلى محرقة وطنية له لا مكاسب سياسية تصب في صالحه.

هل هذا ممكن؟

كل ذلك ممكن ولكنه إن حدث سيكون ممر مرحلي مؤقت وممر محفوف بالمخاطر ومؤلم وهروب إلى الأمام، لأن ذلك سيكرس وضعا شاذاً سيقضي على وحدة الوطن مرة وللآبد.

لذلك نعتقد أنه لم يتبق لدى حماس إلا ان تُحكّم العقل وترأف بحال غزة وأهلها وأن تقبل بالحلول الوسط أنقاذا لنفسها ولأبناء شعبها الذين تحملوها مكرهين وطائعين عشر سنوات متتالية وقفوا معها في الحروب وازاروها في المحن وانتفضوا عليها في مناسبات كثيرة وبأعداد مليونيه بالطرق السلمية في مهرجانات حاشدة رافضة لاستمرار حكمها ولكنها لم تلتقط هذا المؤشر وتجاهلته بوعي وأصرت على الحكم بالقمع حينا وبالمراوغة حينا أخر.

هل تعرف حماس ذلك حقاً؟

الشيء الذي تعرفه حماس وتتجاهله هو أن أغلب سكان القطاع وطنيون قوميون لا إسلامويون وهذه صفة تُميز غزة عن كثير من مدن الوطن فهي منبع الوطنية الفلسطينية وعاصمتها.

لذلك على حماس ألا تراهن على هذا التضامن أنه شيك على بياض في جيبها بل عليها الرهان على انقاذ الشعب في غزة من المآسي والكوارث القادمة، نصيحة كررتها عدة مقالات وسأظل أكررها طالما أستطيع …لا حل إلا بالتوافق، وضع غزة الحالي شاذ ومن الصعب أن يستمر وفق نهج حماس المستمر منذ عشر سنوات…

د. علاء أبو عامر

مفكر وباحث من فلسطين

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن