في يوم العمال العالمي.. الحرية لأسرى الكرامة

جمال عبد الناصر محمد أبو نحلجمال عبد الناصر محمد أبو نحل
جمال عبد الناصر محمد أبو نحل

بقلم: جمال عبد الناصر محمد أبو نحل

يصادف اليوم الأول من أيار مايو يوم العمال العالمي، في وقت دخل فيه إضراب الأسرى الفلسطينيين مرحلة الخطورة بعد مرور نصف شهر على إضرابهم المفتوح عن الطعام، مطالبين بالحرية والكرامة وبتحسين ظروفهم داخل سجون الاحتلال، ومعاملتهم بكرامة وإعطائهم حقوقهم المشروعة، التي كفلتها كل الدساتير الوضعية والشرائع السماوية، وبالطبع يقود الاضرابَ أسرى حركة فتح وبالتحديد ما يقارب 1500 أسير، ومنهم أسرى عمال.

إن شعبنا الفلسطيني البطل، وبرغم شلال الدم النازف من خاصرة الوطن السليب وآهات الأسري الأبطال المضربين عن الطعام، وقد اصبحت حياتهم مهددة بخطر الشهادة نتيجة الاضراب في سجون الاحتلال؛ إلا أننا برغم كل آلام الجوع يأبى أسرانا الركوع وشعارهم: سنحول (الجوع الكافر إلي جوع ثائر)، وعلي الرغم من كل الجراح والانقسام والمآسي نحتفي اليوم بيوم العمال العالمي، كما تحتفل معظم دول العالم بمناسبة سُميت “بيوم أو عيد العمال العالمي”؛ وإن هذا اليوم له قصة تاريخية وهي بإيجاز: بدأت فكرة “عيد العمال” في أستراليا، عام 1856م، ومع انتشار الفكرة في جميع أنحاء العالم، تم اختيار الأول من أيار/ مايو ليصبح ذكرى للاحتفال بحلول الدولية الثانية للأشخاص المشتركين في قضية هايماركت والتي وقعت نتيجة للإضراب العام في كل من شيكاغو، في الولايات المتحدة التي شارك فيها عموم العمال، والحرفيين والتجار والمهاجرين في أعقاب الحادث الذي فتحت فيه الشرطة النار على أربعة من المضربين فقتلتهم في شركة ماكورميك للحصاد الزراعي، وتجمع حشد كبير من الناس في اليوم التالي في ساحة هايماركت. وظل الحدث سلميًا إلى أن تدخلت الشرطة لفض الاعتصام، فألقى شخص مجهول قنبلة وسط حشد الش
رطة، مما نتج عنه إلى وفاة ما لا يقل عن اثنى عشر شخصاً بينهم سبعة من رجال الشرطة، وتدخلت الشرطة لمكافحة الشغب، وتلا ذلك اليوم محاكمة مثيرة للجدل، حيث تمت محاكمة ثمانية من المدعى عليهم بسبب معتقداتهم السياسية، وأدت المحاكمة في نهاية المطاف إلى إعدام سبعة من العمال؛ فسمي بحادث هايماركت، وكان مصدرا للغضب للعمال في أرجاء العالم، وفي السنوات التالية، ظلت ذكرى حادثة مقتل العمال في الذاكرة ضمن العديد من الإجراءات والمظاهرات الخاصة بالأول من مايو واليوم أصبح الأول من مايو احتفالاً دولياً للإنجازات الاجتماعية والاقتصادية للحركة العمالية، وعلى الرغم من أن الأول من أيار/ مايو، هو يوم تلقى وحيه من الولايات المتحدة، فإن الكونجرس الأميركي قد خصص الأول من مايو يوماً للوفاء عام 1958م، نظراً للتقدير الذي حظى به هذا اليوم من قبل الاتحاد السوفياتي سابقًا، وبالرغم من أن عيد العمال يحتفل به الغرب ويدعي احترام حقوق العمال؛ إلا أن الإسلام كان أول من دعا إلى الحفاظ على حقوق العمال وكرامتهم وعدم التهاون في دفع أجورهم؛ حيث يقول النبي صلى الله عليه وسلم (أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه). وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الل
َّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَنْ كُنْتُ خَصْمَهُ خَصَمْتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُوفِهِ أَجْرَهُ)، وكم هم العمال الفلسطينيون اليوم، ومنهم الأسري الأبطال المضربين عن الطعام أسري الكرامة، والعمال اليوم بدون عمل والذين لا يجدون ما يسد رمقهم ولا يجدون قوت أولادهم, وأصبحت ظروفهم من سيئ إلى أسوأ؛ وكذلك من يعمل منهم يتعرض للظلم أحيانًا والاستبداد من بعض أرباب العمل أصحاب القلوب الميتة وجاء في شطر الحديث:( وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُوفِهِ أَجْرَهُ) أي استوفى منه الجهد واستوفى منه العمل ولم يوفه أجره، هذا الإنسان النبي عليه الصلاة والسلام خصمه يوم القيامة؛ وهنا نتذكر الخليفة العادل سيدنا عمر بن عبد العزيز رضي الله عنهُ حينما دخلت عليه زوجته فاطمة بنت عبد الملك فرأته يبكي في مصلاه قالت له مالك تبكي؟ قال دعيني وشأني قالت له بالله عليك ما الذي يبكيك، لما ألحت عليه قال: نظرت إلى الفقير والجائع وذي العيال
الكثير والدخل القليل، وإلى المريض والكبير وإلى ابن السبيل، ولا أذكر الآن كم عدد يمكن مرة أعددتهم ثمانية عشر نموذجاً، فعلمت أن الله سيسألني عنهم جميعاً وأن خصمي دونهم رسول الله فلهذا أبكي؛ هؤلاء هم من أنصفوا العمال؛ ونرى كذلك الفاروق سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: “والله لو تعثرت بغلة في العراق لحاسبني الله عنها لم لم تصلح لها الطريق يا عمر، إذ شعر سيدنا عمر أنه مسؤول أمام الله يوم القيامة عن بغلة تعثرت في أقصى مملكته ولم يصلح لها الطريق سيحاسب عنها. هكذا فهم عمر المسؤولية، لذلك لما سأل أحد الولاة ماذا تفعل إذا جاءك الناس بسارق أو ناهب؟ قال أقطع يده قال له سيدنا عمر إذا جاءني من رعيتك من هو جائع أو عاطل سأقطع يدك، قال له إن الله قد استخلفنا عن خلقه لنسد جوعتهم ونستر عورتهم ونوفر لهم حرفتهم فإن وفينا لهم ذلك تقاضيناهم شكرها، إن هذه الأيدي خلقت لتعمل، فإذا لم تجد في الطاعة عملاً التمست في المعصية أعمالاً فاشغلها بالطاعة قبل أن تشغلك بالمعصية وإن العمال الفلسطينيين الأبطال يتعرضون لقرصنة الاحتلال ولبطشه وهضم أبسط حقوقهم الإنسانية ناهيك عن تعرضهم لمحاولات قتل عديدة من المستوطنين المجرمين؛ وهذا يتطلب منا جم
يعًا العمل جاهدين على إنصاف العمل وتوفير مقومات العيش الكريم لهم في وطنهم ليكون كل يوم هو تكريم وتقدير للعمال، مع العلم أنه يوجد في فلسطين أكثر من 361 ألف عامل وخريج عاطلين عن العمل، بواقع 154 ألفاً في الضفة الغربية، و207 آلاف في قطاع غزة، ومن كان يعمل في القطاع الخاص يعاني من مشكلة تدني وضعف الأجور، وعدم تطبيق قوانين السلامة المهنية، وغيرها من القوانين المكتوبة نصاً في القانون الفلسطيني لكنها غير مطبقة على أرض الواقع، وهذا يتطلب من الحكومة ومن أصحاب القطاع الخاص إنصاف العمال وتحسين أجورهم وفرص العمل وظروف هملهم ومعاملتهم برفق ولين وانسانية؛ كما ونبرق لأسرى الحرية الأبطال وهم يخوضون اضراباً مفتوحاً عن الطعام منذ نصف شهر، فالنصر حليفكم وفجر الحرية والكرامة والنصر قادم.

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن