شبح الإفلاس يخيم على “قناة السويس الجديدة” في ذكرى افتتاحها

السيسي مرتدياً بدلته العسكرية خلال افتتاح القناة الجديدة
السيسي مرتدياً بدلته العسكرية خلال افتتاح القناة الجديدة

بعد مرور عام كامل على افتتاح “قناة السويس الجديدة” يتساءل المصريون عن جدوى هذا “المشروع القومي” الذي دفعوا فيه 64 مليار جنيه، وحُق لهم أن يتساءلوا؛ فقد وعدهم الرئيس عبد الفتاح السيسي بأن تدر القناة الجديدة 100 مليار دولار سنوياً، ووعدهم إعلامه بأن تصبح مصر من بين الدول الأغنى في العالم بعد مرور عام واحد، وقد مر العام ليجدوا بلدهم يسعى للاقتراض من جهة، ويتحدث عن تقنين الإفلاس من جهة أخرى.

القناة الجديدة التي يصفها معارضو السيسي بالـ “التفريعة”، يبلغ طولها 72 كم، تم شق 35 كم منها بتقنية الحفر الجاف، بينما تم استكمال ما تبقى من الطول المقترح للقناة، وهو 37 كم، بتعميق مجرى القناة الحالية، ووصله بالجزء المنفذ بالحفر الجاف.

ولأن ميزانية الدولة المصرية في ذلك الوقت لم تكن تتحمل هذه التكلفة العالية، فقد طرحت الحكومة شهادات استثمار على المواطنين بعائد 12%، ولمدة 5 سنوات؛ بهدف جمع 60 مليار جنيه مصري خلال شهر من طرح الشهادات، وبالفعل جمعت الحكومة 64 مليار جنيه، أي أكثر من المبلغ المطلوب، في 8 أيام فقط، وهو ما اعتبره مؤيدو السيسي “ملحمة” تعكس تأييد المصريين للقائد الجديد.

أهداف وتساؤلات

وبحسب تصريحات الحكومة نفسها فقد تركزت أهداف القناة الجديدة على زيادة الدخل القومي المصري من العملة الصعبة، وتحقيق أكبر نسبة من العبور المزدوج للسفن على طول المجرى الملاحي، وتقليل زمن الانتظار، وبالتالي تلبية الزيادة المتوقعة في حجم التبادل التجاري.

وتوقعت الحكومة المصرية زيادة عائدات قناة السويس عام 2023 لتصل إلى 13.226 مليار دولار، مقارنة بالعائد الحالي 5.3 مليارات دولار؛ وذلك بعد زيادة القدرة الاستيعابية للقناة الجديدة إلى 97 سفينة قياسية في اليوم عام 2023، بدلاً من 49 سفينة يومياً عام 2014، إضافة إلى أنها ستمكن السفن من العبور المباشر دون توقف لـ45 سفينة في كلا الاتجاهين.

لكن ماذا بعد عام من افتتاح المشروع؟

بعد عام واحد أصبحت مصر تعاني أزمة خانقة في العملة الصعبة، دفعت الحكومة لمزيد من سياسات تعويم العملة المحلية، حتى أصبح الدولار الواحد يساوي نحو 13 جنيهاً، في حين أنه كان وقت حفر القناة الجديدة يساوي 7 جنيهات فقط، ما يعني أن العملة المصرية فقدت نحو 60% من قيمتها بعد عام من افتتاح المشروع الذي يفترض أنه كان سيجعل الدولار الواحد يساوي 5 جنيهات، حسب مؤيدي السيسي.

ولم يقف الأمر عند حد تراجع العملة المحلية على هذا النحو الذي يهدد بالإفلاس برأي خبراء، لكنه امتد إلى بحث الحكومة المصرية عن قروض تسد عجز ميزانيتها، فلجأت لصندوق النقد الدولي لاقتراض 21 مليار دولار على 3 سنوات، وهو ما اعتبره خبراء بمثابة رهن مصير مصر لصندوق النقد.

ثم جاء تصريح وزيرة الاستثمار، داليا خورشيد، في اجتماع لجنة الشؤون الاقتصادية بمجلس النواب، الأحد الماضي، ليضع كثيراً من النقاط على الحروف، فقد قالت الوزيرة: “إن إشهار مصر لإفلاسها قد يكون خطوة إيجابية نحو التقدم”.

السؤال الأكثر إلحاحاً هو كيف وصل الاقتصاد المصري إلى حافة الهاوية بعد عام واحد من افتتاح مشروع قيل إنه سينهض بمصر كلها؟

محافظ البنك المركزي السابق، هشام رامز، أجاب عن هذا السؤال قبل نحو 6 أشهر، عندما قال: إن “ما تم دفعه في مشروع القناة الجديدة من العملة الصعبة هو سبب هذه الأزمة”، ولم يقف حديث رامز عند هذا الحد، بل إنه ذهب لتأكيد أن الأزمة “ستتصاعد بشكل مستمر”، وهو ما رد عليه السيسي بعزله من منصبه، وتعيين رئيس البنك الأهلي السابق طارق عامر خلفاً له.

تراجع واقتراض

وبدلاً من أن تسهم القناة في دعم الاقتصاد المصري راحت تبحث هي الأخرى عمن يقرضها لسد عجز ميزانيتها، بعدما أعلنت هيئة قناة السويس في 13 يناير/كانون الثاني الماضي، “تراجع الإيرادات خلال عام 2015 إلى 5.175 مليارات دولار، مقابل 5.465 مليارات دولار في 2014″، ما يعني أن الإيرادات السنوية انخفضت بنحو 289.7 مليون دولار.

ونقلت صحف مصرية عن مصادر حكومية أن الهيئة “تتفاوض حالياً مع عدد من البنوك الكبرى التي تعمل في السوق المصرية؛ للحصول على قرض جديد بقيمة تقارب 600 مليون يورو لتمويل التزامات مالية مستحقة عليها”، دون أن توضح طبيعة هذه الالتزامات، والاستثمارات التي ترغب الهيئة في تمويلها.

هذه المفاوضات تأتي بعد قروض سابقة بقيمة 1.4 مليار دولار حصلت عليه الهيئة عام 2015 من تحالف مصرفي يضم 8 بنوك؛ للمساهمة في المكون الأجنبي لمشروع حفر القناة الجديدة، وسداد التزاماتها تجاه الشركات الأجنبية العاملة في المشروع.

وتتزامن عملية الاقتراض مع تخفيض رسوم العبور بالقناة للسفن والحاويات القادمة من موانئ الساحل الشرقي الأمريكي، والمتجهة إلى موانئ جنوب شرق آسيا لمدة ثلاثة أشهر أخرى، بدأت في 7 يونيو/حزيران، وحتى 3 سبتمبر/أيلول المقبل، بنسب تتراوح بين 45 و65%.

هذا التخفيض لم يكن الأول خلال العام الحالي، فقد سبقه تخفيض آخر بنسبة 30% بدأ منذ 7 مارس/آذار الماضي، وانتهى في 5 يونيو/حزيران، على مرور سفن الحاويات القادمة من ميناء نيويورك والموانئ الواقعة جنوبه وشرقه، وأرجع البعض تخفيض الرسوم إلى عملية جذب الملاحة بالقناة والمنافسة التجارية.

ومؤخراً ثار جدل حول اعتبار الخامس من أغسطس/آب، إجازة رسمية للعاملين بالدولة؛ احتفالاً بذكرى افتتاح القناة، بعدما اعتبره البعض يوماً يدعو للاحتفال، بينما اعتبره آخرون يوماً يدعو للحسرة على الأموال الضائعة، والاقتصاد المقبل على الانهيار.

كما أن المواطن الذي سارع لشراء شهادة القناة الجديدة طمعاً في فائدة الـ 12%، عاد لينعي حظه بعدما أدرك أن تراجع الجنيه أمام الدولار يعني أنه خسر نحو 60% في قيمة أمواله، وهو ما دعا نشطاء للسخرية على مواقع التواصل الاجتماعي.

وسخر نشطاء من الافتتاح الأسطوري للقناة الجديدة، والذي كلف -حسب تصريحات الحكومة- 320 مليون جنيه، منها 250 مليوناً تم توزيعها على الضيوف في شكل عملات ذهبية.

ونشر نشطاء صورة للسيسي وهو يقف على سفينة “المحروسة” مرتدياً حلته العسكرية وهو يشير لجمهور غير موجود، قائلين: “هذه أغلى صورة في العالم (..) صورة دفع فيها 320 مليون جينه لكي يقف هذا الجنرال على ظهر هذه السفينة مفتتحاً مشروعاً غير حقيقي، وملوحاً بيده لضيوف غير موجودين”.

اللافت أن السيسي عاد بعد نحو 8 أشهر من افتتاح مشروعه القومي ليقول إن الغرض منه لم يكن مادياً، “وإنما كان لرفع الروح المعنوية للشعب”.

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن