د. سلام فياض وحضوره الدائم لفلسطين اليوم والغد

شكرا لمن ساهم بإعادة فلسطين بقوة إلى المشهد السياسي والإعلامي الأمريكي والغربي، من خلال د. سلام فياض رئيس الوزراء السابق.
شكرا، الف مليون شكر!
ربما مائة مليون دولار حقيقية، لو أنفقناها على تمويل إعادتنا لما أتت بجميل ثمرها، كما أتت به عرقلة الولايات المتحدة الأمريكية قرار الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش ترشيح د. سلام فياض كممثل له في الشقيقة ليبيا.
لم يكن د. سلام فياض بحاجة لمن يعيده للمشهد الذي لم يغب عنه، بقدر ما كان هذا الحضور الإعلامي بمثابة جزء من متطلبات الإسهام في تصويب مكانة قضيتنا الوطنية، على الصعيدين الإعلامي والدبلوماسي الدوليين.
وهو اليوم إذ يسطر لنا موقفا وطنيا إنما ينسجم مع تاريخه الأبيض، وانحيبازه لفلسطين، التي نعرف جميعا ما يحاك ضد مشروعها الوطني من مؤامرات حقيقية وقحة وعلنية، أولى بأن نتكاتف، موظفين كافة الطاقات الوطنية؛ فليس هناك ما يمنع ذلك، سوى من من كان منطلقه في الخلاص منطلقا فرديا.
وهو بموقفه من تعيينه ممثل الأمين العام للأمم المتحدة يؤكد على نظرته المؤمنة بالخلاص الوطني؛ وأود هنا أن أنقل ما نشره على صفحته على الفيسبوك موجها رسالة لشعبنا، تحت عنوان “لا تقلقوا: لن تكون هنالك صفقة، كتب يقول: منذ أن أشهرت الإدارة الأمريكية “الكرت الأحمر” في وجه تعييني كممثل خاص للأمين العام للأمم المتحدة ورئيساً للبعثة الأممية الخاصة بدعم ليبيا، برزت تساؤلات بشأن مبررات هذا الرفض الأمريكي، وتلتها تكهنات باحتمال ترتيب صفقة لتجاوز ما سمي بالفيتو الأمريكي، خصوصا أن الأمم المتحدة لم تحسم أمرها بعد فيما تنوي اتخاذه من إجراء إزاء ذلك، لا لجهة المضي قدماً في تعييني، ولا لجهة اختيار مرشح آخر من بين من تنافسوا على شغل الموقع المذكور. وقد تعاظمت هذه التكهنات في أعقاب ادعاءات إسرائيلية رسمية بلعب دور البطولة في تعطيل تعييني من منطلق “انحياز الأمم المتحدة الدائم” للجانب الفلسطيني.
أما بشأن مبررات الموقف الأمريكي الرافض لتعييني، فلم يدَع البيان الصحفي الذي أصدرته المندوبة الدائمة للولايات المتحدة في الأمم المتحدة فجر يوم السبت الماضي مجالاً للكثير من التأويل. إذ أن ما ذهب إليه ذلك البيان المقتضب صراحة من تعبير عن خيبة أمل إزاء ما ادعاه من انحياز ضد إسرائيل، وخاصة لجهة ما يمكن أن يحمله تعييني في ثناياه من تكريس لمكانة دولة فلسطين على الساحة الدولية، أمر في غاية الوضوح.
أما بشأن التكهنات باحتمال عقد صفقة لتجاوز الرفض الأمريكي، وهو أمر لا يجيزه المنطق في ضوء جوهر الاعتراض الذي عبر عنه البيان الأمريكي المذكور، والمتمثل في عدم الاعتراف بدولة فلسطين التي نعتز جميعاً بالانتماء إليها، فأود أن أؤكد على ما عبرت عنه للعديد ممن بادروا للاتصال بي (من باب الحرص والاطمئنان)، ألا وهو المتمثل في رفضي التام لأي شكل من أشكال التسويات أو الصفقات، لا لجهة ما يمكن أن “يمغمغ” الإشارة لانتمائي لفلسطين بمسماها في الأمم المتحدة، ولا لجهة الابتزاز المتمثل في منح إسرائيل جوائز ترضية “لتحليل” تعييني. هذا هو موقفي القطعي، والذي لا يمكن أن أتخلى عنه تحت أي ظرف كان. ولذلك، أختم بالقول: اطمئنوا، لن تكون هنالك صفقة، إذ لا يمكن أن أكون جزءاً من هكذا صفقة”.  انتهى الاقتباس.
لن نقلق، لأننا ندرك بعمق وتجربة منطلقات د. فيّاض، فهو لن يسعى لأي صفقة لسبب بسيط، ألا وهو أن ذلك ليس من طباعه ولا طباع الفلسطينيين الأوفياء وهم كثر.
فماذا بقي لنا أن نقول غير التأكيد على ما ذهب إليه، وتذكير أبناء شعبنا وبناته، ببعض ما يفعله د. فياض داخل المشهد الوطني السياسي وغيره.
ليست القضية إذن إعادة د. فياض إلى المشهد السياسي، إلا حسب البعض أن الحضور السياسي يكمن في الحضور الإعلامي الهش والدعائي الرخيص.
لقد اختار بعد استقالته ان يكون رئيس وزراء سابق، مؤثرا تأسيس “فلسطين الغد” كمؤسسة لدعم شعبنا في مناطق جيم المهمشة، إيمانا منه بأهمية الفعل الفلسطيني الرسمي والشعبي هناك.
لم يغب عن المشهد السياسي لسبب بسيط وهو التزامه الوطني؛ ولعل مبادرته صارت مفتاحا لكل المبادرات السياسية، فهو المفكر السياسي والاقتصادي الوطني الملتزم والعملي في سياق استراتيجي تحرري نال احترامنا جميعا. فهو الذي طرح فكرة إدارة التعدد، بهدف تحقيق متطلبات كل من الحوكمة الوطنية والالتزام الدولي. وهو من دعا للتأكيد على غزة الحبيبة، بمبرر إنساني ووطني، بسبب الحاجة الملحّة للتعامل مع الأوضاع الإنسانية الكارثية هناك، وكذلك لسبب استراتيجي نظرا للحاجة إلى إعادة إدماج غزة كجزء لا يتجزأ من النظام السياسي الفلسطيني كشرط أساسي على درب السيادة.
وهو الذي دعا إلى إعادة الإدماج من خلال الدعوة لانعقاد وتفعيل إطار القيادة الموحّدة بصفة فورية، مما يضمن تمكّن الحكومة الفلسطينية من السلطة الكاملة وتمثيلها لكامل الطيف السياسي، وكذلك إعادة انعقاد المجلس التشريعي الفلسطيني، كمخرج ذكي وعملي واستراتيجي، تضمن الفصائل من خارج منظمة التحرير الفلسطينية بما فيها حركة حماس والجهاد الإسلامي شراكة حقيقية في سعي الفلسطينيين، لتحقيق طموحاتهم الوطنية، وفي ذات الوقت تتمكن المنظمة من الحفاظ على برنامجها وتمثيل كل الفلسطينيين.
وهو الذي طالب بشجاعة ومنطق عملي وسياسي: بضرورة “التخلي عن الإصرار المتواصل من قبل المجموعة الدولية على التطبيق الصارم لمبادئ اللجنة الرباعية لفائدة توقّع التمسك الفلسطيني بالالتزام بنبذ العنف الأقل صرامة”الهدنة”، (…..) في ظل أن “قبول حق الفلسطينيين في إنشاء دولة، لم يتمّ أبدا توقّعه رسميا من الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ أوسلو”
لقد وصفناها في ذلك الوقت بأنها دعوة ذكية في إدارة الصراع باتجاه توظيف التعددية من اجل مصالح الشعب الفلسطيني العليا وليس لتناقضات فئوية.
كان همه المعلن فلسطين، حين اقترح “هدنة وقف العنف” محدد بزمن معين في ظل التزام بإنهاء الاحتلال في فترة معينة، الذي كان من الممكن لو تم أن يجعلنا متحدين.
تحلى د. سلام فياض بالنبل، وليس بحاجة لشهادة من أحد، لأننا شهدنا وعشنا هذا النبل، كمواطنين أولا وأخيرا، لقد كان صادقا في مسعاه لإنهاء الانقسام والإقصاء ودعم غزة.
لذلك فإن دكتور سلام فياض ليس بحاجة للنافذة الأممية ليعود إلى شعبنا!
لقد كان اختيار الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش د. سلام فياض كممثل له في ليبيا، ليس من فراغ، بل بما عرف عنه من صفات سياسية وإنسانية وأخلاقية، فهو من أدار بنجاح الحكومة في ظل الأزمات الداخلية والخارجية، أي في ظل النزاع والاحتلال الكولينيالي.
وهو الذي مأسس مالية السلطة الوطنية، وهو المنسجم في رؤيته حول السلام، ولا بدّ أن في جعبة الأمين العام مبررات أخرى وراء الاختيار؛ فتاريخه الفكري والسياسي ومصداقيته تجعله مطلوبا للمؤسسة الدولية، التي تحتاج لأمثاله، وخبراته وعلاقاته وإيمانه بضرورة صنع السلام العادل، كهدف وطني وأممي أيضا.
لقد حظي د.سلام فياض بشرعية قيادة الحكومة على أس برنامج بناء المؤسسات وإقامة الدولة، وهو هدف وطني نجمع عليه، وقدرناه كمواطنين/ات، وكل من تحلى بالموضوعية والنزاهة، والالتزام، فلسطينيا وعربيا وعالميا. وفي هذا السياق، جاء ترشيح الأمين العام للأمم المتحدة ليؤكد على هذه الحقيقة.

للسياسة والسياسيين حساباتهم وللوطن استحقاقاته؛ وبهذا فقد سعدنا باللقاء بين الرئيس محمود عباس ورئيس وزرائه السابق، والذي هو لقاء طبيعي ووطني؛ فنحن الفلسطينيين لا نملك إلا أنفسنا وليس لنا إلا أن نكون معا.
لذلك، فوجود د. فياض في المشهد الوطني الفلسطيني لا يحتاج إلى النافذة الأممية، بل إنه واحد من الفواعل الملتزمة والقادرة والمجربة، ولن يبخل على شعبه بأي دور يطلب منه القيام به، ما دامت المصلحة الوطنية العليا هي المعيار.
فإذا عاد د. سلام فياض إلى رئاسة الحكومة، فليس معناه العودة إلى المشهد السياسي، بل ستكون عودة لتقلد مهام سياسية.
وكنا لو صار د. فياض مبعوثا دوليا في ليبيا سنكون سعداء بوجود فلسطيني يساهم في إنهاء حالة نزاع في دول العالم، فما بالك وهذه الدولة شقيقة وغالية علينا.
لم يكن هذا الإنسان خاسرا، لا امس ولا اليوم، نحن الذين نخسره، من هنا إلى نيويورك!
وفلسطين هي لنا جميعا، نحن لها وليست لفئة ولا لأشخاص، ومن أراد الفعل فالميدان واسع جدا، يستوعب كل الفاعلين.

تحسين يقين
[email protected]

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن