ذا ناشونال انتريست: لا داعي للتظاهر بأن أمريكا وتركيا حلفاء

ترامب وأردوغان

يصف المسئولون في واشنطن تركيا بأنها حليف جوهري, مع هذا هدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحكومته القوات الأمريكية التي تتعاون مع الميليشيات الكردية في شمال سوريا. بعد أن حذر المتحدثون باسم الجيش الأمريكي من أن القوات الأمريكية ستدافع عن نفسها, وعد أردوغان بتوجيه “صفعة عثمانية.” مع الأسف, تنفيذ هذا الوعد سيزيد من شعبيته على الأرجح لدى الشعب التركي المناهض لأمريكا بدرجة كبيرة.

في حين أن لا أحد يعتقد أن الحكومتين ستدخلان في صراع, إلا أن صناع السياسة الأمريكيين عندما يؤكدون على وحدة هدف أمريكا وتركيا يكونوا مخدوعين أو يكذبون. بعد زيارة أنقرة, صرح وزير الخارجية ريكس تيلرسون: “سوف نعمل معًا من هذه اللحظة فصاعدًا. سوف نبحث القضايا التي تسبب لنا مصاعب وسوف نحلها”.

مع هذا, التهديد بوقوع صراع مفتوح بين الحكومتين حقيقي, ويوضح إلى أي مدى تباعدا. تستمر الاختلافات في التزايد مع كل يوم جديد وكل عملية عسكرية جديدة. بدلًا من التضحية بالقيم والمصالح الأمريكية, ينبغي على واشنطن التخلي عن توقعاتها الخيالية وإقامة علاقة واقعية أكثر مع أردوغان.

أنكرت الإدارات المتعاقبة تباعد تركيا الواضح. تظل أنقرة في حلف الناتو وتبقى القوات الجوية الأمريكية في قاعدة أنجرليك الجوية, لكن بخلاف ذلك ليس هناك ما يربط الحكومتين سويًا. أصبحت العلاقة شبحًا من الماضي.

لقد انتهت الحرب الباردة, وروسيا لن تهاجم تركيا – أو أي عضو آخر في الناتو. في الحقيقة, عقب العلاقات المرتبكة مع موسكو بسبب إسقاط طائرة روسية, حسّن أردوغان علاقاته بفلاديمير بوتين. تشتري أنقرة صواريخ إس-400 المضادة للطائرات من موسكو, مما يقوض جهود التحالف لتحسين التوافقية بين أعضائه. سيكون من الحماقة إذا افترضنا أن تركيا ستفي بإلتزامات التحالف إذا انتهى الأمر باندلاع حرب بين روسيا وأمريكا أو أوروبا.

بالإضافة إلى هذا, أفسدت أنقرة الأهداف الأمريكية في سوريا. بسبب التركيز على الإطاحة بنظام الأسد, سمحت حكومة أردوغان لسنوات لأفراد وعتاد تنظيم الدولة الإسلامية بعبور الحدود التركية. كانت هناك اتهامات موثوقة بتورط ابن أردوغان في تجارة النفط المحظورة مع داعش. لم تتبن أنقرة دورًا أكثر عدائية إلا بعد أن نفذت الجماعة هجمات إرهابية في تركيا, وحتى حينها منحت الأولوية لمواجهة النفوذ الكردي المتزايد على حساب معارضة “دولة الخلافة.”

بشن عملية غصن الزيتون ضد القوات العسكرية الكردية التي كانت متحالفة مع واشنطن ضد تنظيم الدولة الإسلامية, خربت تركيا خطط إدارة ترامب لإنشاء “قوة أمن حدودي” كردية لحراسة شمال سوريا. تحسر مجموعة من المسئولين الأتراك على غياب الثقة في واشنطن, وهددوا بمهاجمة الجنود الأمريكيين المتمركزين إلى جانب القوات الكردية. تذمر المسئولون الأمريكيون من أن سياسة أنقرة لم تكن “مفيدة,” كما لو أن هذا كان هدف حكومة أردوغان.

وجهت السياسة الخارجية التركية العداء لأماكن أخرى أيضًا. تحت حكم أردوغان, تحولت علاقات تركيا بإسرائيل تحولًا سلبيًا بشدة. وشجع الرئيس التركي ذات مرة التقارب مع اليونان, وأمل بعض المراقبين في نهج مماثل مع قبرص, التي غزتها أنقرة في 1974, محتلة أكثر من ثلث الجزيرة لتقيم دولة تركية عرقية. لكن حكومة أردوغان رفعت التوترات مع أثينا على الجزر اليونانية القريبة التي تطمع فيها, ورفضت تقديم تنازلات من أجل إنهاء المواجهة القبرصية.

تراجع اهتمام أردوغان بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي, على فرض أنه كان حقيقيا؛ مع انهيار سوريا, حوّل اللاجئين إلى سلاح ابتزاز ضد أوروبا. لقد انتقل من حماية حرية المسلمين في العلن إلى دفع الإسلاموية للعامة في منطقة يشكل فيها التطرف الإسلامي تهديدًا. بعد السعي لإنهاء الصراع الكردي في الداخل, ساعد في إعادة إشعال القتال, الذي يواصل تخريب المناطق الكردية في تركيا. لقد حاصر الأكراد العراقيين عقب استفتائهم على الاستقلال في الخريف الماضي، ومؤخرًا شنّ عدة حملات عسكرية ضد الأكراد السوريين.

وأخيرًا, أنشأ أردوغان ديكتاتورية انتخابية, ببطء في البداية ثم بسرعة عقب الانقلاب الفاشل في يوليو 2016. لقد بدأ رئاسة الوزارة كحليف لليبراليين ساعيًا للتخلص من زخارف أتاتورك الاستبدادية التي يعود تاريخها لإقامة الجمهورية التركية. الكماليزم (الفكر الكمالي) يقدس القومية والعلمانية, وكان مدعومًا بقوة من الجيش.

مع هذا, لم ينشغل أردوغان بحقوق أي شخص سوى نفسه. تصنف مؤسسة فريدوم هاوس تركيا على أنها غير حرة. تحتل أنقرة صدارة العالم في سجن الصحفيين, بوجود أكثر من سبعين في السجن. نشرت وزارة الخارجية تقريرًا من خمسة وسبعين صفحة عن انتهاكات الحكومة لحقوق الإنسان, وتشمل القتل غير القانوني, والتعذيب, وعدم مراعاة الأصول القانونية, والسجن الجماعي, وانتهاك حرية التعبير, وعدم تقديم الحماية المناسبة للمدنيين في العمليات العسكرية, وازدحام السجون والكثير غيرها.

وعن حالة الطوارئ, التي تستمر لما يقرب من عامين بعد المحاولة الفاشلة, ذكرت منظمة العفو الدولية, “تم قمع المعارضة بقوة, مع استهداف الصحفيين, والنشطاء السياسيين, والمدافعين عن حقوق الإنسان.” مؤخرًا, سجنت الحكومة نقاد العمليات العسكرية ضد الأكراد؛ أُلقي القبض على ثلاثين ناشطا على الأقل بسبب تعليقاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي, والتي سُميت “دعايا لتنظيمات إرهابية مسلحة.” تم استهداف رجال السياسة وطلاب المدارس المعارضين بسبب النقد البسيط للرجل الذي سيصبح سلطانًا.

استمر التعذيب حيث تمتعت قوات الأمن بحصانة. تم احتجاز أكثر من خمسين ألف شخص, بسبب تهم هزلية, مثل حيازة دولار أمريكي, التي يُزعم أنها علامة على العضوية في مؤامرة فتح الله غولن المزعومة. تم اعتقال الكثيرين بسبب امتلاك حساب في بنك عام مملوك لمنظمة غولن. واعترف أردوغان بأن القس الأمريكي أندرو برونسون اعتقل في محاولة لمقايضته بغولن, الذي يقيم في بنسلفانيا. تم اعتقال أوروبيين لنفس الأغراض.

قال هيو ويليامسون، من هيومان رايتس ووتش, “أينما تنظر, تجد الرقابة والضوابط التي تحمي حقوق الإنسان وسيادة القانون في تركيا تتعرض للتآكل”، فقد حوالي 140 ألف شخص وظائفهم, في القطاعين العام والخاص, وأصبح الكثير منهم غير صالح للعمل. تمت مصادرة جوازات سفر العديد من النقاد, مما حول تركيا إلى سجن مفتوح. تواصل الانتهاكات التفاقم.

نقل أردوغان تكتيكاته الوحشية إلى أمريكا, حيث سمح لحراسه بالاعتداء على محتجين سلميين بالقرب من السفارة التركية في واشنطن. وتحت حماية الحصانة الدبلوماسية, جرح بلطجيته عدة متظاهرين, بعضهم جروح خطيرة. ألقى أردوغان اللوم على إدارة ترامب بسبب السماح للأشخاص بانتقاده.

اعترف تيلرسون بأن العلاقات الثنائية كانت “تتعرض لأزمة صغيرة.” في الحقيقة, هي أكثر من “صغيرة.” بالرغم من اللغة التصالحية بين تيلرسون ووزير خارجية تركيا, والاتفاق على إقامة حوار حول الاختلافات السياسية الواضحة منذ فترة طويلة, لم تعد القيم أو المصالح تجمع الدولتين سويًا.

تجعل النتيجة الانتخابية المصالحة مستبعدة. خسر حزب العدالة والتنمية الدعم الشعبي في الآونة الأخيرة, وبالتالي دخل في تحالف مع حزب الحركة القومية من أجل الانتخابات البرلمانية العام القادم. الحزب الأخير علماني, لكنه أكثر التزامًا بسياسة خارجية عدوانية. ليس في وسع أردوغان تقديم تنازلات لأمريكا, المكروهة بالفعل في بلاده.

أيدت أماندا سلوت من مؤسسة بروكنجز إصلاح العلاقات الثنائية “قبل فوات الأوان.” لكن الأوان قد فات بالفعل. الأفضل للدولتين أن ينفصلا, مع مغادرة أنقرة للناتو. ثم يمكن للحكومتين أن تصيغا علاقة عملية وتبادلية أكثر, مركزتين على مجالات التعاون. لن تكون هناك محاضرات عن حقوق الإنسان, ولا خيالات عن الأهداف المشتركة ولا شكاوى من الفشل في الاتفاق. مجرد جهد من الحكومتين للعمل معًا وقتما أمكن, برغم اختلافاتهما الكثيرة.

لم تعد تركيا حليفًا. لم تكن العلاقة الثنائية جوهرية على الإطلاق. إنها بالكاد تصمد، اليوم ليست، هناك حاجة لأن تصبح أنقرة وواشنطن خصومًا. لكن كل الأشخاص المعنيين سيستفيدون إذا أسقطت الحكومتين ستار الصداقة الذي يخفي الآن اختلافاتهما الواسعة.

 

(ذا ناشونال إنتريست)

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن