عزيز مرقة بين تمثيل الخلاعة والمثل الأعلى للشباب

نادية حرحش
نادية حرحش

الكاتب : نادية حرحش

عزيز مرقة، لم يكن الاسم ليتوقف كثيرا أمامي، على الرغم من ترديده من قبل أبنائي. في كل مرة يتسابق الأبناء على تشغيل الأغاني في السيارة، أجد نفسي مرغمة على سماع اختياراتهم الغريبة عن أذن، كان الاجماع على عزيز مرقة من قبل أبعتهم بأجيالهم المتفاوتة محطا لاهتمامي.

في النهاية من اين خرج هذا “المحلي” كنت اردد في نفسي. في نفس الوقت كنت أقول مجيبة، هذا هو الزمن الجديد، وكم هو ملفت ان يخرج شاب “خليلي” ليكون ايقونة لجيل واسع من الشباب.

طبعا، كان الأغاني مزعجة، وبين يا باي وما تزعليش، كنت اشعر نفسي مع شاب خالد وكلمات لا افهمها.
الا ان الأبناء كانوا أكثر حظا، فهذا الشاب يردد كلمات تصل الى قلوبهم. تدو الرسالة خاصة جدا وذات معنى.
فاجأتني صغرى بناتي ذات صباح وهي تهديني أغنية ما تزعليش. كوني قوية. وقدمت لي محاضرة عن مغزى الكلمات ووقعها ومدى تأثيرها، وكيف يمثل هذا الشاب بتواضعه ورقته مثالا يرتجى!

يعني، صارت السنوات تعود بي مهرولة الي عقود كثيرة وبعيدة، في زمن كان أعضاء السلفر ستونز وفيصل الوزني وسائد السويطي يمثلون ايقونات فنية نذوب امامها.

كم هي محظوظة ابنتي فكرت، فعزيز على سبيل المثال يؤلف الأغاني الخاصة وله جمهور يسمعه في المسارح الكبيرة. مسارح لم تكن موجودة على زمني، كما كانت الأغاني، محاولات مكسرة مبتورة في أحسن احوالها تكون تأدية لأغنية عالمية او إقليمية مشهورة.

ظاهرة عزيز مرقة، إذا ما قررنا إطلاق كلمة “الظاهرة” عليه، بعد كل هذه الضجة التي حصلت بعد حفل روابي، في نهاية الامر تشكل ما هو اعتيادي في كل المجتمعات وعلى مر العقود. “ايقونة فنية” يحب المراهق ان يتمسك بها. عمرو دياب على سبيل المثال لا يزال يشكل هكذا ايقونة صارت تسمى “هضبة” للمراهقين والشيوخ من افراد المجتمعات.

الامر لا يتعلق بصوت ولا بمحتوى كلمات، ولكن بطلب من الجمهور يبدو ان أمثال عزيز يستطيعون الوصول اليه. وهم كثر… واستثنائيون.
عادت ابنتي من الحفل لتقول لي، كان الحفل رائعا، شعرت وكأنني امام جاستين بيبر.

انا من زمن جورج مايكل ومايكل جاكسون في أحسن تقدير، وهؤلاء الجدد الذي صار جاستين بيبر الطفل قديما فيها، من الصعب على استيعابهم… ولكن هذه هي الدنيا!!!!
ولكن ما الذي حصل في الهجوم على الحفل ومن ذهب اليه ومن غنى فيه؟
ما الجديد والمفزع في الحفل؟
هل تشكل روابي عقدة في نفوس اهل هذه البلاد؟

يعني لو حصل الحفل في مكان اخر كبلدية رام الله او المسرح الثقافي او يبوس او بيت لحم او غيرها، كان سيكون اقل “فسقا” وأكثر ضبطا؟
ما الذي اثار الناس من مشاهد بدت دخيلة علينا وعلى مجتمعنا؟
رقص الفتيات والفتيان؟ انسجام المغنين مع الجمهور؟ اللباس غير المحجب للبنات والمكشوف؟

لماذا الإصرار على هذا الانفصام؟ لماذا نصر على عيشنا في مجتمع محافظ متحفظ في حين ترى المحجبات فيه يتحايلن على كل ما اوتيهن من مساحة لإظهار الجمال والفتن واستخدامها. لماذا نصر على اننا مجتمع محتجب يحمل رجاله الذقون وتعتلي جبهاتهم وصمات الركوع، بينما لهؤلاء بنات وأبناء وزوجات واخوات وهم معهم يحملون جهاز موبايل بتحديثات الفيسبوك والانستجرام وغيره، تلك عوالم يعيش الكل في داخلها، ويعتقد الموصومون منا بطلاسم الايمان انهم الوحيدون الذين يمسكون في زمام الأمور.

قبل سنوات اثار حفل الدبكة في بير زيت ورام الله بالشارع نفس الضجة. ونتوه وسط ما هو “ديني” و”وطني” وأخلاقي”، في حين ما يجري يرتبط ارتباطا مباشرا ووثيقا وطبيعيا بما هو انساني بجدارة. تقدم نحو المستقبل …

لا يمكن ان نكون جميعا بنفس الإمكانيات والتوجهات والامل بما يخص المستقبل. فللجيل هذا حق القيادة، والفرح حق لا يمكن المساومة عليه. نعم نريد جيلا يستطيع ان يفرح لكي يستطيع ان يفكر بالمستقبل بلا قيود تكبله أكثر من كل المعيقات السياسية المحيطة.

وهنا ندخل في مأساوية الحدث، عندما تتكاتف جهود الكارهين الرافضين للحفل بين متدين يريد بجد ان يرى مجتمعا متحفظا، هنا افهم أولئك. وبين كاره لروابي وما تمثله، ورفض لكل ما يأتي من ذلك المكان. وبين من يريد ان يحدد لنا كيف تكون الثقافة والفن، فيدخلنا في عالم اراب ايدل ويصبح كل المجتمع أحلام ونانسي واليسا في تقييمهم للأداء والاصوات.

هل سمعنا صوت التحفظ بسبب ما يجري من قتل في غزة وما يحيطنا من اجتياحات عسكرية باتت يومية؟

بعد كل هذا بحثت عن عزيز مرقة في الفيسبوك ودخلت الى صفحته، لأقيم بنفسي نوعية هذا الشاب الذي حول المجتمع المحافظ الى مجتمع خليع في روابي.
ما وجدته كان بلا شك انساني بامتياز، نحن نحتاج الى هكذا ايقونات فنية تحاكي وجدان جيل من الشباب التائه الضائع بين وطن مسلوب، يعم فيه الفساد ثم يصرخ اولي امره بشعارات الوطنية. وبين مجتمع يستخدم الدين تراثا وعادة يتمسك بها، ويترك الاخلاق ويبعثرها ثم يتغنى بخلق الدين.

جيل كامل رأيناه في ذاك الحفل وغيره، يعبر عن نفسه، يتمايل، يرقص، يغني، لا يقل وطنية عمن يحمل منا الشعارات. جيل لن تلومه غزة بمآسيها التي يفرضها عليها بالشراكة مع الاحتلال أولياء امر “الوطن”.

نحتاج هكذا شباب يؤمنون بمواهبهم، ويخلقون من أنفسهم ايقونات، الفن جزء من ثقافات الأمم، واختلافه وتعدد الاذواق فيه يشكل قوة لا ضعفا. يشكل تعددا لا خلاعة.

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن