لماذا دخلت “داعش” مخيم اليرموك؟

بكر ابوبكر

الكاتب: بكر ابوبكر

إن مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين في سوريا الذي أنشيء عام 1957 على مساحة 2 كلم مربع آنذاك، والذي يبعد 7-8 كم فقط عن العاصمة السورية يمثل موقعا استراتيجيا لاسيما وهو مربط الطرق بأكثر من اتجاه سواء نحو الجنوب السوري أو نحو المطار ، وبذلك فإن السيطرة على المخيم -اضافة لأهميته من الناحية المعنوية لأنه يضم اللاجئين الفلسطينيين ولما لقضيتهم من قدرة على اشعال الاعلام وإشغاله- تعتبر هدفا لكافة الفصائل السورية في ظل الصراع هناك.
من الجلي أن المخيم الذي هُجّر معظم سكانه الذين كانوا يقدرون من 150 الف الى 200 الف نسمة، ولم يبقَ منهم إلا العُشُر ، أصبح في حالة معاناة لا تقل عن معاناة كل الشعب السوري، وليس وحده وإنما المخيمات الفلسطينية الأخرى المنتشرة في سوريا.
بعد عديد التدخلات من قيادة (م.ت.ف) والسلطة والأخ الرئيس أبومازن ومبعوثيه الى سوريا خاصة زكريا الأغا و دور عزام الأحمد ود.سمير الرفاعي وأحمد المجدلاني وأنور عبد الهادي استطاعت هذه التحركات أن تحافظ ولو نسبيا على حيادية المخيم بين الأطراف السورية المتصارعة وتلك الفلسطينية سواء المتحالفة مع النظام أو المناوئة له.
كلنا يتذكر ما قامت به الجبهة الشعبية-القيادة العامة التابعة للنظام السوري من الاعتداءات الثأرية على أبناء المخيم وحصاره وإغلاقه دعما للنظام في حربه ضد المخالفين، هذه المواجهات التي خلفت الشهداء ، وما كان من عدد قليل من أبناء المخيم حينها إلا وأن ارتبطوا بتيارات المقاومة للنظام وخاصة (الجيش الحر) ومثل (جبهة النصرة) التابعة لأبي محمد الجولاني المبايع لأيمن الظاهري، وظهرت كل من حركة أحرار الشام ولواء الأمة الواحدة ولواء الاسلام ولواء شام الرسول وكتائب شباب الهدى (هي التي توحدت لاحقا تحت اسم الرابطة الإسلامية)، وقامت عناصر من “حماس” بتشكيل ما سمى (اكناف بيت المقدس في أرض الشام) عام 2013 نظرا لتخلي (حماس) رسميا عن الإعلان عن دعمهم رغم صلتهم الوثيقة بها، إذ أن قائدهم محمد زغموت الشهير باسم أبو أحمد المشير كان مرافقا لخالد مشعل.
شكّل المخيم حالة إسعاف لكافة الفرقاء في البداية وأصبح ينظر إليه كمحايد، وهو ما حرصت قيادة المنظمة أن يبقى كذلك، إلا أن هذه الحالة مع تطور الأحداث لم تستمر فتنازعته التيارات المتصارعة، واستولت كل منها على أجزاء منه فأصبح الوضع بينها داخله في حالة شبه تعادل بين تيارات النظام والمعارضين له سواء من الفلسطينيين أو من السوريين، ولما لم تَحُل تدخلات القيادة الفلسطينية ومحاولات تحييد المخيم والاتفاقات دون تهجير الناس وتجنيب المخيم الويلات فإن التنظيمات المتقاتلة سيطرت فعليا على المخيم وتقاسمته جغرافيا في فرض للأمر الواقع لفترة طويلة فما الذي تغير في المعادلة لتدخل (داعش) في المعادلة؟
إن التطورات الاقليمية ليست منفصلة عن تحركات تنظيم “داعش” وما يحدث في العراق واليمن وغيرها، فالتقدم الحوثي المحسوب على إيران رغم حملة “عاصفة الحزم” العربية، والتي قابلها تحرير تكريت من (داعش)، وارتكاب بعض المليشيات المذهبية العراقية (يذكر أن الحشد الشعبي العراقي وبالدعم الايراني يضم 40 تجمعا منها 5 جماعات ثأرية وتحريضية) لفظائع هي ذات ما كان يرتكبه “داعش” ، أثرت هذه التطورات على قرارات التنظيمات الاسلاموية المتقاتلة في سوريا من خلال عقد تحالفات وتنسيق مشترك أو اللجوء للمهادنة فيما بينها ، وما كان من اعلان ابو محمد الجولاني أمير “جبهة النصرة” أنه لن يحكم مدينة إدلب لوحده كفصيل بعد أن سيطر عليها مدعوما من “أحرار الشام” وعدة فصائل متطرفة أخرى إلا دلالة قد تعبّرعن إدراك جديد لعدم إمكانية السيطرة المطلقة لأي تنظيم اسلاموي-متطرف أو غير متطرف -من المعارضين- على سوريا، ما يعد رسالة حقيقية من أيمن الظواهري لأبي بكر البغدادي بإمكانية التعاون أو التوافق خاصة مع تقدم (النصرة – القاعدة) في إدلب ما قابل تقهقر(داعش) في العراق.
إن امكانية أن تمد (النصرة) باب التعاون تأتي بالنسبة لها من موقع قوة الآن إذ أن سيطرتها على المدينة الكبرى شمال سوريا في مقابل سيطرة (داعش) على مدينة الرقة السورية أيضا يضع القوى المتطرفة الكبرى والمتقاتلة والمتنافسة معا أي “داعش” و”النصرة” في حالة تقابل –رأس برأس-وفرز جديد ما يتيح احتمالات مد الجسور بينها.
عملت “النصرة” على مد جسور التفاهم عمليا، وبناء التنسيق والتحالف (المتوقع حدوثه) من خلال مشاركتها فصائل أخرى في احتلال إدلب، وفي إتاحتها الفرصة ل”داعش” لقطع طريق جنوب سوريا كما فعلت سابقا بانسحابها من دير الزور، وعبر تخليتها الطريق أمامهم لدخول مخيم اليرموك، وهذه المواقف الثلاثة لربما شكلت رسالة الظواهري الواضحة لإمكانية أو ضرورة إحداث تعاون أو تنسيق أو بناء (جسم) اسلاموي جديد في مواجهة (العدو القريب) ممثلا بالأنظمة الكافرة والجماعات الشيعية المذهبية.
من هنا تأتي خطوة “جبهة النصرة” ذات الطابع الاستراتيجي هذه لتمثل لطمة لجماعة النظام السوري المتحالف مع ايران وحزب الله، وفي رغبة لإعطاء الرسالة بُعدا استراتيجيا لما يمثله المخيم من صورة اعلامية عالمية وموقع جغرافي-استراتيجي متميز.

ما كان من المتوجب فلسطينيا الوقوف باتجاه أحد طرفي الصراع الوحشي، ما قامت به كل من “أكناف بيت المقدس” والجبهة الشعبية-القيادة العامة لكنه عندما تصبح المصالح والنزق والهيمنة هي المحرك الحقيقي تصبح مصالح الناس ومصالح القضية تبعا لذلك وهو ما استجلب التنظيمات المتطرفة لتعبث فينا، بعد أن نجحنا–كمنظمة- فترة من الزمن بتحييد المخيم وتجنيب أهالينا المأساة المتكررة.
إن الفلسطينيين الذين نأوا بأنفسهم عن الصراع في سوريا وغيرها يجدون أنفسهم يُقحمون في كل مكان بالمعارك، وكأن الهدف هو اقتلاع جذور المخيمات كشاهد على النكبة واللجوء الذي لم يعد التغني به ذو جدوى هذه الأيام في ظل ملايين اللاجئين من أمة العرب.

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن