كيف سيحكم التاريخ على ترامب؟

دونالد ترامب
دونالد ترامب

كتب القديس أوغسطين في اعترافاته: “هناك ثلاثة أزمنة، الماضي الحاضر، والحاضر الحاضر، والمستقبل الحاضر”. لا بد من سياق لفهم كل واحدةٍ منها، ولكن الفراغات التي بينها ليست واضحةً جدًا. مثل تعرجات التاريخ، في لحظة واحدة من الزمن، تقفز الحقيقة ببطء، في لحظة واحدة فقط؛ على الهامش، كما عبر روائي ما بعد الحرب الألماني غونتر غراس.

برزت لحظة ترامب بعد تلاقي مجموعة من الظروف التي تشكلت عبر الحظ والإرادة والمرونة والمواجهة والمهارات (ولا ننسى ذكر الدعم الكبير القادم من روسيا).

لقد كانت هناك فرصة في عام 2016، وتمكن دونالد ترامب من اغتنامها. يمكن قول نفس شيء عن لحظة أوباما قبل ثماني سنوات، على الرغم من استجابتها لمزيج مختلف تمامًا ونتائجها التي كانت أكثر إقناعًا. بعد ثمانية أيام فقط.

من تنصيبه، واجه ترامب معارضة كبيرة في استفتاء الرأي العام الذي تعده مؤسسة غالوب، في مقابل أنه تطلب الأمر من جورج بوش وباراك أوباما لـ 1205 يوم و936 يوم على التوالي لتحصيل مثل هذا الرفض. لا زال حكم التاريخ النهائي لكلا الرئيسين عالقًا، ولكن يبدو أن ترامب قد أسمعنا نغمة النهاية، بسرعة وتجهم.

هل نكون متسرعين بتوجيه هذا التقييم الصارم لرئاسة ما زالت في أيامها الأولى؟ وما هي آثار هذه اللحظة الشاذة على العالم، في زمن تعمقت فيه الإضطرابات العالمية؟ هل يمكن لدولة لا زال زعيمها موضع المسائلة أن تقدم زعامة حاسمة للدول الأخرى؟

مع تكشف لحظة ترامب، تبرز مخاطر الاستخفاف أو التشويه أو الإضرار بالقضايا الأمنية الملحة، ليس بسبب ما يقوله ويفعله ترامب وحسب، بل بسبب ما يقوله النقاد عنه ويفعلونه به.

هناك أصداء من الماضي القريب، لقد كان هناك الكثير من قضية فيتنام في جيل ما بعد الحرب في الستينات، والذين كانوا يخافون من تكرارها؛ وكان هناك الكثير من قضية نيكسون في السبعينات بالنسبة لجيل ما بعد فيتنام، والذين تخيلوا سقوط أميركا في وقت مبكر جدًا؛ كما كان هناك الكثير من قضية ريغان في الثمانينات، بالنسبة لجيل ما بعد الحرب الباردة الذي احتفى بالأكثرية الجازمة كطريق مختصر للسلام؛ وهكذا، بما فيها الكثير من قضايا العولمة في التسعينات، وقضية 11/9 في بدايات الألفية، وقضية العراق في بدايات 2010.

والآن هناك الكثير من قضايا ترامب، هو القضية، فقد أصبح هوسنا ونحن هوسه، نحن الذي يزعم أننا خبراء مزيفون وصحفيون مزيفون وناخبون مزيفون وحقائق مزيفة.

ولكن هذا يكفي، فأميركا أكبر من ترامب وهناك ما هو أهم فيها منه. ولا ينبغي أن تصرف أنظارنا عن هذه الحقيقة الجوهرية. وبالتأكيد، تصعب سطوة الزمن قدرتنا على تذكر المعارك ضد التاريخ التي جاءت بعد صنع السلام مع أعداء الحرب، وإعادة التفكير في أوروبا ما بعد الحرب، واختبار نظام مؤسسات هش في نظام دولي ما بعد استعماري، وإطلاق مجتمع عظيم لتحقيق اتحاد أفضل، وهزيمة الأيديولوجيات الشريرة، وغيرها من اللحظات. فبعد الخروج من نصف قرن من الحروب الانتحارية، كانت هذه إنجازات أميركية مميزة ساعدت على إعادة تشكيل نصف العالم نحو الأفضل، وقد حدث كل ذلك في نهاية الأمر. وفي النهاية، وبعد أن عرفنا، من السهل تحصيل دور قوي للولايات المتحدة، فلم يكن جعل أميركا دولة عظيمة هي القضية الملحة.

ومع ذلك، وبعد التعثر بلحظة ترامب وسط شعار فلنجعل أميركا دولة عظيمة مجددًا، ماذا لو فشل التاريخ الآن في فهم موقع أميركا؟ وماذا لو اعترض الأميركيون، الذي يتوقعون من التاريخ أن يخدمهم مثل ما يخدموه، على مساره وأصروا على اتباع مسار آخر؟ الزعامة مهمة دائمًا، سواءً أكانت زعامة داخلية أم خارجية. وهي مهمة اليوم أكثر في وقت صعب بعد لحظة التحول الداخلية والتغير العجيب في الخارج.

هذه ليست المرة الأولى التي يتسبب فيها رئيس منتخب حديثًا بالقلق مع بداية رئاسته. فكما هو الحال مع أسلافه فيما بعد الحرب، بدأ يكتشف ترامب، كما يقول بنفسه، أن “القرارات تختلف كثيرًا عندما تجلس في مقعد المكتب البيضاوي”. لقد واجه ترومان، والذي جاء للسلطة بعد الخروج المفاجئ لروزفيلت، بداية صعبةً أيضًا، وهكذا كان الحال مع آيزنهاور أيضًا، الذي كان يفتقد للخبرة السياسية، وكينيدي الذي كان رقيقًا بعض الشيء، وجونسون الذي كان جنوبيًا جدًا، ونيكسون المخادع جدًا، وفورد العابر، وكارت الورع جدًا، وريغان الذي يعيش في الأفلام. فهمها كانت الحالة، تعهد كل رئيس ببداية جديدة ولكنه جاء ببداية خاطئة بدلًا عن ذلك، وفي وقت مبكر نوعًا ما – مثل كينيدي في بيغ أوف بيغس وقمة فينا، وكلينتون في الصومال وبوسنة، وبوش بعد 11/9، وأوباما بعد أفغانستان – إلى أن أعادوا لترتيب الأمور، والتي عادةً ما كانت تُحدث تغييرًا داخل الرئاسة أكبر بكثير من التغير الذي يحدث بعد تغير الرئيس نفسه.

بعد إعادة انتخابهما، تعامل ترومان وريغان مع فرصتهم الثانية بطريقة ممتازة. حيث وضع الأول نظامًا مؤسسيًا سهَّل على الثاني إنهاء الحرب الباردة بنجاح، مع وجود مساهمات حقيقية من كل رئيس جاء بينهما. ولكن منذ الحرب الباردة، قوبلت التوقعات من العظمة الرئاسية بخيبات أمل كبيرة. فلم يترك بيل كلينتون ولا جورج بوش ولا حتى باراك أوباما أي إرث بحيث يبدي خلفاءهم الاستعداد للسعي من أجله أو استكماله. ريغان هو الوحيد الذي حصل على “الحقبة الثالثة” التي احتاجها مع فوز بوش في نوفمبر 1988. في عام 2016، كانت هزيمة هيلاري كلينتون الانتخابية هزيمة لأوباما أيضًا، حتى مع فشل خصمها في تحقيق نجاح مقنع أو نظيف.

من غير المرجح أن يتعافى ترامب من بدايته الخاطئة. فبالنسبة لترومان والذين تبعوه، كانت هناك أبجديات خاصة للرئاسة، تقوم على الشفافية والتوازن والإقناع والانضباط والخبرة وغيرها. في البداية، يفتقد بعض الرؤساء واحدةً أو أكثر من هذه السمات، ولكن لم يأتي أحدهم من دون أي منها، وتحصَّل جميعهم على الكثير مما كان ينقصهم سابقًا في لحظةٍ ما. تذكر لحظة ريغان، وهو الرمز الرئاسي الذي استصعب في البداية تحقيق مطالب مكتب بدا وكأنه غير مؤهل له. ولكن ترامب ليس ريغان، والأمر الذي جعله مرشحًا ناجحًا في عام 2016 يجعله رئيسًا غير فعال في عام 2017، من غياب “الاستقرار والكفاءة” المطلوبة من الرؤساء، كما يشير السيناتور الجمهوري بوب كروكر، بعد 200 يوم فقط من رئاسة تمنى حزبه أن تستمر لمدة ثماني سنوات.

ومع مرور الوقت في هذه الحقبة الرئاسية، أصبح يعتبر ترامب شخصًا أجنبيًا، بعيدًا عن المعايير المؤسسة للزعامة الديمقراطية وبات قريبًا من تعدي الخطوط الحمراء الدستورية، وغير مناسب للأبجديات المعقدة للحكم الجمعي، والحسابات السياسية للتوزان، والانضباط المؤسسين، ودقة الشفافية الديمقراطية. وعلى الصعيد الخارجي، أصبح يُنظر إليه كغريب تاريخي وثقافي يشتكي من “سرقة الازدهار الأميركي”والأموال الهائلة” التي ينبغي إرجاعها للولايات المتحدة مقابل الخدمات المقدمة. ولكن من الصعب تدراك المسألة المالية. ومع السير قدمًا في القرن الواحد والشهرين، أصبحت صورته عن “أميركا أولًا” عبار عن وثن جيوسياسي يبعث صورة ذاتي ةغير مُرضية عن الدولة وكأنها دولة محكومة بالفرص والذرائع المختلفة، وموجهة بـ “مصالحنا الأمنية التي تقع فوق كل الاعتبارات”.

ولكن انتظر، هل هذه الاعتراضات الموجهة للرئيس مبالغٌ فيها بعض الشيء، وجاءت متأخرةً بعد انتخابات عام 2016 أو في وقت مبكر بعد تنصيبه؟ هل يمكن أن نكون مخطئين – كما كنا مخطئين حيال العراق وبوتين والربيع العربي وسوريا وكوريا الشمالية وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وغيرها من الأشياء – الآن حول ترامب، ليس على شخصيته وأقواله، بل على ما يريده ويفعله؟ فما من شيءٍ أكثر زيفًا من الثقة الزائدة. ماذا لو كان رد فعلنا مبني على أفكار مسبقة، واستياء تحزبي، وغطرسة مثقفين، واستقامة في غير مكانها، ومعززة بمجموعة من المعلومات التي جُمِعَت على عجل؟

كتب ويليام فيوكنر “الماضي لا يموت، إنه ليس ماضٍ حتى”. بعد أن أصبح جون كيري وزيرًا للخارجيًا، اعترف بأنه كان “غير حكيم” و”غبيًا” حتى في العديد من أصوات “لا” التي قدمها في الأمن القومي، بما فيها تطوير ونشر أنظمة الأسلحة الجديدة في الثمانينات وقرار طرد صدام حسين من الكويت في عام 1991. خرج كيري من منصبه، ولكنه لم يرد التخلي عن سلطاته. كانت انعطافة بوش الأخيرة بعد الانتخابات النصفية في عام 2006 وليدة الأدلة على الفشل، وهذا هو التحدي، فعندما تتغير الحقائق، عليك أن تتغير أيضًا. يُحسب على بوش أنه أنجز هذا الشيء فقط، وهو الإندفاعة العسكرية التي تجرأ على توجيها والتي كانت شجاعةً سياسيًا وجريئةً استراتيجيًا، بالإضافة للانتقادات العالمية التي تلقتها.

إن المعرفة التي لدينا اليوم لا تقدم عذرًا كاملًا لبوش، ولكنه تمكن من الحصول على رصيد في نهاية المطاف. فكل ما يمكن للنقاد أن يشيروا إليه في أي وقت لا يوجد عليه أي ضمان لنتيجته، وهو ما يذكرنا بأولئك الذين سائلوا توجهات آيزنهاور نحو هانغرايا، وكيندي في كوبا، وجونسون في التيشك، ونيكسون في كامبوديا، وكارتر في أفغانستان، وريغان في لبنان. ربما كانت ستتجه الحرب الباردة بطريقة مختلفة في حال قام أي رئيس أميركي بالاستجابة لما قاله النقاد، ولكن من يمكن أن يقول ما إذا كان ذلك سيؤدي إلى نتيجة سيئة؟

يسير التاريخ ببطء، والحكم يأتي ببطء وعشوائية. فحن لا نعرف ما سيقال عن عزم أوباما لـ”تغيير الاستراتيجيات”. وفي نفس الوقت، تكمن المأساة أن الموقف من كل رئيس يتحدد بناءً على من يخلفه، وكأنه الحكم التاريخي – آينزهاور لترومان، أو كينيدي لآينزهاور، أو كارتر لنيكسون – وكما هو الحال مع ترامب وأوباما. ولكن هذا لن يكون حكمًا نهائيًا. يعتمد التاريخ على قانون العدالة الخاص به: فيبغي أن يُزال العفن قبل كل شيء، ومع ذلك فهو لا يصدر حكمًا صارمًا.

أين تقع لحظة ترامب من كل ذلك؟ إذا نظرنا إلى أحد أصعب قرارات آيزنهار كرئيس، فقد عبَّر عن كلمات فايفار بوش: “لا يمكن إبعاد الخوف، ولكن يمكن تهدأته ومن دون هلع، ويمكن التعامل معه بالعقل والمنطق”. بالرغم من اختلاف أوباما عن آيزنهاور بعد خمسين سنة، كانت هذه هي الكلمات التي عاش بها عندما أصدر في أواخر فترة رئاسته قرار عدم التدخل في سوريا ضمن لحظة “انعتاقه”. هل يمكن لترامب أيضًا أن يحظى بلحظة انعتاق، من نفسه وليس من الآخرين؟ وأين وكيف، في أن يبذل المزيد من الجهد في أفغانستان وأوكرانيا ربما، أم في تسليط المزيد من العدوان على كوريا الشمالية وإيران، أو في مجابهة روسيا والصين، أم في أي مكان تخرج فيه إندفاعاته المعهودة؟ بدأ يضعف أثر تغريداته وأصبحت مريعة ومحرجة، ولكننا لا نستيطع الجزم بشيء، والحقيقة أنه ما من أحد يعرف إلى متى ستستمر لحظته بالتوسع ضمن نتائجها، وبغض النظر عن المخاوف التي ستصدر عنها.

إن “أشياء الماضي” لم تمضي بعد، و”أشياء المستقبل” لم يتم الحديث عنها بعد. والتاريخ يمتنع عن مشاركة خططه. إنه يقوم فقط بتذكير المستقبل، وبأثر رجعي. وفي أسوأ الأحوال فإنه يعيد خلق الماضي بطريقة إبداعية، وكأن المشهد يعيد نفسه.

في عشية انتخاب أوباما، سأل زبيغنيو بريجنسكي: “كيف تمكنت أميركا من الزعامة بعد الحرب الباردة؟ وأجاب “بكلمة واحدة، بشكل سيء”، وشرح إجابته مطولًا. لم تغير رئاسة أوباما هذا الحكم، على الرغم من الحماس الذي شاهد بعد انتخابه في الداخل والخارج. تكثَّف “سؤال بريجنسكي” مع مرور الوقت. فقد ضيع ترامب سمعة أميركا، والتي تمكن أوباما من استرجاها بطريقة ما بعد الضربات التي أحدثها أسلافه. وبالتأكيد، قد يكون هو الرئيس الأول على الإطلاق الذي لا يعرف، أو لا يحسب، ما يقول، ولا يفهم تمامًا ما يفعل. فبعد 100 يوم من لحظة ترامب، كشف استطلاع عن مركز بيو على 37 دولة أن صورة الرئيس عبارة عن صورةٍ “مغرورة” (75%)، و”متعصبة” (65%)، و”غير مؤهلة” (74%)، و”خطيرة (62%)، مؤدية إلى نتيجة كلية لانخفاض بنسبة 42% في الثقة برئيس الولايات المتحدة.

ولكن لا يعني هذا لوحده أن ما يقوم به الرئيس وما يهدف إليه هو خاطئ، أو أن ما يقوله هو أو مستشاروه لا معنى له. فخلال السنوات الثمانية، ذكرنا أوباما أن كون الرئيس جذابًا ومؤهلًا لا يؤدي بالضرورة إلى رئاسة ناجحة. والآن، يتقدم خصمه للانخراط مع روسيا، وتحدي الصين، واحتواء إيران، وهزيمة تنظيم الدولة، وإضعاف كوريا الشمالية، وإعادة الحروب السيئة التي ساء حالها، وإنكار حالة عدم الاستقرار في الشرق الأوسط، ويطلب من حلفاءه المزيد من الإنفاق العسكري، جلب الأزمات إلى خلفاء مجهولين، والتفاوض على صفقات تجارية أفضل، وغير ذلك الكثير، وكل ذلك من أجل وضع أميركا أولًا، وللمضي قدمًا والتحدث والتحرك بطريقة مميزة عن الرئيس السابق الذي انكفأ وتراجع.

باختصار، جعل أميركا في الأعلى، وإبقاء الحلفاء مكانهم وإخراج الأعداء، كي يبقى العالم سالمًا “كما لم يكن من قبل”. حسنًا، لم لا؟ في كل قضية، هناك مساحة للجدل السياسي الجاد. هذه ليست أجندة شخص بعينه، وكل سؤال يطرح هو مشكلة ومسؤولية كل شخص.

بعيدًا عن الفشل السياسي والأخلاقي للرئيس، سوف تأخذ لحظة ترامب وقتًا أطول لُيقضى في أمرها. هناك قضايا دولية حول علاقات القوى العظمى، بما فيها روسيا والصين، هناك صراعات حول شن الحرب على الإرهاب، وهناك حروب لم تنتهي، حتى لو كان السبب هو عدم القدرة على فوزها (في أغانستان والعراق وسوريا أيضًا)، وهناك صراعات محلية وبنبرة نووية (مع كوريا الشمالية وإيران)، وهناك الأزمات التاريخية (مثل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي أو في أوكرانيا و بعض الأجزاء الأخرى من أوروبا الشرقية وشمالي آسيا)، وهناك جيل نووي ثالث ينبغي إتقانه، وموجات هجرة ينبغي إعادة توجيهها، وأطنان من القروض الدولية لحملها، وبيئة ينبغي حمياتها، وقضاء إلكتروني لا بد من ضبطه، واتفاقيات تجارية ينبغي تحديثها.

هذه هي جميع القضايا التي لا ينبغي أن تتأخر لعقد إضافي. فكما كتب هنري كيسنجر في كتابه الأخير، “لا ينبغي أن نفترض أن هذه الاتجاهات ستتوافق تلقائيًا وتتحول إلى عالم مفعم بالاتزان والتشارك، أو أي نظام مثل ذلك حتى”. إنها لحظة، وربما حقبة، الأزمات الدائمة، وعدم الوضوح الأخلاقي، والتحول الجيو سياسي، والإضطراب الدولي، إنه زمن اختبار فكرة إشعيا برلين القائلة إن “القرن الواحد والعشرين… يمكن أن يكون أفضل زمن للبشر من القرن الذي عشت فيه”.

ما من تحول رئاسي يشبه الآخر، ولكن على الجميع أن يأخذ مكانه واعيًا لمن كان خلفه. ادعى معظم رؤساء الولايات المتحدة مثل هذا الوعي في الماضي. وفي معظم الحالات، تجاوز إدعاءهم التاريخ الذي يعرفونه (مثل ترومان) أو يفهمونه (مثل كارتر). بالنسبة لآخرين، فقد عكست تجربتهم (مثل آيزنهاور وبوش)، وفضولهم (مثل كلينتون)، أو قيمهم (مثل ريغان وكارتر حتى). هناك قلة من الرؤساء الذين فهموا التاريخ الذي يعرفونه منذ البداية، مثل نيكسون وبوش، وأقل من هؤلاء تمكنوا من تعلم وابتلاع ما لم يكونوا يعرفونه ابتداءً، مثل أوباما.

ولكن ترامب يختلف عن جميع الرؤساء الذين سبقوه. فهو يحافظ على علاقة بعيدة عن الحقائق، والتي يستبدلها ما يدعوه بنفسه “الحقائق المبالغ بها” و”نمط بريء من المبالغة”. لا يمتلك الكثير من الوقت للتاريخ، والتي تتطلب الفضول الذي يفتقده. وهو ليس مفكرًا استراتيجيًا، والذي يتطلب بعض الثبات الذي لا يتلائم مع مزاجه الإندفاعي. كما لا يميل لإقحام نفسه مثل كندي، ولا أن يمسك نفسه مثل كارتر، ولا يؤمن بالتعددية مثل أوباما، ولا بالأحادية مثل بوش. أدعوه بالثنائي، بمعنى أنه زعيم المعاملات، كل قضية على حدة، وكل صفقة على حدة.

في هذه الحالة، هل يمكن لهذه اللحظة أن تكشف عن كون ترامب هو صاحب الصفقات اللا تاريخي والغريزي كما ادعى في حملته؟ إن الخوف من نفاذ الوقت من ترامب هو خوف في نفس الوقت من فوات الأوان لنا. خلال الحرب الباردة، احتشد الأميركان لإنهائها عندما أصبحت غير مقبولة على الصعيدين السياسي والأخلاقي.

يمكن قول الشيء نفسه عن الحرب على العراق في الألفينات، والتي دعموها في البداية، ولكنهم هجروها في خطأ استراتيجي، بالإضافة إلى كونه خطأ أخلاقي. في كلتا الحالتين، كان القرار متأخرًا، ولكنه ليس متأخرًا جدًا، فبعدها، انتخب الأميركان رؤساء مثل ريغان وأوباما، الذين جعولهم يشعرون بشكل جيد اتجاه أنفسهم، وليشعر معظم العالم بشعور جيد نحو أميركا. والآن نحن نمتلك رئيسًا يعتقد نفسه أنه الأفضل، بينما يشعر العالم نحو بمشاعر سيئة. ما الذي سيكشفه لنا التاريخ، إنها مسألة وقت، لنعرف كيف رسخ ترامب نفسه في أميركا ليحول لحظته إلى حقبةٍ.

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن