لهذه الأسباب ترفض المملكة الأردنية “صفقة القرن”

العاهل الأردني عبد الله الثاني
العاهل الأردني عبد الله الثاني

في 29 مارس/ آذار، توجه العاهل الأردني؛ الملك “عبد الله الثاني”، إلى إيطاليا لتعزيز جهوده الرامية إلى دفع عجلة السلام، قائلا إنه من الضروري أن يتفهم المجتمع الدولي الأهمية التي يوليها الأردن لمهمته في رعاية الأماكن الإسلامية والمسيحية، وأكد أن “التزام الأردن بالوئام والسلام يكمن وراء دورنا الدولي، ومكافحتنا للإرهاب والكراهية على جميع الجبهات في إطار نهج كلي”. وفي أعقاب الانتخابات الإسرائيلية في 9 أبريل/نيسان، والقرار الذي طال انتظاره من قبل البيت الأبيض لطرح خطة سلام (المعروفة بصفقة القرن)، فإن دور الأردن هو مفتاح نجاح أي خطة في المنطقة.

ويعد الأردن دولة صغيرة، تعاني اقتصاديا، لكنه أيضًا محور الأمن بين (إسرائيل) والسلطة الفلسطينية والسعودية والعراق وسوريا. وقد استضاف الأردن مؤخرًا اجتماع المنتدى الاقتصادي العالمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وعقد اجتماعًا مهمًا، في أواخر يناير/كانون الثاني، مع القادة العرب لمناقشة مستقبل المنطقة.

ويرصد موقع ناشيونال انترست في تقرير نقله الخليج الجديد التحديات الرئيسية التي تواجه الأردن موضحا أن هناك أكثر من مليون سوري فروا إلى الأردن خلال النزاع (الذي تشهده بلادهم منذ 2011)، ولدى البلاد ثاني أكبر عدد من اللاجئين، عالميا ، نسبة إلى عدد السكان، ويعيش 80% من اللاجئين في البلاد تحت خط الفقر، وأكثر من نصفهم تقريبا من الأطفال، وكثير منهم لا يعيشون في مخيمات اللاجئين، وهذا يعني أنهم موجودون في جميع أنحاء شمال الأردن، وفي العاصمة عمان .

يضيف التقرير أنه على الرغم من سيطرة النظام السوري على جنوب سوريا العام الماضي، وتقديمه عرضًا ظاهريًا للعفو عن معارضيه، وإعادة فتح الحدود، فإن اللاجئين لم يعودوا. بدلاً من ذلك ما زالوا يحتاجون إلى كميات كبيرة من المساعدة. وقدمت المفوضية في الأردن، في مارس/آذار 2019، مساعدات نقدية إلى 132 ألف شخص، معظمهم من السوريين، ويتطلب الحفاظ على هذه المساعدات تمويلًا يصل إلى أكثر من 500 مليون دولار سنويًا من الأمم المتحدة.

الأردن والقضية الفلسطينية

ويتوقف التقرير أمام دور الأردن التاريخي في المنطقة مضيفا أنه في هذا السياق أيضا، فحتى سبعينيات القرن الماضي، كان الأردن لاعباً رئيسياً في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، بدءا من الإشراف على الضفة الغربية إلى عام 1967، وحتى الحملة على الجماعات الفلسطينية المسلحة في عام 1970، كما استضافت المملكة ملايين اللاجئين الفلسطينيين. وتغيرت الأمور بعد أن وقع الأردن و(إسرائيل) معاهدة سلام في عام 1994، كجزء من تعهدات أوسلو بإنشاء دولة فلسطينية.

ومنذ أن تولت إدارة “دونالد ترامب” السلطة، كان العاهل الأردني والرئيس الأمريكي على اتصال دائم، حيث سافر الملك عبد الله إلى واشنطن للقاء مسؤولين أمريكيين في يناير/ كانون الثاني عام 2017، وأخبر الولايات المتحدة أن هزيمة تنظيم الدولة وحل النزاع السوري قضيتان رئيسيتان للأردن. وكان الملك قلقا من خطط “ترامب” لنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وتأثيرها على النزاع الإسرائيلي الفلسطيني. وكما المتوقع، رفض الأردن قرار نقل السفارة الأمريكية أواخر عام 2017، ووصفه بأنه “لاغٍ”، رغم لقاء العاهل الأردني مرتين مع “ترامب” في وقت سابق من العام نفسه.

وعقد الأردن محادثات، في يونيو/حزيران 2018 ومارس/ آذار 2019، لدراسة خطة البيت الأبيض للسلام. ويبدو أن الأردن سعى باستمرار إلى علاقة عمل وثيقة مع الولايات المتحدة، وحث على توخي الحذر فيما يتعلق بقرارات واشنطن بشأن القدس، بينما يسعى للتأثير على أي خطة سلام أمريكية. وتحقيقًا لهذه الغاية، توقفت إدارة ترامب عن طرح خطة السلام، في انتظار انتهاء الانتخابات الإسرائيلية في 9 أبريل/نيسان 2019.

ويواجه الأردن الآن موازنة صعبة بين دوره الفلسطيني ومسؤوليته عن الاستقرار في الضفة والقدس، وبين علاقته مع الإدارة الأمريكية التي تستعد لطرح “صفقتها” لتصفية القضية الفلسطينية. وأكد الأردن مرارًا وتكرارًا أن أي حل عادل وشامل للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني يجب أن يشمل حل الدولتين. ويريد الأردن أيضًا بناء توافق بين دول الجنوب العربي، بما في ذلك الإمارات والسعودية والبحرين والكويت ومصر حول هذه القضية.

أزمة اللاجئين

ولا يقتصر اهتمام الأردن الرئيسي على الموازنة بين السياسة الأمريكية ورؤيته للصراع في الأراضي الفلسطينية، بل إنه يريد أيضًا إيجاد طريقة للمضي قدماً فيما يتعلق باللاجئين السوريين. وفي المحادثات مع اللاجئين في الأردن في أبريل/نيسان، كان من الواضح أن أياً منهم لم يعرب عن اهتمامه بالعودة إلى سوريا. وقد قال واحد تلو الآخر من الذين تمت مقابلتهم إنه بعد آمال أولية في مبادرات النظام السوري، تم اعتقال من عادوا وتم نقل شبان للتجنيد القسري. ويوجد العديد من اللاجئين في الأردن منذ أكثر من سبع سنوات ولديهم معدل مواليد مرتفع، ويشكل هؤلاء جزءًا من عدد كبير ومتزايد من السوريين في الأردن.

يأتي معظم السوريين من جنوب سوريا وبعضهم لهم روابط عائلية في الأردن. لذلك فإنهم اندمجوا ثقافياً في البلاد. وخفف الأردن من القيود المفروضة على السماح للاجئين بالعمل في صناعات معينة. والفكرة هي أن العدد المتزايد من اللاجئين يخلق تنافسا في سوق العمل مع الأردنيين من الطبقة الوسطى، ويرفع الإيجارات والتكاليف على الأردنيين. وستكون القضية الأكبر في السنوات القادمة إذا اختار السوريون البقاء على المدى الطويل، حيث سيخلق ذلك جيلًا جديدًا ومختلفا من الشباب. بوجود حوالي عشرة ملايين أردني، يشكل السوريون أكثر من 10% من السكان. ويواجه الأردن أزمة مماثلة ولكنها أصغر نطاقا بعد أن قطعت الولايات المتحدة المساعدات عن اللاجئين الفلسطينيين.

في ضوء ذلك يعد الأردن هو مفتاح الأمن الإقليمي، ويجب على صانعي السياسة في الولايات المتحدة الاعتراف بذلك والبناء عليه. ويعد موقف المملكة ثابتا وواضحا وهو دعمها لـ “دولة فلسطينية قابلة للحياة ومستقلة وذات سيادة، على خطوط عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، مقابل أن تبقى إسرائيل آمنة داخل حدودها المعترف بها”. ولذلك فإن الكيفية التي تختار بها إدارة “ترامب” طرح خطتها للسلام، وكيف يختار (رئيس الوزراء الإسرائيلي) “نتنياهو” التعامل بعد الانتخابات، وما إذا كان سيقرر ضم أجزاء من الضفة الغربية (المحتلة) على سبيل المثال، كل ذلك يمكن أن يكون له تداعيات كبيرة على الأردن.

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن