ليست العبرة في الهدنة

قلم

الكاتب / هاني عوكل

ليس مستغرباً أن يفيق الفلسطينيون في يوم من الأيام على واقع تثبيت هدنة مع الاحتلال الإسرائيلي لخمسة أو عشرة أعوام، تستهدف إبقاء جبهة قطاع غزة على درجة هادئة من السكوت والطمأنينة بعيداً عن أي نشاط مقاومي أو عدوان إسرائيلي جديد.
الأجواء في غزة قبل عدة أيام كانت تبشر بقرب التوصل إلى هدنة بين حركة «حماس» والاحتلال الإسرائيلي، عبر وسطاء أوروبيين ودوليين، وتحدثت مصادر عبرية سياسية وعسكرية عن وجود خط للتواصل غير مباشر حول مصير هذه الهدنة.
تخلل ذلك سماح السلطات المصرية بفتح معبر رفح الحدودي لعدة أيام منذ أشهر طويلة، لم يكن خلالها المعبر يعمل بنفس آلية هذه المرة، اللهم أن هناك رسائل تبدو إيجابية تستهدف تحسين العلاقة التي كانت متوترة بين الشقيقة مصر وحركة «حماس» التي تقود قطاع غزة.
يبدو أن «حماس» فهمت الأوضاع الكارثية التي تحصل في غزة والتي تنذر بتفجره من الداخل وتأثيره على الحركة الحمساوية ومستقبلها، وليس مستبعداً أن تحاول الحركة إيجاد طرق غير طريق الحوار الوطني، لتخفيف الحصار على الفلسطينيين في القطاع.
لدى «حماس» مصلحة» قوية جداً في بقائها على رأس السلطة في غزة، ومثل هذا الأمر يوجب عليها البحث في حلول لإيجاد مخرج للأوضاع الإنسانية والاقتصادية الصعبة التي يعيشها الفلسطينيون في غزة، الأمر الذي جعل الحركة تسلك طريقاً ربما تعتبر تكلفته أقل من تكلفة الذهاب الحقيقي نحو المصالحة الوطنية.
هذا تفسير يبدو معقولاً في إطار ما يجري على أرض الواقع، خصوصاً حينما يأتي ضمن ملاحظتين ينبغي أخذهما في عين الاعتبار، الأولى أن العلاقة بين السلطة الفلسطينية و»حماس» في أسوأ حالاتها، والعلاقة أيضاً بين الأخيرة و»فتح» في الحضيض.
أما الملاحظة الثانية فتتصل بالجهود المبذولة من تحت الطاولة لتثبيت هدنة مع الطرف الإسرائيلي من الممكن أن يتم الإعلان عنها، أو لن تصل إلى ذلك الأمر، باستثناء بقاء الحال على حاله، واعتبار جبهة قطاع غزة هادئة حتى إشعار آخر وحسب ما تقتضيه المصلحة العليا لكل طرف، سواء «حماس» أو الاحتلال الإسرائيلي.
وبصرف النظر عن حاجة الفلسطينيين إلى هدنة معلن عنها، فإن الأوضاع في قطاع غزة كانت وظلت هادئة بفضل «حماس» وتمسكها بنهج رد الفعل المقاومي، ويعلم أي فصيل في غزة أن الفعل المقاومي أو إطلاق قذائف باتجاه إسرائيل، سيعني الدخول في مشكلات مع الحركة الحمساوية.
ما حدث مؤخراً من أقوال عن إطلاق جماعات سلفية قذائف باتجاه إسرائيل، استدعى من الأخيرة الرد على مواقع مهجورة لـ»حماس»، ويصعب التكهن بوجود جماعات متطرفة في غزة، خصوصاً وأن «حماس» تسيطر مائة في المائة على القطاع وقبضتها الأمنية فولاذية وحازمة في هذا الأمر.
الآن اسأل الناس في غزة عن رأيهم بالمقاومة المسلحة وتفعيلها، ستجد أن الأغلب متخوف من عودة كارثة العدوان الإسرائيلي على غزة، ذلك أن عدوانين بحجم عامي 2008 و2014 أنتجا حالة معيشية إنسانية واقتصادية صعبة للغاية.
في ضوء معادلة حاجة الناس إلى الأمن والاسترخاء، فضلت «حماس» الخوض في هدنة على أن تتشارك قطاع غزة مع «فتح» والسلطة، وإلا كانت هناك انفراجات في الملفات الصعبة التي تستهدف حل مشكلة موظفي غزة وعودة حكومة التوافق للقطاع من أجل مزاولة عملهم… إلخ، بما يشمل الترتيبات الأمنية واستلام المعابر.
على الأغلب أن «حماس» تراهن حالياً على موضوع تحسين علاقتها وتفكيك حالة الارتباك مع جارتها مصر، لأن ذلك سيضمن عاجلاً أم آجلاً فتح معبر رفح الحدودي، وبالتالي تخفيف الأوضاع الإنسانية على الفلسطينيين في غزة.
ومثل هذه الإجراءات إلى جانب السماح بتدفق الاسمنت ومواد البناء إلى القطاع وكذلك المواد الاستهلاكية، فإن ذلك من شأنه أن ينعش الدورة الاقتصادية ويبعث الأمل على الناس، وهذا سيعني تحول حالة السخط من جراء الحصار الخانق المضروب على غزة إلى ممارسة الحياة اليومية بضغوطات أقل من السابقة.
بمعنى أن «حماس» التي حصلت على إعجاب وقلوب المواطنين بمشروعها المقاومي وعملياتها الاستشهادية، قد تحصل اليوم على سكوت الناس مقابل تحولها عن نهج المقاومة إلى مشروع إدارة قطاع غزة والتخفيف عنه عبر تحسين العلاقات مع جيران الطوق.
اليوم تشعر «حماس» أنها قوية وأفضل من الماضي، وهذا الشعور سيؤثر سلباً على مشروع المصالحة الوطنية، لسببين الأول أن «حماس» تدير قطاع غزة كأنه دولة وليس في بال الحركة التخلي عنه أبداً.
وهذا الرأي تؤكده كافة الممارسات منذ انقلاب منتصف حزيران 2007 الذي مر عليه قبل أيام ثمانية أعوام، بينما لا يوجد أي بصيص أمل نحو الحل، وفي كل مرة كان يجري فيها التقارب بين فرقاء الصراع، تدخل الشياطين الكثيرة لتعقد الأمور فيما بينهم.
السبب الثاني ربما يتصل بسلوك السلطة ورد فعل الرئيس محمود عباس على موضوع الهدنة، باستقالة حكومة رامي الحمدلله وتشكيل حكومة جديدة اعترضت عليها «حماس»، واعتبرتها عائقاً أمام ما يسمى المصالحة الوطنية، وهذا الأمر سيمهد قريباً إلى استفحال المشكلات بين طرفي الصراع ووصولها إلى مستويات «الردح» المعهودة.
من الجائز القول انطلاقاً من «تلفزيون الواقع» إن أفق السلام والتسوية بين «فتح» و»حماس» سيبقى ملبدا ومشحونا بالتوتر والصياح، وكل واحد سيبقى متمسكاً بمملكته وجغرافيته، أما موضوع التهدئة إن تحقق أمرها أو لا، فإنها لن تؤدي بتثبيتها سوى في زيادة تعقيد الأمور وتكريس الانقسام وتشكيل هوية منفصلة لكل كيان جغرافي فلسطيني قد يتكفل الوقت في رسم ملامحها.
كل المؤشرات لا تبشر بالخير لجهة واقع المصالحة، والمواطن الفلسطيني أساس الشرعية ينظر بقرف إلى مسرحية الحوارات الداخلية وجولاتها، وكل ما يتمسك به هو إيجاد مخرج لأزمته الاقتصادية والمعيشية التي يشكل الانقسام الداخلي أحد أهم أسبابها.

[email protected]

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن