رمضانيات: منشد الموالد… مطرب الأعراس

رمضانيات: منشد الموالد... مطرب الأعراس

لم يصدّق الأب أذنيه. صوت ابنه توفيق الذي يصدَح بتجويد القرآن في الغرفة كان لافتاً. تسمّر الرجل الخمسينيّ قرب الباب المقفل، هو وزوجته، وراحا يبتسمان بدهشة الفخر: بعد سنتين من تعلّم القرآن بات توفيق مجوِّداً عذب الصوت.

أنا ابني عبد الباسط المنطقة… هكذا طاف أبو توفيق يلقي الخبر على مسامع أهل الحيّ. جمع الرجال ذات ليلة في داره وطلب من توفيق ترتيل سورة “يس”، فتعالت الآهات والصلوات على محمّد.

فرحة الأب بابنه لم تقف عند السهرات الرمضانية وترتيل القرآن. طلب الرجل من الفرقة الإنشادية التي تحيي الموالد، وليالي القدر، بالاناشيد والأهازيج الدينية، أنّ تضمّ ولده اليافع ذا الـ14 عاماً. سمع مشرف الفرقة صوت توفيق، وأثنى عليه. فهمس في أذن الوالد: “هالصبي يغزي العين عليه الله حطّ بزلعومه سرّ”.

بعد عام، ذاع صيت الفرقة الإنشادية في الأحياء المجاورة. توفيق صار المنشد الأوّل. يعتمر القلنسوة البيضاء و”دشداشة” بيضاء أهداها له خادم الجامع الكبير في الحيّ. يجلس أوّل الفرقة، وبعد تلاوة القرآن بصوت جلي وقوي، يأخذ بالإنشاد:

رمضان تجلى وابتسمَ… طوبى للعبدِ إذا اغتنمَ
أرضى مولاه بما التزمَ… طوبى للنفس بتقواها

على وقع الآهات والصلوات، أضحى الفتى ذائع الصيت. توفيق بات هو المنشد الذي يطلبه الناس في الموالد، والمقرئ في العزاء، والمكبّر المصلّي على النبي في احتفالات الولادة والطهور.

“هيدا كلّه ما بيطعمي خبز”، “الصبي ما فلح بالمدرسة”، شوف الدنيا وين رايحة”، سيل من النصائح كان يسمعها أبو توفيق طيلة سنتين، من جاره الذي يعمل في صالة كبيرة للأفراح. سنتان والحالة الاقتصادية تسوء شيئاً فشيئاً. فيقول أبو توفيق إنّه صلّى صلاة استخارة وقرّر.

خارج صالة الأفراح يقف رجل ببدلة أزرارها شديدة اللمعان. تدخل الراقصة مع زفّة العرس، يبدأ الناس بالتصفيق، فيما ظهر مطرب شاب، أسدل خصلة من شعره الطويل على كتفه، وارتدى بدلة حمراء، بدت أكبرة من جسده قليلا. وبصوت قويّ وجميل، أخذ يشدو مطلع الأغنية: “إنسَ غرامك راح… سيب العتب وجراح…”.

تأخذ الموسيقى بالتصاعد فيرمي الناس “النقوط”. المطرب والراقصة “آخر انسجام”، والرجل ذو بدلة الأزرار الشديدة اللمعان يلمّ “النقوط”، ويهرول إلى غرفة الملابس، ليعدّ الثروة التي حصدها. يتنهّد ويقول: “إييييييييه، عشنا وشفنا يا أبو توفيق ابنك يطلّع 1000 دولار بليلة… الحمد لله نعمة”.

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن