كواليس لقاءات وزير مالية الاحتلال بمسؤولين فلسطينيين

اللقاء بين كحلون ورامى الحمد الله
اللقاء بين كحلون ورامى الحمد الله

تكتب “نوعا لنداو” في “هآرتس” العبرية، أن التوتر حول أيام الغضب التي أعقبت الاعتراف الأمريكي بالقدس كعاصمة لدولة إسرائيل، لوحظ جيدا؛ الفلسطينيون منقطعون تماما عن الإدارة الأمريكية، صفقة السلام أصبحت بعيدة أكثر من أي وقت مضى، والى قلب المقاطعة دخل وزير كبير في الحكومة الإسرائيلية وأعلن باللغة العربية وابتسامة واسعة على وجهه: “راحت القدس”.

في زمان ومكان آخر كان هذا بالتأكيد سيكون افتتاحية لمسببات إعلان الحرب، لكن في هذه القصة التي حدثت في نهاية الشهر الماضي، رد الحضور بتسامح فكاهي، وقاموا بمصافحة يد الضيف – وزير المالية وعضو المجلس الوزاري المصغر، موشيه كحلون، من حزب “كلنا”.

هذه لم تكن الزيارة الأولى لكحلون في رام الله، ولم يكن هذا اللقاء الأول مع شخصيات رفيعة من السلطة الفلسطينية. لقد تم استقبال كلماته بتسامح لأن المشاركين عرفوا أسلوبه المباشر ولكن الفكاهي.

منذ دخوله إلى مكتب وزير المالية فان عضو الليكود السابق الذي يترأس الآن حزب “كلنا” الذي يفتقد إلى برنامج سياسي واضح، نجح في تطوير قناة اتصال هادئة مع القيادة الفلسطينية. بدء على أساس التنسيق والتعاون الاقتصادي وبرعاية الأجهزة الأمنية، وبعد ذلك، في مواضيع أخرى، باحتضان وبضغط أمريكي.

عمليا، منذ أعلن الفلسطينيون انهم لن يجلسوا حول طاولة مفاوضات بوساطة واشنطن، بقي كحلون هو قناة الاتصال الوحيدة على المستوى السياسي.

وتحدث الوزير باللغة العربية، التي يتقنها جيداً كونه من أصول ليبية كحلون وحده، فعلا، يفهم العربية، قالت مصادر مطلعة على مضامين اللقاءات لصحيفة “هآرتس”، وذلك في لدغة واضحة موجهة إلى وزير الأمن افيغدور ليبرمان، لكن في المقابل كان هناك من أوضحوا أن عربية كحلون هي بمستوى أساسي فقط وأن المحادثات تجري بمساعدة مترجم وباللغة الإنجليزية.

رغم أن إجراء الاتصالات ليس سريا، في حد ذاته (حتى لو كانت كل التفاصيل مكشوفة تماما)، فإن رئيس حزب “كلنا” يحاول جدا تخفيض أهمية هذا الجانب بالفعل. في مجمل قنوات التواصل الاجتماعي الخاصة به، وبين مئات المنشورات عن التسهيلات الاقتصادية الجديدة وصور والدته المسنة التي ما زالت تعيش في أولغا، يمكن العثور على تذكير قليل بالمواضيع السياسية – الأمنية، بشكل عام، وعن علاقته برام الله، بشكل خاص. هذا ليس صدفة بالطبع، كحلون فخور بعمله في هذا المجال، لكنه أيضا، يخاف من المس بصورته اليمينية.

يجب كبح الفلسطينيين

لقد بدأت العلاقة لدى توليه لمنصب وزير المالية بعد الانتخابات في 2015، عبر مكالمة هاتفية تلقاها من نظيره الفلسطيني شكري بشارة، والتي تطورت إلى لقاء انضم إليه وزير الشؤون المدنية، حسين الشيخ. لم يكن الأمر متعلقا ببادرة حسن نية استثنائية أو استعراض للنوايا الحسنة.

حسب “بروتوكول باريس” ضمن اتفاقات أوسلو، والذي تم تعديله في 2012 من قبل رئيس الحكومة نتنياهو، الذي قال في حينه بأن هذه الاتفاقات أعدت من اجل “دعم المجتمع الفلسطيني وتقوية اقتصاده” – فإن إسرائيل ملتزمة بتنسيق وجهات النظر الاقتصادية المختلفة مع السلطة الفلسطينية، بما في ذلك تحويل أموال الضرائب التي تجبيها إسرائيل. مع ذلك، ومع مرور السنين، جعلت حكومات إسرائيل الأموال الفلسطينية بمثابة رهينة وجمدت أو أخرت، في مرات كثيرة، تحويلها في ظروف مختلفة، كوسيلة ضغط وعقاب.

في واقع كهذا، يتحول قرار ترتيب تحويل الأموال، أيضا، إلى قرار سياسي هام، وهكذا أيضا، القرار المتعلق بأي مستوى عمل يتم اللقاء. وكدليل على ذلك، يشيرون في محيط كحلون إلى أن وزير المالية السابق، يئير لبيد، التقى أيضا، مع شكري بشارة في ظروف مشابهة، لكن العلاقات لم تنضج بنفس الشكل ولم يتم تسوية الديون.

في العام 2017 بدأ كحلون بالالتقاء، بمعرفة نتنياهو وبمباركته، مع رئيس الحكومة الفلسطينية رامي الحمد الله. وقد التقيا حتى الآن ثلاث مرات في رام الله، ويتوقع قريبا إجراء لقاء آخر في القدس.

بالإضافة إلى ذلك، تجري بينهما وبين طواقمهما محادثات هاتفية. وقد انضم إلى هذه اللقاءات المشرف الرئيسي على المشروع: منسق أعمال الحكومة في المناطق، الجنرال يوآف مردخاي، المسؤول فعليا عن أجهزة التنسيق الأمني والاقتصادي. ومن الجانب الفلسطيني ينضم أحيانا، رئيس المخابرات ماجد فرج.

في ظل غياب خطوات سياسية ملموسة، يعتبر جيش الاحتلال الإسرائيلي نفسه، منذ فترة طويلة، المسؤول عن الحفاظ على قنوات الحوار مع الضفة وقطاع غزة في معظم مجالات الحياة. الهدف المعلن دائما هو الحفاظ على السيطرة الأمنية.

ويؤمنون في الجيش بأن “قنوات بناء الثقة” مهمة لمنع الاحتجاج العنيف. وفي أجهزة الأمن يسمون ذلك “خطوات كابحة”. ويقوم الجيش، بين الحين والآخر، باشراك المستوى السياسي في هذه الخطوات. كحلون كان مناسبا لها تماما. فحزبه الجديد كان محررا بما فيه الكفاية من القيود السياسية التقليدية، وأظهر الرغبة في تحريك عمليات جذرية، ويتمتع بمؤهلات معينة في الكيمياء الإنسانية. كما تنقصه التجربة السياسية. اللقاءات التي بدأت استنادا لاتفاقات أوسلو، استمرت بإدارة مردخاي لتصل إلى مواضيع أخرى على رأسها الاتفاق على حل الديون الفلسطينية لشركة الكهرباء وتنظيم سوق الطاقة في السلطة، الذي وقع عليه كحلون في أيلول 2016. وتضمن الاتفاق جوانب معقدة لترتيب الضمانات.

أزمة مياه الصرف الصحي

عقد اللقاء الأول بين كحلون والحمد الله في حزيران 2017 في رام الله، حيث جلسا على طاولة الإفطار في شهر رمضان. منذ عشر سنوات لم تكن زيارة بهذا المستوى في مناطق السلطة. منذ ذلك الحين تناولت المحادثات بين الطاقمين مواضيع أخرى متعلقة بتسهيلات للبناء الفلسطيني في مناطق ج، المستوطنات، الوضع في قطاع غزة، المصالحة بين الفصائل والتصعيد على الأرض.

وتم تخصيص الجزء الأساسي من النقاشات للمواضيع الاقتصادية، ومنها زيادة تصاريح العمل للعمال الفلسطينيين في إسرائيل، علاج أزمة المياه والمجاري، مشروع ريادي لمنطقة صناعية مشتركة تستوعب حوالي 2000 عامل من المتدينين الحريديين والفلسطينيين في “موديعين عيليت”، وصندوق مشترك من رسوم الإدارة التي تجبيها إسرائيل من الضرائب، والذي سيتم تخصيصه لتشجيع مبادرات مشتركة للتكنولوجيا الفائقة (“لنفترض أن شركة من رعنانا تريد العمل مع شركة من رام الله، فهل ستحصلان على هبات مالية”، تشرح مصادر مطلعة على الأمر).

وفي حديث مع “هآرتس” قالت جهات مطلعة على مضامين اللقاءات إنه في أحد النقاشات حول تصفية ديون الجباية تطور نقاش شديد حول المبلغ النهائي. لم يكن لدى الفلسطينيين فواتير لتقديمها، لذلك تم الاتفاق على مبلغ مشابه للمبلغ الذي تم دفعه في السنة السابقة. وخلال النقاش قال لهم كحلون: “قالوا لي إنه لا توجد لديكم أموال للأدوية والمعلمين، “أنا جئت من بيت لا يأخذون فيه الطعام من فم الأطفال، وغير مهم إذا كان يهوديا أو فلسطينيا. هذه المقولة أسهمت في تلطيف الأجواء خلال المحادثات.

لكن العديد من الجهات الفلسطينية تخفف من الحماسة، وحسب أقوالهم، فإن العلاقة مع كحلون موضوعية تماما وهي تنبع من الحاجة إلى إدارة الاتفاقات الاقتصادية مع إسرائيل. ويقولون إنه ليس لدى شخصيات كبيرة في السلطة أي تفضيل بشأن الطرف الذي يجري الاتصالات معهم، طالما أنهم، ويؤكدون ذلك، ليس مستوطنا. إضافة إلى ذلك يشرحون بأن هناك في أوساط الجمهور الفلسطيني من يريدون قطع أي اتصال مع إسرائيل، لكن هؤلاء لا يفهمون أنه لا يمكن عمل ذلك.

لقد دخل إلى شبكة العلاقات المركبة والمتطورة هذه، بعد تولي ترامب لرئاسة الولايات المتحدة، المبعوث الأمريكي جيسون غرينبلات. لقد بدأ بالالتقاء مع الجنرال يوآف مردخاي وبعد ذلك عرف أيضا، عن الدور الذي يقوم به كحلون.

“رؤية السلام الاقتصادي” لاءمت منذ البداية مبعوث الرئيس ترامب، لكن أهميتها تعاظمت عندما أصبحت الإمكانية الوحيدة المطروحة على الطاولة، في ظل المقاطعة الشديدة مع القيادة الفلسطينية برئاسة محمود عباس. وقد التقى غرينبلات ووزير المالية الأمريكي، ستيف منوتشين، عدة مران مع كحلون وضغطا من أجل تعزيز التعاون، وفي الأساس عرض نتائج. الصور القليلة من اللقاءات يمكن إيجادها على صفحة غرينبلات على تويتر، والذي يقوم إلى حد معين وبصورة ثابتة بإخراج الطرفين من الخزانة التي كانوا يفضلون أن تبقى مغلقة.

مثلا، في اللقاء الثاني بين كحلون والحمد الله، في تشرين الأول الماضي، والذي بقي سريا إلى أن كشفت عنه إذاعة الجيش. لقد تحدثا بتشجيع أمريكي عن توسيع ساعات العمل في معبر اللنبي والمعابر الأخرى في الضفة الغربية. وقام وفد برئاسة مدير عام وزارة المالية شاي باباد، بجولة في مدينة الروابي من اجل دفع شق طريق إليها. وقام وزير الاقتصاد ايلي كوهين (من حزب كلنا) بزيارة الضفة من اجل دفع إقامة المنطقة الصناعية المشتركة. بعد ذلك التقى كوهين في باريس مع نظيرته الفلسطينية عبير عودة. وفي كانون الثاني وقف كحلون مع ممثلين أمريكيين وفلسطينيين لالتقاء صورة احتفالية في حفل تدشين جهاز فحص جديد في معبر اللنبي، تم شراؤه بمساعدة أوروبية.

وقال كحلون خلال الحفل: “لقد وصلت إلى وزارة المالية بعد تجميد طويل للعلاقات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية. قررنا تحمل المسؤولية وتعزيز عدد من المشاريع المشتركة معا، والمشروع الذي نفتتحه اليوم هو مثال على شيء صغير يمكن أن يحدث تغييرا كبيرا، ولدينا العديد من الخطط لمواصلة التعاون الاقتصادي مع السلطة الفلسطينية”. ومع ذلك، قال مسؤولون إسرائيليون مؤخرا إن النشاط في اللنبي “هذا هراء. لن يكون هناك أي تحرك، الأمريكيون أرادوا إنجازا سريعا”. في الاجتماع الثالث الذي انعقد بعد الانقطاع الذي سببه الاعتراف بالعاصمة، أصبح كحلون بالفعل جزءًا أساسيًا من قناة الرسائل بين الإدارة والفلسطينيين. وقال في ذلك الوقت: “عودوا إلى المفاوضات مع الأمريكيين فهم الوسيط الوحيد الأمين في المنطقة”.

نتنياهو وعباس يعرفان ما يجري في اللقاءات. وفي بعض الأحيان، يعرف باقي وزراء المجلس الوزاري المصغر في إسرائيل. إن وضع كحلون في مقدمة المنصة يلائم الجميع. عندما يكون هناك ما يجب المفاخرة فيه، يمكن لنتنياهو، الذي عمل طوال سنوات على الترويج لفكرة “السلام الاقتصادي”، أن ينسب الفضل لنفسه أمام الإدارة الأمريكية.

وعندما يأتي الانتقاد من اليمين يستطيع اتهام كحلون. بقي سؤال: إلى أين سيصل كحلون نفسه مع دوره الجديد. حتى الآن، لم يسفر هذا عن خطة سياسية متبلورة أو حتى جزئية. الرجل الذي أعلن خلال لقاء معه، في الماضي، أن السلام مع الفلسطينيين يمكن أن يبدأ في “مسابقات طبخ”، كما “في “دبلوماسية كرة الطاولة” لدى نيكسون، يراكم اليوم تجربة هامة أكثر في المجال السياسي – لكنه يحتفظ بالنتائج لنفسه.

لم يصل أي تعقيب على المقال من مكتبي كحلون والحمد الله.

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن