على خلفية فوز ترامب.. مصير المبادرة الفرنسية للسلام على المحك

ترامب نتنياهو عباس وهولاند

تظهر التصريحات الصادرة في الأيام الأخيرة عن دبلوماسيين فرنسيين وإسرائيليين أو شخصيات فلسطينية سياسية، حول إمكانية عقد مؤتمر قمة في باريس لإحياء مسيرة المفاوضات السياسية بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، على أن هذا الملف هو الأكثر تأثراً، وبشكل مباشر، بانتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية.

وتتمسك مصادر بالسلطة الفلسطينية بروايتها، التي تؤكد أن العاصمة الفرنسية ستستضيف قبل نهاية العام الجاري مؤتمراً لدفع مسيرة السلام، بناء على ما تم التوصل إليه في مؤتمر باريس التحضيري الذي عقد أوائل حزيران/ يونيو الماضي، بمشاركة وزراء عرب وغربيين، إضافة إلى ممثلي الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، وتمخضت عنه مواقف دولية تدل على أن ثمة رغبة كبيرة في دعم المبادرة الفرنسية الرامية لإحياء عملية السلام والسير نحو تطبيق حل الدولتين.

وتتبع السلطة الفلسطينية في هذا الصدد نهجها التقليدي، الذي يسعى للتمسك بكل خيط يقود إلى بارقة أمل بشأن إحياء المفاوضات، لكن هذا النهج لا يصطدم حالياً بالموقف الإسرائيلي الرافض للجهود الفرنسية والدولية، لكنه يصطدم بصورة أكبر بحالة الغموض وعدم اليقين عقب فوز ترامب بالانتخابات الرئاسية.

ويؤكد حسام زملط، مستشار الشؤون الاستراتيجية لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس “أبو مازن”، أن باريس تتمسك بعقد المؤتمر في موعده قبل نهاية العام الجاري، وأنها حالياً في مرحلة التجهيزات لاستضافة الوفود المشاركة.

ويدعم أحمد مجدلاني، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية هذا التصريح، وأشار في تصريحات صحفية، إلى أن وزير الخارجية الفرنسي جان مارك آيرولت سيزور المنطقة قريباً، بهدف تحريك عملية السلام إنطلاقاً من المبادرة الفرنسية.

ولفت، إلى أن الوزير الفرنسي يتحدث عن التجهيز لعقد مؤتمر القمة في موعده، سواء شاركت إسرائيل أم لم تشارك، مضيفاً أن ثمة تقدما في الاتصالات مع العديد من الدول المشاركة، وعلى رأسها دول عربية.

دعاية إسرائيلية

وتروج مصادر دبلوماسية وإعلامية إسرائيلية لرواية مفادها أن باريس ترى أن الوقت غير مناسب حالياً للحديث عن استكمال الجهود التي بدأت في حزيران/ يونيو، نظراً لفوز ترامب وعدم رغبته في اتباع هذا المسار، في وقت لم تعد تبدي فيه إدارة الرئيس باراك أوباما اهتماماً بهذا الملف عقب خسارة الديمقراطيين.

وتدعي المصادر، أن باريس قررت التراجع عن التمسك بمبادرتها، وتستند في ذلك إلى مزاعم بأن الرئيس الفرنسي أشار في حوارات مغلقة إلى أن باريس “تجد صعوبات جمة في عقد المؤتمر على خلفية نتائج الانتخابات الأمريكية”، لكنها تقول إنه من غير المعروف إذا ما كان الحديث يجري عن إلغاء وتراجع أم مجرد تأجيل لموعد عقد المؤتمر، أم تجميد الفكرة إلى أجل غير مسمى.

ويتمسك مراقبون إسرائيليون بمسألة تراجع باريس المحتمل، وبخلاف حالة الإحباط الناجمة عن فوز ترامب، تعزز موقف هؤلاء حقيقة أن الأسبوع الماضي، شهد اجتماعات بين مصادر دبلوماسية فرنسية وبين مسؤولين كبار بوزارة الخارجية الأمريكية في واشنطن، أسفرت عن حالة من التشاؤم لدى باريس.

وأبلغ الأمريكيون المبعوث الفرنسي الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط بيير فيمون، أنهم فقدوا الحماسة بشأن تلك القمة وبشأن المبادرة نفسها، وأن تلك القمة لن تثمر عن أية نتائج، لا سيما في ظل الرفض وعدم المشاركة الإسرائيلية فيها.

باريس تواصل جهودها

وتؤكد باريس في المقابل، أنها لم تيأس من إمكانية عقد المؤتمر الدولي للسلام، وتفيد تقارير أن  السفارة الفرنسية في تل أبيب، أعلنت أن كل ما ينشره الإعلام الإسرائيلي على لسان دبلوماسيين غربيين ومحليين عارٍ من الصحة، وأن الحكومة الفرنسية لم تتراجع قيد أنملة عن موقفها الرامي لعقد مؤتمر القمة في موعده.

وبحسب مصادر فلسطينية، أرسل الرئيس الفرنسي في الأيام الأخيرة رسالة للسلطة الفلسطينية، تدل على أنه يأمل أن يتم عقد المؤتمر، مفسرة الرسالة بأنها دليل على التزام باريس بتعهداتها السابقة، وأنها من غير الممكن أن تتخلى عن المبادرة التي ظهرت ملامحها الأولى العام الماضي.

وشدد القنصل الفرنسي بالقدس المحتلة بيير كوشارد في وقت سابق، في حوار مع وسائل إعلام فلسطينية، أن الإدارة الفرنسية ماضية في مسارها، وتعمل مع عدد من الشركاء الدوليين بهدف عقد القمة في موعدها، مشيراً إلى أن لقاءات وزيارات عديدة يقوم بها دبلوماسيون فرنسيون في هذا الصدد، وأن زيارة المبعوث الخاص لوزير الخارجية الفرنسي للمنطقة تأتي في نفس الإطار.

دفن المبادرة

وتعول تل أبيب على صعود ترامب لدعم موقفها الرافض للمشاركة أو التعاطي مع الجهود الفرنسية، وتمارس في الوقت نفسه ضغوطا على باريس لحثها على التخلي عن مبادرتها.

وشهدت الأيام الأخيرة أنباء متواترة عن جهود إسرائيلية لا تتوقف ولقاءات من خلف الكواليس يعقدها ممثلون عن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو مع شخصيات فرنسية ودولية بارزة، بهدف “دفن المبادرة الفرنسية إلى الأبد”.

وعلقت وزارة الخارجية بالقدس المحتلة على تصريحات عديدة بدرت عن شخصيات فلسطينية، وأوردت في بيان لها أن ما قاله عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية أحمد مجدلاني، غير دقيق، وأن السلام مع الفلسطينيين لن يتحقق سوى عبر مفاوضات ثنائية مباشرة ودون شروط مسبقة.

وأضافت أن المؤتمرات الدولية على غرار المؤتمر التحضيري الذي عقد في باريس حزيران/ يونيو الماضي، وأيد وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي أجندته “إنما يبعدنا عن السلام لأنه يمكن الفلسطينيين من مواصلة الممانعة ورفض الحوار المباشر أو التنازل عن الشروط المسبقة”، زاعماً أن المؤتمر المشار إليه “يعد خطوة للوراء، وعائقاً أمام السلام الذي تلتزم به إسرائيل”.

خلف الكواليس

وتدل بعض الخطوات التي تقوم بها الدولة العبرية من وراء الكواليس على حالة القلق، التي تنتابها بشأن إمكانية عقد المؤتمر، وإلى جوار رفضها الصريح، تعمل على إحباط جميع الجهود التي يمكنها أن تقود إلى تلك الخطوة، حيث يقود رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي يعقوب ناغيل هذه الخطوات، ومعه المحامي يتسحاق مولخو، المبعوث السياسي لرئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو.

وحاول الاثنان مؤخراً التأثير على المبعوث الفرنسي لعملية السلام في الشرق الأوسط بيير فيمون، خلال لقاء جمع بينهم قبل أسبوع في القدس المحتلة، ونوها أمامه إلى أن موقف إسرائيل لم يتغير، وأنها لن تشارك في أية مؤتمرات تستضيفها باريس، وأكدا أن المفاوضات المباشرة فقط هي الطريق المقبول.

خلفيات المبادرة

تعود فكرة المبادرة الفرنسية إلى آيار/ مايو 2015، حين طلبت واشنطن من باريس تجميد جهودها في مجلس الأمن لتحريك عملية التسوية بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، انتظارًا لإتمام المفاوضات بين مجموعة الدول الست الكبرى وإيران بشأن ملف النووي.

وطلب وزير الخارجية الأمريكية جون كيري من نظيره الفرنسي حينذاك لوران فابيوس، وقف تحريك الملف الفلسطيني في الأمم المتحدة، نظرا لصعوبة العمل على ملفين ثقيلين في آن واحد، أي الإيراني والفلسطيني.

وفي هذه الأثناء أعلن رئيس السلطة الفلسطينية، أن هناك حديثا عن مبادرة فرنسية لإحلال السلام، وتبين أن باريس مارست ضغوطاً على السلطة لتجميد خطواتها بالأمم المتحدة، حيث كانت السلطة قد قررت وقتها تقديم مشروع قرار فلسطيني إلى مجلس الأمن، يطالب اسرائيل بوقف البناء في الأراضي المحتلة، ويدعو للاعتراف بدولة فلسطينية.

وأعلن وزير الخارجية الفرنسية السابق لوران فابيوس في كانون الثاني/ يناير الماضي، في خطابه السنوي أمام السفراء المعتمدين لدى باريس، أن بلاده ستعترف بشكل تلقائي بالدولة الفلسطينية، إذا فشلت مبادرتها الرامية لتحريك عملية السلام في الشرق الأوسط، وجلب الحكومة الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية إلى طاولة المفاوضات من جديد، مضيفًا أن باريس “لا يمكنها أن تسمح بإنهيار حل الدولتين”.

ورفضت إسرائيل بشدة تلك الرؤية، فيما رحبت السلطة الفلسطينية بها وعولت عليها، وأعلنت تجميد خطواتها على الصعيد الدولي. لكن يوم العاشر من شباط/ فبراير الماضي شهد استقالة فابيوس بشكل مفاجئ، ليحل محله الوزير جان مارك  آيرولت.

وتراجعت باريس في العاشر من آذار/ مارس الماضي على لسان وزير خارجيتها الجديد عن مسألة الاعتراف التلقائي بالدولة الفلسطينية، وأشار آيرولت إلى أن بلاده “لن تعترف تلقائيا بالدولة الفلسطينية، إذا فشلت مبادرتها”.

واستضافت باريس في حزيران/ يونيو الماضي مؤتمرا تحضيريا دوليا بمشاركة 26 دولة، ووزير الخارجية الأمريكي جون كيري، وممثلين عن الاتحاد الأوروبي فضلا عن الأمين العام لجامعة الدول العربية. وأيد وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي والمشاركون توصيات المؤتمر، وأعلنوا تبني المبادرة الفرنسية.

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن