كيف وضعت منظومة دعم حماس في أوروبا الاستخبارات الإسرائيلية في ورطة حقيقية؟

صورة توضحية
صورة توضحية

تعمل إسرائيل حاليا على مسارين مختلفين، أحدهما دبلوماسي والآخر استخباراتي، بغية فك طلاسم إحدى القضايا الشائكة، التي تتعلق بدعم تتلقاه حركة حماس من جهات أوروبية.

ولكن هذا الدعم يبدو أنه يتعلق بالأساس بأنشطة غير رسمية، تسمح بها بعض هذه الدول، من شأنها أن تمنح شرعية نسبية للحركة التي تسيطر على قطاع غزة، وتعمل على تعزيز موقعها في الضفة الغربية أيضا.

ويركز الشق الدبلوماسي، على التواصل مع وزارات الخارجية بالدول الأوروبية التي تستغلها حماس بشكل أو بآخر، أو تلك التي تسمح لنشطاء يؤيدون الحركة بتنظيم فاعليات مختلفة، وتحاول أن توفر لها الأدلة على أن أيديولوجيات حماس تتسلل تدريجيا إلى المجال الأكاديمي والبحثي في بعض مراكز البحوث الأوروبية.

ويعزز اتفاق المصالحة الأخير، والذي تم التوقيع عليه بين تل أبيب وأنقرة في يونيو الماضي، من موقف الدبلوماسية الإسرائيلية، إذ منحها المجال لطرح موضوع تواجد قيادات الحركة وممارستهم أنشطة معادية لإسرائيل، انطلاقا من الأراضي التركية ومنها إلى دول أوروبية أخرى.

معضلة استخباراتية

وتواجه أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية في المقابل معضلة، تتعلق بأنشطة حماس في أوروبا، حيث سيكون عليها إثبات مزاعمها بشأن قيام مواطنين عرب يحملون جنسيات أوروبية بدعم حركة حماس ماليا، أو حتى الترويج لها داخل مراكز الفكر، ومحاولة ترسيخ صورة مختلفة بشأن تلك الحركة، بحيث تتعامل مراكز البحوث في بعض دول أوروبا معها مستقبلا بشكل موضوعي، على أساس أنها حركة براغماتية، يمكنها أن تحل محل السلطة الفلسطينية بالضفة الغربية، وهو أمر يؤرق الدولة العبرية.

وتدعي تقارير إسرائيلية، أن حماس سبقت تنظيمات إرهابية أخرى، مثل داعش والقاعدة، واستعانت بحاملي الجنسيات الأجنبية لتلقي دعم محدد، فيما طورت التنظيمات المشار إليها هذا الأسلوب لتستخدمه في تنفيذ اعتداءات إرهابية في مناطق متفرقة من العالم.

قضية شراري

وفتحت قضية مواطن بريطاني من أصول لبنانية، وهو “فايز شراري”، هذا الملف، بعد أن تم اعتقاله منتصف سبتمبر الماضي، بواسطة جهاز الأمن العام  الإسرائيلي “الشاباك”، وإخضاعه للتحقيقات، طوال ثلاثة أسابيع، قبل إرساله للمحاكمة العسكرية، بتهمة نقل الأموال لحركة حماس بالضفة الغربية.

وعلى الرغم من قرار المحكمة العسكرية في “عوفر” بإطلاق سراحه، معتبرة أنه تعرض لضغوط كبيرة خلال التحقيقات، تم استئناف الحكم من قبل النيابة العسكرية، وتقرر في 7 نوفمبر الجاري، استمرار اعتقاله لحين انتهاء إجراءات التقاضي.

وبغض النظر عن موقفه القانوني، بيد أن مصادر إسرائيلية تتحدث حاليا عن سجل التحقيقات التي أجريت مع شراري داخل “الشاباك”، وتشير إلى معلومات واعترافات أدلى بها حول شبكة متشعبة تمتد من دول عربية إلى أوروبا توفر الدعم المالي لحركة حماس بالضفة الغربية، وتمنح أيديولوجيات الحركة موطئ قدم في القارة الأوروبية بشكل أو بآخر.

عناصر حماس

وتتحدث تقارير إعلامية إسرائيلية من واقع سجلات التحقيق عن أنشطة واسعة للغاية لحركة حماس، اعتمادا على منتمين لها يحملون جنسيات أوروبية، تفيد بأن عناصر حماس “الأوروبيين” لديهم صلات واسعة بشخصيات رسمية وممثلي دول أوروبية، كما أن لهم حضورا كبيرا للغاية في معاهد البحوث هناك، ولا سيما تلك التي تدعم الموقف الفلسطيني وتعادي إسرائيل.

وتمول هذه المعاهد بحوثا تعتبرها الدولة العبرية مناهضة لها، وتستشعر خطرا محددا تجاه هذا الأمر، نظرا لكون الدراسات والبحوث العلمية من المجالات الحساسة، وقد يتسبب إلتزامها بالموضوعية والمنهج العلمي في إضفاء الشرعية على موقف حماس، كما سيتم الاستعانة بها كمصدر توثيقي لإعداد المزيد من البحوث العلمية مستقبلا، بما يخدم صورة الحركة ويضر بصورة إسرائيل.

تنسيق عمليات

وخلصت التحقيقات إلى أن الناشط خليل خالد خراز “أبو خالد”، الذي يقيم في مخيم “الرشيدية” للاجئين الفلسطينيين في لبنان، يتولى مسألة تنسيق عمليات حماس في أوروبا.

وتتهم السلطات الإسرائيلية هذا الناشط بالعمل على حشد الأموال لتسليح حركة حماس، والعمل على تعزيز البنية الأساسية لأنشطة الحركة داخل الضفة الغربية، واستغل جهاز “الشاباك” الإسرائيلي معرفة شراري بهذا الناشط، وركز خلال التحقيقات معه على استخلاص أكبر قدر من المعلومات بشأنه.

وتزعم مصادر إعلامية إسرائيلية اطلعت على سجل التحقيقات مع شراري، أنه أقر أمام المحققين بأن “أبو خالد” هو المسؤول عن نقل الأموال من مؤيدي حماس في أوروبا إلى الحركة في غزة والضفة، كما أنه دائم السفر إلى الدوحة وأنقرة والقاهرة، لكن في حالة الأخيرة، لم يعد يزورها منذ الإطاحة بنظام الإخوان المسلمين في تموز/ يوليو 2013.

وبحسب التحقيقات، فقد عمل إلى جوار شراري الذي يحمل الجنسية البريطانية، اثنان من أصول مغربية ويحملان أيضا جوازات سفر أوروبية، لذا فقد حاول المحققون فهم تلك النزعة، واكتشفوا – بحسب المصادر الإعلامية – أن  أحد الأدوار الأساسية التي يلعبها “أبو خالد” هو تجنيد مواطنين عرب يحملون جنسيات أوروبية لصالح دعم حماس في الضفة، وتعزيز وضعها في أوروبا.

دور الإخوان

وربط محققو “الشاباك” بين تلك القضية وبين الدور الذي يعلبه تنظيم الإخوان المسلمين لحشد الدعم لصالح حماس، وكتبوا في نهاية سجل التحقيق ملاحظات منها أن لدى هذا التنظيم قرابة 80 مكتبا حول العالم، ولديها مراكز أساسية في بريطانيا، وألمانيا، وفرنسا، والنمسا، وأن أموالا وتبرعات طائلة تجمع في هذه الدول، يتم إرسال أجزاء منها إلى حماس بالضفة، وتستغل أيضا لإضعاف موقف السلطة الفلسطينية بالخارج.

وكتب المحققون، أن نشطاء حركة حماس يعتبرون أنهم في وطنهم حين يقومون بزيارات لهذه الدول، وأن الحركة حريصة على إرسال ممثليها من حاملي الجنسيات الأوروبية في مهام من تركيا شرقا وصولا إلى البرتغال غربا.

تركيا في قلب القضية

ومن جانب آخر، عينت الخارجية الإسرائيلية الأسبوع الماضي “إيتان نائيه” سفيرا جديدا لدى أنقرة، وفي المقابل قامت الأخيرة بخطوة مماثلة بعد مضي 24 ساعة فقط، حيث عينت الخارجية التركية مستشار الشؤون الخارجية لرئاسة الوزراء كمال أوكم سفيرا في تل أبيب.

ولكن هذا الإجراء، الذي يعد أبرز ثمار اتفاق المصالحة الأخير بين البلدين، يواجه اختبارا صعبا يتعلق باستمرار أنقرة بالسماح لقيادات بارزة في حركة حماس باستغلال أراضيها في أنشطة معادية لإسرائيل، من وجهة نظرها، بمن في ذلك عناصر تنتمي للذراع العسكرية للحركة، كتائب عز الدين القسام.

ويعتقد مراقبون، أن أجهزة الأمن والاستخبارات الإسرائيلية تنظر لقضية حشد الدعم لحركة حماس في أوروبا، واستغلال المواطنين العرب الذين يحملون جنسيات أوروبية، على أنها لا تنفصل بأي حال من الأحوال عن الموقف التركي تجاه الحركة، حيث تعد الأراضي التركية منطلقا أساسيا لحماس إلى القارة الأوروبية، كما أن علاقات النظام التركي الحاكم بتنظيم الإخوان يعزز هذه الفرضية.

وبحسب تقارير، فقد خاطبت الدبلوماسية والأجهزة الأمنية الإسرائيلية الجانب التركي أكثر من مرة بشأن أحد بنود الاتفاق، والذي ينص على طرد قيادات حماس وتكبيل أنشطتها، ولا سيما بعد امتناع أنقرة عن طرد القيادي صالح العاروري، الذي أسس مقر قيادة للحركة في تركيا.

ويتذرع الأتراك في المقابل بانشغال الرئيس رجب طيب أردوغان بمواجهة آثار الانقلاب الأخير، ومواجهة خصومه الحقيقيين، فيما تنظر إسرائيل إلى كل ذلك على أنها مماطلة تركية، وتخشى أن تفرغ الاتفاق من مضمونه.

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن