كيف يضحي الفقراء بحياتهم لينعم الأثرياء بالحرية ؟

بقلم الكاتب

بقلم : رهام عودة

إن من أكثر الأشياء التي تُلفت الأنظار عند متابعة تاريخ الثورات العربية ضد الاستعمار ، و بعض الأنظمة السياسية الديكتاتورية ، أن من يقوم بالثورة هم غالبا الشباب الذين ينتمون إلي الطبقة الوسطى.

و لكن هناك أيضا ثوار من نوع أخر ، هناك من هو مستعد بأن يفقد حياته الثمينة ، و يقبل بأن يكون وقود للثورة بجسده النحيل في سبيل الانتقام من الظلم و التهميش و الحياة الغير عادلة !

إنهم الشباب اللذين ينتمون للطبقة الفقيرة ، فمستوى التضحية بأرواحهم ، وحياتهم يصل لدرجة الرغبة الشديدة بالذوبان مع تراب الوطن ، و بأن يقدموا أنفسهم كقرابين بشرية للأرض و الحرية و الكرامة الوطنية و للانتقام بشكل دراماتيكي و عنيف من أعداء وطنهم ، دون الاكتراث لأهمية الحياة ومتعة الدنيا ، فالدنيا بعد هذا الفقر المدقع و الظلم الشديد، هي بالنسبة لهم فانية، و لا تساوي مثقال ذرة ، و أجرهم ربما سينالونه في الآخرة.

و عندما نقارن بين مستوى التضحية التي يقوم بها هؤلاء الشباب الفقراء ، مع مستوى التضحية التي يقوم بها باقي الشباب من الطبقات الأخرى المتوسطة و الثرية ، نلاحظ أن المستوىات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية ، تلعب دوراً كبيراً في تحديد طبيعة النضال السياسي و الفكر الأيدلوجي الذي يتبناه هؤلاء الشباب من كل طبقة.

فعادة ما تكون تضحيات الشباب المنتمين للطبقة الوسطى ، تتمثل على سبيل المثال ، بمحاولة المساهمة في بعض الأنشطة السياسية الفكرية و الاجتماعية و الإعلامية ، مثل المشاركات في حملات المناصرة و الدعم عبر وسائل الإعلام الاجتماعي، أو حضور بعض الندوات السياسية و الاجتماعية، أو التوقيع على بيان سياسي يندد بسياسة ما ، أو الظهور في التجمعات السلمية و المؤتمرات السياسية.

أما الشباب الذين ينتمون للطبقة الغنية ، فنراهم يتخذون اتجاهاً آخراً ، أقل خطورة ، أو أكثر أمانا لهم في طبيعة نضالهم السياسي ، لأنه بكل بساطه لديهم ما يمكن أن يخسروه ، في حال ورطوا أنفسهم بمغامرة سياسية غير محسوبة.

لذا نرى أن مستوى التضحية السياسية لهؤلاء الشباب ، تكمن في تضحيتهم إما بالمال أو الوقت ، فنجدهم على سبيل المثال ، يقضون بعض الدقائق في التعبير عن غضبهم عبر منصات الإعلام الاجتماعي بكتابة (وسم أو هاشتاج ) لقضية معينه باللغة الانجليزية ، أو يقومون بالترويج لهويتهم الوطنية بوضع علم بلادهم على أكتافهم ، عندما يسافرون للخارج ، أو أنهم قد يتقلدون بسبب علاقتهم مع السلطة بعض المناصب الدبلوماسية الرفيعة المستوى ، و أخيرا هناك من قد يتبرع بجزء من ماله لدعم قضية بلاده.

لذا يمكننا هنا أن نصل لقناعه بأن كل طبقة في المجتمع تناضل و تكافح، لكن حسب تقديرها لحجم التضحية التي يمكن أن تقدمها، و حسب ميزان الربح و الخسارة .

فالشباب العاملون و الذين ينتمون للطبقة الوسطى لديهم وظائفهم و جامعتهم و أحلامهم في الثراء و المنصب الرفيع بالمستقبل، فلماذا يخسروا كل تلك المميزات ، و يعقدون عقدا مع الموت، و ينقضون وعودهم لأبنائهم بأنهم سيصبحون يوما ما شيئا ما .

و الشباب الأثرياء، والذين ينتمون سواء للطبقة البرجوازية أو الأرستقراطية، لديهم أرصدتهم المرتفعة في البنوك، و مناصبهم الرفيعة في المؤسسات الدولية ، و مقاعدهم الدراسية في الجامعات الأمريكية و الأوروبية ، فلماذا يضحون بكل هذا النعيم و الثراء ، و يقدمون أنفسهم للموت من أجل ثورة ، قد يقودها غيرهم، و يجنون ثمارها بكل سهولة و لو بعد حين.

أما الشباب الفقراء، فهم ليس لديهم عمل كريم لكي يكون لهم أمل في الحياة الرغدة ، أو طموح بأنهم في يوم ما سيزاد رزقهم و يصبحون أعضاء في الطبقة المتوسطة على الأقل.

و هم لا يملكون المال لكي يسافروا، و يتعلموا في الجامعات الأجنبية أو حتى المحلية من أجل أن يحصلوا على الشهادات العلمية الرفيعة التي قد تدعمهم في تطوير حياتهم للأفضل، و تساعدهم في بناء مستقبلا واعدا.

و هم لا يملكون المال لكي يدفعوا ثمن اشتراك خدمة الانترنت الشهرية ، لكي ينفثوا عن غضبهم و سخطهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بدلا من أن يسيروا تحت أشعة الشمس المحرقة، لساعات طويلة في تظاهرات غاضبة بالقرب من الحدود قد تعرض حياتهم للخطر.

و هم لا يملكون المال لكي يشتروا ثمن بزة سوداء مهندمة ، لكي يتصدروا المؤتمرات السياسية و الندوات الاجتماعية و الإعلامية، بدلا من انتظار صدقة شهر رمضان، لكي يشتروا مجرد حذاء مستعمل يحمي أقدامهم من مياه الصرف الصحي التي تُغرق حارات مخيماتهم البائسة.

إنهم بكل بساطه ليس لديهم ما يخسروه !

و هم لا يملكون سوى أجسادهم النحيلة التي تعاني من سوء تغذية بسبب الجوع و الحرمان ، لذا فهم يقدمون تلك الأجساد الهزيلة كوقود للثورة لتحترق تلك الأجساد في نيران الغضب و الانتقام من الحياة الغير عادلة و من الظلم و التجاهل المجتمعي و الاستغلال السياسي و أخيرا من براثن الاحتلال و الاستعمار الأجنبي.

هذا بكل بساطه ، ما فعله الشهيد الفلسطيني المقعد إبراهيم أبو ثريا ، الذي غضب و ثار، عندما اعترف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ، بالقدس كعاصمة لإسرائيل ، فانتفض أبو ثريا لوطنه المجروح و المنقسم على بعضه البعض ، انتفض عبر رفع العلم الفلسطيني في أخطر منطقة بين حدود قطاع غزة و إسرائيل ، انتفض أبو ثريا و ثار مع الثوار على الواقع الأليم و الحياة البائسة التي يعيشها بقطاع غزة ، فضحى بنصف جسده ، ليعلنها ثورة على كل شيء !

ثوره على الفقر !

ثورة على التهميش بحقوق ذوي الإعاقة !

ثورة على الظلم الاجتماعي !

ثورة على الفساد و الاستغلال السياسي !

و أخيرا ثورة على الاحتلال الإسرائيلي!

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن