غزة و إسرائيل: جولة القتال الحالية انتهت و بانتظار المعركة الكبرى

غزة وإسرائيل: جولة القتال الحالية انتهت و بانتظار المعركة الكبرى

اعتبرت كافة التحليلات المنشورة في الصحف الإسرائيلية الصادرة اليوم، الأحد، أن جولة التصعيد الأخيرة بين إسرائيل وقطاع غزة قد انتهت و”أصبحت من ورائنا”، منذ منتصف ليلة الجمعة – السبت الفائتة. لكن المحللين أجمعوا أيضا على أن هذه لن تكون جولة التصعيد الأخيرة، وأن جولات تصعيد كهذه قادمة لا محالة، وربما ستشن إسرائيل عدوانا جديدا على غزة سيتحدد حجمه وفقا للتطورات الميدانية في المستقبل.

ويرى المحللون الإسرائيليون أن جولة التصعيد الحالية بدأت يوم الخميس الماضي، عندما شن جيش الاحتلال الإسرائيلي هجوما في القطاع، بادعاء أنه موجه ضد مجموعة شبان تستعد لإطلاق بالونات حارقة باتجاه البلدات الإسرائيلية المحيطة بالقطاع، المعروفة باسم “غلاف غزة”، ونتج عن هذا الهجوم استشهاد محمد بدوان، القيادي في كتائب القسام، الذراع العسكري لحركة حماس. وكانت مهمة هذا القيادي الشهيد منع إطلاق صواريخ باتجاه إسرائيل. وعصر اليوم التالي، الجمعة، أطلق قناص من كتائب القسام في النار باتجاه جندي إسرائيلي وأرداه قتيلا. ووفقا للمحللين، فإن كلتا الحادثتين لم تكونان بقرار من أعلى وإنما بقرار قيادات ميدانية، خاصة إطلاق القناص الفلسطيني النار على الجندي، لأن مقاتلي حماس لم يخلوا قبلها مواقعهم، كما أن رئيس المكتب السياسي للحركة، إسماعيل هنية، تواجد قرب السياج الأمني المحيط بالقطاع، حيث كان يشارك في تظاهرة.

وكتب كبير المعلقين في صحيفة “يديعوت أحرونوت”، ناحوم برنياع، أن “هذه الجولة انتهت في النقطة نفسها التي انتهت فيها عملية الجرف الصامد (العدوان على غزة) قبل أربع سنوات. وجميع المشاكل الأساسية التي قادت إلى تلك المواجهة وإلى المواجهة الحالية ما زالت على حالها. لم يتم حل أي شيء، ولم يتقدم أي شيء: عمليات، المشاكل أصبحت أخطر. وما زال على حاله النقاش بين قادة الحكومة وقادة الجيش الإسرائيلي حول اليوم التالي. وتسود قناعة في الجيش بأنه إذا لم يتم بذل جهد بالغ من أجل تغيير الواقع في غزة من الأساس، فإن الحدث العنيف القادم سيأتي قريبا، وسيكون أخطر بكثير من الجولة الحالية”.

ووفقا لبرنياع، فإن “التخوف في الجيش الإسرائيلي هو من أن تتحول غزة إلى الصومال، وأن تسود أزمة إنسانية شديدة إلى جانب فوضى في الحكم. وعند الحدود يلعب الجانبان بينغ بونغ، هم يطلقون النار باتجاه أراضينا ونحن باتجاه أراضيهم. ولا مفر في النهاية من إعادة احتلال القطاع”.

الحل الأفضل لقطاع غزة بالنسبة للجيش الإسرائيلي هو عودة حكم السلطة الفلسطينية إلى غزة، بحسب برنياع، لكن أحد المشاكل “هي أن الحكومة تصور أبو مازن (رئيس السلطة محمود عباس) كعدو لا يقل خطرا عن حماس. ولذلك فإن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي (غادي آيزنكوت) يحرص على التحدث عن السلطة الفلسطينية أمام المستوى السياسي وليس عن أبو مازن… والمستوى السياسي يفضل الانقسام: سلطة ضعيفة في الضفة، وحماس ضعيف في غزة. بكلمات أخرى، استمرار الوضاع القائم”. وحذر المحلل من أنه “يوجد رهان هنا، قد ينفجر في وجه إسرائيل، بانهيار غزة أو باتفاق (مصالحة) يحول حماس إلى قوة عسكرية وسياسية داخل السلطة، مثل حزب الله في لبنان”.

واعتبر برنياع أن هناك أطرافا أخرى، إضافة إلى إسرائيل، مسؤولة عن تدهور الوضع في القطاع. “الأميركيون هم مشكلة وليس الحل: قرار (الرئيس الأميركي دونالد) ترامب بتقليص 300 مليون دولار من المساعدات للأونروا (وكالة غوث وتشغيل اللاجئين التابعة للأمم المتحدة) فاقم أزمة الغذاء في غزة، ووضع علامة استفهام على رواتب 13 ألف من موظفيها وعلى بدء العام الدراسي لـ280 ألف تلميذ. ومصر السيسي ضالعة، لكن قوة تأثيرها محدود. وهناك مبعوث الأمم المتحدة نيكولاي ملادينوف. هذا ليس كافيا”.

واعتبر برنياع أنه “بإمكان إسرائيل أن تقترح على غزة مزيجا من العصي والجزر. في بند العصي سد مطلق تقريبا لقدرة غزة للعمل العسكري… ليس من أجل مواجهة الطائرات الورقية الحارقة من غزة، وإنما للتفرغ لمواجهة تهديد الطائرات المسيرة في الجبهة الشمالية، في لبنان وسورية”.

وتابع أنه “في جانب الجزر، يتحدث الجيش الإسرائيلي عن ضرورة توفير رد على خمس مشاكل عاجلة: الغذاء، الصحة، الماء، الكهرباء، الصرف الصحي. عدا عن ذلك، ينبغي العودة إلى التفاهمات التي تم التوصل إليها في نهاية عملية الجرف الصامد: ميناء، مطار، استيعاب عمال من غزة في إسرائيل. بكلمات أخرى، رفع الحصار”.

لكن برنياع، وجميع المحللين الإسرائيليين، يقولون إن تنفيذ ذلك مشروط بأن تعيد حماس جثتي الجنديين المحتجزتين في القطاع، هدار غولدين وأورون شاؤول، وكذلك المواطنين الإسرائيليين المحتجزين بالقطاع، وأحدهما عربي من النقب، اللذان كانا قد دخلا للقطاع بإرادتهما. وتجري في هذه الأقناء مفاوضات غير مباشرة حول صفقة تبادل أسرى، تطالب حماس فيها بالإفراج عن أسرى فلسطينيين، وخاصة الأسرى المحررين في “صفقة شاليط” الذي أعاد الاحتلال الإسرائيلي اعتقالهم.

ثمن الحرب

لفت المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس”، عاموس هرئيل، إلى أن مقتل الجندي الإسرائيلي جاء ليذكر بأن “الاحتكاك في غزة لا يتلخص بطائرات ورقية وبالونات حارقة. لكن الطائرات الورقية قد تعود لإشعال النار غدا أو بعد أيضا… في هذه الاثناء يرتفع مستوى التوتر عند الحدود، ورغم اللجم الذاتي النسبي الذي يتبعه حاليا نتنياهو وليبرمان وآيزنكوت، واضح أن سقوط مصابين إسرائيليين آخرين سيسرع اندلاع مواجهة أوسع”.

وشدد هرئيل على أنه “لأنه لا حماس، ولا السلطة الفلسطينية التي تفشل أي مجهود لإعمار القطاع، ولا إسرائيل يبذلون جهدا من أجل حل الضائقة الإنسانية في غزة، فإن التوتر عند الحدود لا يزال كما كان. وعاجلا أم آجلا، سيشتعل التوتر مجددا. وإذا كان عدد المصابين أكبر، فإنه ليس مؤكدا أن جهود مصر وملادينوف ستكون كافية من أجل التهدئة في المرة القادمة”.

ورأى هرئيل أن سرعة التوصل إلى وقف إطلاق نار يثبت أن الجانبين لا يزالان يحاذران من الانجرار إلى عملية عسكرية. وبحسبه فإن إسرائيل امتنعت عن استهداف قياديين في حماس وأن حماس امتنعت عن إطلاق صواريخ باتجاه عمق الأراضي الإسرائيلية.

وكتب المحلل السياسي في صحيفة “معاريف”، بن كسبيت، أنه خلال نهاية الأسبوع الماضي “تذكرنا مدى الألم بدفن جندي شاب… ذكّرنا بـ68 مقاتلا دفناهم في الصيف قبل أربع سنوات، لكي نبقى في المربع نفسه بالضبط. وهو يذكرنا بعشرات المقاتلين الذين يفترض بنا أن ندفنهم إذا دخلت إسرائيل إلى جولة قتالية أخرى ولا ضرورة لها وغير مفيدة من أساسها، ضد حماس. وطالما أن حكومة إسرائيل متمسكة بسياستها الحالية، الحفاظ على حماس بكل ثمن، فإن الجنود الذين سندفنهم في الجولة القادمة سيموتون مجانا”.

وبحسب كسبيت، فإنه يوجد إجماع في المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر للشؤون السياسية والأمنية (الكابينيت)، باستثناء وزير الإسكان، يوءاف غالانت. “لا أحد، ولا حتى نفتالي بينيت، مستعد لإرسال الجيش الإسرائيلي إلى داخل القطاع ودفن 70 جنديا بسبب الطائرات الورقية والبالونات الحارقة. وطالما لا يوجد قرار بإسقاط حماس، فإنه لا رغبة لدى أحد بجولة أخرى من القتل والدمار والثكل من دون هدف… يوجد خيارات أخرى، مبتكرة، بالإمكان من خلالها ضرب حماس وجباية ثمن باهظ جدا منها، من دون غزة غزة”.

رسائل حماس وإسرائيل

اعتبر المحلل العسكري في صحيفة “يسرائيل هيوم”، يوءاف ليمور، أن “لا أحد من الجانبين بإمكانه الادعاء بالانتصار في أحداث ليلة السبت في غزة. ورغم أن حماس تراجعت، وحتى أنا تعهدت بمنع استمرار إرهاب الطائرات الورقية والبالونات، لكنها نجحت في قتل جندي، لأول مرة منذ انتهاء عملية الجرف الصامد. ورد إسرائيل بشدة وأعادت الهدوء إلى الجنوب، لكن ثمة شكا إذا نجحت فعلا في إبعاد الحرب القادمة”.

واضاف أن “يوم القتال هذا كان متوقع سلفا، لأنه كان استمرارا لأشهر طويلة من القتال عند السياج، وخاصة في أيام الجمعة (مسيرات العودة). وبسبب النتيجة الصعبة، جندي مقتول، ينبغي تقدير الاستعدادات التكتيكية الصحيحة للجيش حتى الآن، التي نجحت في منع سقوط قتلى خلال مئات الأحداث الإرهابية التي جرت عند السياج، المظاهرات ومحاولة التسلل والخطف وإلقاء العبوات الناسفة وأحداث القنص”.

وفيما يتعلق بوقف إطلاق النار، كتب ليمور أن “إسرائيل بعثت برسالة لحماس بأنه إذا تم إطلاق طائرات ورقية وبالونات، فإن الهجمات (الإسرائيلية) ستُستأنف. وجرى دعم هذه الرسالة برسالة موازية من مصر، التي أوضحت أنها يئست من الوضع وأنه إذا استمرت حماس فإنها هي الأخرى ستفرض عقوبات قاسية عليها، إضافة إلى إغلاق معبر رفح”.

وأضاف ليمور أنه في مقابل التهدئة الحالية، فإن مصر والأمم المتحدة تعملان على رزمة مساعدات إنسانية لغزة، وأن هذا الأمر سيستغرق وقتا. وأشار إلى أن إسرائيل لن تشن حربا بسبب أي بالون يتم إطلاقه الآن، وأن “إسرائيل لم يعد بإمكانها التهرب من سؤال نفسها حول ما الذي تريد تحقيقه في القطاع، سياسيا واقتصاديا وعسكريا، وماذا هي مستعدة أن تفعل من أجل ذلك. وأحداث نهاية الأسبوع الماضي توضح أنه لم يعد بالإمكان التهرب من التداول في ذلك، وينبغي التداول به بأقرب وقت. والبديل، كما هو دائما، القتال. وحتى لو مرت الأيام المقبلة بهدوء، إلا أن مشكلة غزة لن تحل. حماس ستبقى في ضائقة، وستبحث عن طريقة لتفجير الوضع”.

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن