كيف تمثل القوانين الإسرائيلية سببًا في قتل الفلسطينيين؟

مواجهات مع الاحتلال

بن وايت

صحفي بريطاني وناشط في حقوق الإنسان والنزاع الفلسطيني الإسرائيلي

لقد مر الآن أكثر من أسبوع منذ أن أقدم قناص إسرائيلي على إطلاق النار وقتل الصحفي الفلسطيني، ياسر مرتجى، أثناء قيامه بتغطية الاحتجاجات المستمرة في إطار “مسيرة العودة الكبرى” في قطاع غزة المحتل. ومن المستغرب أنه، وحتى لحظة كتابة هذا التقرير، لم يقدم الجيش الإسرائيلي بعد أي تفسير لسبب إطلاق النار عليه. وقد أثار مقتل مرتجى موجة إدانة على نطاق واسع. عموما، لا يعد مرتجى إلا مدنيا من أصل 35 فلسطينيا قُتلوا، من بينهم ثلاثة أطفال، على يد القوات الإسرائيلية منذ 30 آذار/ مارس، في حين تعرض أكثر من 1500 متظاهر للنيران الحية الإسرائيلية.

مسألة المساءلة

لا أحد يتوقع الكثير من مسار المساءلة بشأن مثل هذه الأحداث. ففي حين أعلن الجيش الإسرائيلي إجراء “تحقيق عملي” فيما يتعلق بعدد غير محدد من الحوادث خلال الأسابيع الأخيرة، أقر ضابط في الجيش بأن “التحقيق سيعمل على دعم رواية الجنود”. تتمحور قضية المساءلة غالبا حول المدى الذي قد تبلغه تحقيقات الجيش الإسرائيلي وعمله على مقاضاة أفراد الجيش الذين يشتبه في ارتكابهم بعض الجرائم، وتمنح الإحصائيات هنا رؤية واضحة حول هذا الجانب. فضلا عن ذلك، يشمل هذا الأمر موضوع التساهل الذي يتمتع به قلة معدودة من الجنود الذين تمت إدانتهم.

تتعارض قوانين إطلاق النار هذه بشكل صارخ مع القانون الدولي لحقوق الإنسان

تحيل حملة القمع التي تشنها السلطات الإسرائيلية ضد المتظاهرين الفلسطينيين في قطاع غزة إلى مشكلة أساسية غاية في الأهمية. باختصار، يتعرض الفلسطينيون للقتل والتشويه ليس لأن الجنود الإسرائيليين يعصون الأوامر، ولكن لأنهم بصدد تنفيذها. في الواقع، لقد جعل الجيش الإسرائيلي الأمر غاية في الوضوح، حيث تسمح أوامر كبار الضباط الموجهة للقناصة بإطلاق الذخيرة الحية نحو المتظاهرين الفلسطينيين الذين وقع وصفهم “بالمحرضين الرئيسيين”، فضلا عن الأشخاص الذين يقتربون مسافة 100 متر من السياج الحدودي في قطاع غزة، حتى لو كانوا غير مسلحين.

تتعارض قوانين إطلاق النار هذه بشكل صارخ مع القانون الدولي لحقوق الإنسان، كما سبق وأن أشير إلى ذلك مراراً وتكراراً. ومع ذلك، تعد مقاربة السلطات الإسرائيلية واضحة جدا، حيث تقتضي صياغة “تفسير” خاص بها للقانون يبيح ما هو غير مسموح به. لقد كنا هنا في وقت سابق، وذلك أثناء وبعد ثلاث هجمات واسعة النطاق شنتها “إسرائيل” على قطاع غزة على مدى العقد الماضي، وتحديدا في سنة 2008 و2009 و2012 و2014. وقد كانت هناك انتقادات دولية كبيرة على خلفية الدمار والعدد الهائل من الضحايا الفلسطينيين الذين سقطوا نتيجة تكتيكات الجيش الإسرائيلي. في الأثناء، لم يتبلور الرد الإسرائيلي من خلال تدقيق داخلي فعلي وشامل، أو حملة مساءلة عن انتهاكات القانون الدولي، بل تحججت “إسرائيل” بأن القوانين في حد ذاتها تعد المشكلة.

تحديث قوانين الحرب؟

في أيلول/ سبتمبر 2009، على سبيل المثال، أصدر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو “تعليمات للهيئات الحكومية ذات الصلة بالنظر في حملة عالمية لتعديل قوانين الحرب الدولية”. وفي مؤتمر في سنة 2015، تحدث رئيس الأركان الإسرائيلي السابق، بيني غانتس عن الحاجة إلى “تحديث قوانين الحرب واللوائح وفق الحقائق الحالية”.

إخلاء أحد المتظاهرين الفلسطينيين خلال اشتباكات مع قوات إسرائيلية بالقرب من السياج الحدودي مع “إسرائيل”، شرق خان يونس في جنوب قطاع غزة، في 13 من نيسان/ أبريل 2018.

من جهتها، أشارت لويز أربور، المدعي العام السابق في المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة ورواندا، في سنة 2011، إلى أن الدعوات إلى مثل إجراء هذه التنقيحات “تنبع في الغالب من رغبة بعض الدول في إضفاء الشرعية على انتهاكاتها المتكررة للقانون الإنساني، أكثر من أي اهتمام حقيقي بتحديث القانون ليواكب مقتضيات الوقت الراهن”. في سياق الهجمات واسعة النطاق ضد قطاع غزة، يمكن تعزيز مقاربة “إسرائيل”، المتمثلة في إعادة تفسير القانون الدولي لإعطاء أوامر غير قانونية ثم تبرئة نفسها، من خلال التذرع “بضبابية الحرب” وبعض جوانب التصريحات الدعائية، على غرار ذكر أن حماس تستخدم المدنيين على اعتبارهم دروعا بشرية، وما إلى ذلك.

لكن في الأسابيع القليلة الماضية، وفي حين كان القناصة الإسرائيليون يطلقون الرصاص الحي على المتظاهرين العزل، في ظل تمتعهم بدعم مطلق من قبل كبار القادة السياسيين والعسكريين، بات عدم شرعية هذه التجاوزات في إطار القانون الدولي واضحة وجلية للجميع. وفي ورقة موقف جديدة نشرت الأسبوع الماضي، حذرت منظمة بتسيلم الإسرائيلية الحقوقية غير الحكومية، من أنه وعلى الرغم من أن انتهاكات “إسرائيل” لحقوق الإنسان ليست بالأمر الجديد أو الفريد من نوعه، إلا أن الكيان الصهيوني بات يمثل تهديدًا بشكل خاص نظرا “لإصراره على أن أعماله غير القانونية تتماشى مع القانون”. وفي هذا الشأن، أكدت بتسيلم، أن “هذه الممارسات تمثل تحديا لأسس القانون الدولي، على عكس سلوك الدول التي لا تحاول التحجج بالشرعية فيما يتعلق بأفعالها”.

أفادت منظمة بتسيلم الإسرائيلية الحقوقية غير الحكومية أن “الأمر ليس مجرد قلق نظري. وفي انتظار أن تغير “إسرائيل” سياستها، سيواصل الفلسطينيون دفع ثمن هذا الوضع بحياتهم وأجزاء من أجسادهم”.

تبرير الوحشية

بعد أكثر من نصف قرن من الاحتلال العسكري للضفة الغربية وقطاع غزة، تبحث السلطات الإسرائيلية باستمرار عن طرق لتبرير سياسات التمييز والإقصاء والأعمال الوحشية. ومن بين هذه الطرق إعادة تفسير، أو حتى تنقيح القانون الدولي. في هذا الصدد، أورد رئيس سابق في قسم القانون الدولي في مكتب المدعي العام العسكري الإسرائيلي، بشكل صريح، أنه “إذا نفذت ممارسات معينة لفترة كافية، سيتقبلها العالم في النهاية. وفي الأثناء، يستند القانون الدولي برمته الآن على فكرة أن أي ممارسة ممنوعة اليوم مسموح بها إذا تم تنفيذها من قبل عدد كاف من الدول، مما يعني أن القانون الدولي يتطور من خلال الانتهاكات”.

في ورقة موقف جديدة، أفادت منظمة بتسيلم، أنه “إذا لم يعد المجتمع الدولي إلى رشده وأجبر “إسرائيل “على الالتزام بالقواعد الملزمة لكل دولة في العالم، فستسحب البساط من تحت أقدام الجهات التي تبذل جهودا حثيثة لحماية حقوق الإنسان في عصر ما بعد الحرب العالمية الثانية”. مما لا شك فيه أنه، ووفقا لهذه المنظمة غير الحكومية، “الأمر ليس مجرد قلق نظري. وفي انتظار أن تغير “إسرائيل” سياستها، سيواصل الفلسطينيون دفع ثمن هذا الوضع بحياتهم وأجزاء من أجسادهم”.

 

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن