نبض الحياة – آفاق التشرذم الاسرائيلي

عشية الانتخابات الاسرائيلية المقررة في السابع عشر من آذار/ مارس 2015، ومع احتدام المنافسة بين القوى السياسية الموزعة على مساحة المجتمع، تشهد الساحة الحزبية تشرذما غير مسبوق، يعكس سقوط الاحزاب الكبيرة بطريقة ملفتة للانتباه. لعل ما فعله ارئيل شارون في نوفمبر 2005 بالانشقاق عن حزب الليكود، الذي يقوده، وتشكيل حزب “كاديما” يشكل امتدادا لمرحلة في تاريخ الحركة الصهيونية، والتاريخ الاسرائيلي الاحدث، التي كرست المصلحة الشخصية فوق المعايير الحزبية والايديولوجية. لاسيما وان النظرية الصهيونية، قامت بالاساس على مبدأ النفعية الاستعمارية، الناظم الاساس فيها الحسابات الكولونيالية الضيقة للقائمين عليها ولمن يقف خلفها. بمعنى ادق، ان المرتكزات الفكرية للصهيونية تقوم على البراغماتية النفعية والذرائعية لتحقيق مصالح القائمين عليها، وقوى الغرب الاستعماري، الواقفة خلفها.
المراقب لمسيرة الحركة الصهيونية التاريخية، يلحظ، انها تقبل القسمة على كل المدارس الفكرية المادية والمثالية، والاشتراكية والبرجوازية والعلمانية والدينية وما بينهما. وهو ما يشير إلى ان الناظم والثابت في الحراك الحزبي والفكري السياسي لكل الفرق الصهيونية اليمينية واليسارية والوسط والحريديم، هو تعميق العملية الاستعمارية، واستخدام الديانة اليهودية عنوانا لتحقيق الهدف الكولونيالي على حساب اي شعب، لاسيما وان فلسطين، كانت في المراحل الاولى من نشوء الصهيونية، احد الخيارات، وليست الخيار الاوحد. وبعد ان استقر الرأي عليها (فلسطين) توزعت الاحزاب الصهيونية على مختلف المدارس الفكرية، تتحرك وتتموج مع صعود وهبوط القوى العالمية المؤثرة في صناعة التاريخ، مما وسم القادة الصهاينة بصبغة المرونة العالية، وعدم الثبات على مدرسة بعينها، لان العامل المشكل لوعيها، تجيير كل الوسائل والاساليب بغض النظر عن دونيتها ووحشيتها ولا اخلاقيتها طالما تؤدي للمصلحة الخاصة. وعدم التمسك باي قوة حزبية تعيق او يمكن ان تعيق تحقيق الاهداف الخاصة والعامة للقائمين على الحركة الصهيونية وقاعدتها المادية، دولة التطهير العرقي الاسرائيلية.
النتيجة المنطقية للمدارس والفرق الصهيونية، هي عدم الثبات، وتطويع الواقع بما يخدم النافذين في الحياة السياسية. ومن يعود لتجربة بن غوريون ودايان وغيرهما من القادة السابقين على شارون، يلحظون انهما لم يكونا اقل منه انتهازية وبراغماتية.
تعميقا للفكرة المذكورة تشهد اللحظة السياسية الراهنة تجسيدا حيا لما ذكر آنفا، حيث اخذت الاحزاب الصهيونية المكونة للائتلاف وخارجه تتشرذم، حزب البيت اليهودي برئاسة بينيت، آخذ في الانقسام، وفق العديد من المصادر العليمة، لان ارئيل، زعيم “المفدال”، لم يعد قابلا العمل تحت مظلة نفتالي، ويتجه للانسحاب وتشكيل تكتل مع ايلي يشاي، المنشق عن حزب “شاس”الديني خلال الايام الماضية. الليكود كما يعلم الجميع يعيش وضعا صعبا، من حيث المنافسة على رئاسة الحزب، وإسقاط نتنياهو عن قمة الحزب، وكحلون، وزير الاتصالات السابق، الذي خرج من الليكود شكل حزب “كلنا” ويجري مفاوضات مع يئير لبيد “هناك مستقبل” قائمة واحدة. كما إن كوادر من الليكود تتسرب للخارج. وحزب العمل يقيم تكتلاً مشتركاً مع ليفني ” الحركة”. وهناك قوى جديدة قد تنشأ في الساحة الحزبية إضافة لكحلون. بتعبير ادق، تشهد الساحة الحزبية الاسرائيلية سيولة عالية، كل شيء فيها قابل للتغير من اقصى اليمين إلى اقصى اليسار الصهيوني.
هذا التشظي والتفتت الحزبي، له اكثر من دلالة: اولا ادثار زمن الاحزاب الكبيرة، وتلاشي مكانة الزعماء التاريخيين؛ ثانيا تكريس دور الاحزاب الصغيرة، حتى باتت تشكل بيضة القبان في المعادلات السياسية الداخلية والخارجية؛ ثالثا تعميق مبدأ البراغماتية النفعية عند كافة القوى الحزبية القائمة او التي يمكن ان تنشأ لاحقا؛ رابعا الميل العام للمزاودة بين القوى المختلفة على حساب المصالح الوطنية الفلسطينية وخيار السلام؛ خامسا تعزيز الروح العنصرية والفاشية في اوساط الشارع الاسرائيلي؛ سادسا وهو ما يعني توسيع قاعدة اليمين واليمين المتطرف والحريديم، وتقليص مكانة ادعياء اليسار والوسط الصهيوني كسمة عامة، مع قابلية الشارع الاسرائيلي للتلون وفق الحسابات النفعية؛ سابعا ضرب اي ملمح من ملامح الدولة المدنية تدريجيا؛ ثامنا ارتهان القوى المختلفة لرجال رأس المال المالي والصناعي، الذين يلعبون دورا مهما في تشكيل الاحزاب والقوى وفق مصالحها وبما يخدم توجهاتها في التشريعات والقرارات الحكومية.
[email protected]
[email protected]

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن