مؤتمر فتح السابع.. ومستقبل الحركة الوطنية الفلسطينية (1-5)

كمال أبو شاويش
كمال أبو شاويش

تنشغل الساحة الفلسطينية عامة، والجماهير والنخب الفتحاوية خاصة، في الفترة الأخيرة بالمؤتمر العام السابع لحركة فتح، المزمع عقده في نهاية شهر تشرين ثاني (نوفمبر) القادم، ورغم أنه ليس المؤتمر الأول ولن يكون الأخير الذي تعقده الحركة، ورغم أن كل المؤتمرات السابقة للحركة قد جاءت عادةً في ظروف سياسية “حرجة”، فإن المؤتمر السابع يأتي في ظل ظروف دولية وإقليمية مُعقّدة للغاية، مع استمرار المواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي بأشكال مختلفة، علاوة على حساسية الأوضاع الفلسطينية الداخلية.

1- مؤتمرات فتح و”عقدة” الظرف الحساس

لعل واحدة من السمات الرئيسية لمؤتمرات حركة فتح، أنها دوماً تأتي في ظل ظروف معقدة وحساسة للغاية. ومن خلال المراجعة التاريخية، والقراءة التحليلية للظروف السياسية والأمنية التي واكبت عقد المؤتمرات الست السابقة، يتضح لنا مدى تعقيد البيئة الداخلية والخارجية المحيطة بكل المؤتمرات الحركية السابقة؛ فقد كانت تلك الظروف محدداً رئيساً، وعامل حسم في طبيعة مُخرجات المؤتمرات، سواءً على صعيد البناء الداخلي للحركة أو البرنامج السياسي.

فالمؤتمر الأول، أو الذي يُشار له بالمؤتمر الأول للحركة، والذي عُقد في دمشق أواخر عام 1964، جاء لإقرار موعد الانطلاقة المسلحة للحركة، وكان مُحاطاً بالتحديات الجسام التي فُرضت على حركة فتح، بخاصة بعد تأسيس الكيان السياسي الفلسطيني (م. ت. ف)، الناشئ في كنف الوصاية العربية في حينها، ما دفع المعبرين الجدد عن الوطنية الفلسطينية (فتح) إلى التعجيل بإطلاق رصاصتهم الأولى. ولم يكن كثيرون في ذلك الحين مُستعدون لقبول “المغامرة” أو التصور الذي يرى في العمل الفدائي نواة حرب تحرير شعبية طويلة الأمد. وبطبيعة الحال، تمثّل التحدي الرئيسي حينها في إبراز الهوية “الوطنية” الفلسطينية، والتحريض على الكفاح المسلح، في ظل تيار قومي جارف، لا يسمح بالقطرية أو ممارسة العمل العسكري/السياسي بمعزل عن النظام العربي الرسمي، وبالتالي واجهت فتح سيلاً جارفاً من التشكيل والاتهام.

وأما المؤتمر الثاني “مؤتمر الزبداني” الذي عقد في دمشق، في تموز (يوليو) 1968، فقد جاء في أعقاب نكسة حزيران 1967، وبعد انتصار المقاومة المسلحة في معركة الكرامة (مارس 1968)، وفيه تكرّست الجهود المتواصلة لقيادة الحركة من أجل تعزيز العمل العسكري والمقاومة المدنية، وكسب الحكومات العربية والدعم المادي، وإقامة إذاعة، وبناء قواعد عسكرية سريّة في الأراضي المحتلة.

وجاء المؤتمر الثالث، الذي عُقد في أوائل أيلول (سبتمبر) 1971، بُعيد أحداث الأردن (1970-1971)، التي أسفرت عن إخراج قوات الثورة الفلسطينية من الأردن، وقد جاء متأثراً – بطبيعة الحال- بتلك الأحداث، والتهبت النقاشات فيه حول أسباب الأحداث الدامية في الأردن والخروج منها. وكانت الحركة حينئذ تواجه مستقبلاً شائكاً وحساساً ومعقداً؛ خسرت فيه قاعدة ارتكازها الأساسية في الأردن (هانوي العرب).

وقد انعقد المؤتمر الرابع في العاصمة السورية دمشق عام 1980، في ظل ظروف داخلية وإقليمية متأزمة للغاية؛ نتيجةً لزيارة السادات للقدس وتوقيعه لاتفاقية “كامب ديفيد” للسلام مع إسرائيل، وتشكُّل محور “دول الصمود والتصدي” العربي، وما أسفرت عنه من خروج مصر من دائرة الصراع العربي- الإسرائيلي، والمقاطعة العربية لمصر، وكذلك في ظل تصاعد التهديدات الإسرائيلية بضرب البنية الأساسية لمنظمة التحرير في لبنان. تلك الظروف وغيرها، دفعت الرئيس الشهيد ياسر عرفات لوصف المرحلة المُعاشة، حينذاك، في كلمته الافتتاحية للمؤتمر بـ”الصعبة والشاقة والخطيرة، ليس في عُمر النضال الفلسطيني فحسب بل وفي عمر النضال العربي”.

وجاء المؤتمر الخامس للحركة الذي عقد في العاصمة التونسية، في شهر أب (أغسطس) 1989، استجابةً طبيعية للتطورات الميدانية التي أفرزتها انتفاضة الحجارة (1987)، وللنتائج السياسية التي كرستها الدورة 19 للمجلس الوطني الفلسطيني (دورة إعلان الاستقلال في الجزائر). وأكد المؤتمر على تصعيد الكفاح المسلح مع تواصل العمل السياسي، انسجاماً مع الواقع السياسي الجديد.

وأما المؤتمر السادس، وهو أول مؤتمر فتحاوي يُعقد على أرض الوطن، في بيت لحم في آب (أغسطس) 2009، فقد جاء متأخراً عشرين عاماً عن المؤتمر السابق؛ جرت خلالها مياه كثيرة في نهر الحركة الوطنية الفلسطينية؛ فقد شهدت تلك السنوات الطويلة أحداث فارقة في التاريخ الفلسطيني المعاصر، ابتداءً من المشاركة الفلسطينية في مؤتمر مدريد للسلام (تشرين أول/أكتوبر 1991)، وتوقيع اتفاقية أوسلو (1993)، وتشكيل السلطة الوطنية الفلسطينية، واندلاع انتفاضة الأقصى (2000)، وليس انتهاءً بالانقسام الفلسطيني الداخلي، نتيجة لما أقدمت عليه حركة حماس في حزيران 2007.

واليوم، يأتي المؤتمر العام السابع – كالعادة- في ظل ظروف (داخلية وخارجية) مُعقدة وحساسة للغاية، لا تقل في خطورتها عن تلك التي واجهتها الحركة عشية انعقاد المؤتمرات السابقة، وكأن تلك المعطيات قد أصبحت متلازمة؛ فعلى الصعيد الدولي، ثمّة تحديات كثيرة، تتعلق بطبيعة النظام الدولي القائم (مرحلة ما بعد انتهاء الحرب الباردة). وعلى الصعيد الإقليمي، تعيش الأمة العربية أسوأ مراحلها، في ظل أوضاع تُنذر بالتفكك والانقسام، في أعقاب اندلاع ما عُرف بـ”ـثورات الربيع العربي”. وأما على الصعيد الوطني، فحالة الانقسام الداخلي مازلت جاثمة على الصدور، مع استمرار التعنّت الإسرائيلي ورفضه لأي حلول سلمية.

من هنا، يتضح حجم التحديات الماثلة أمام الحركة عشية انعقاد مؤتمرها السابع. ويظل السؤال المطروح: هل تستطيع قيادة الحركة أن تجيب على التحديات المطروحة، وأن تُعيد صياغة برامجها وآلياتها وفقاً للمتغيرات الجديدة، واعتماد إستراتيجية بنائية تُلبي الحاجة الوطنية؟

إن مراجعة خبرة الماضي، من خلال المؤتمرات السابقة، تفيد بأن استنهاض حركة فتح هي ضرورة وطنية، لأجل استنهاض الحركة الوطنية الفلسطينية. وانطلاقاً من هذه الفرضية فإن الحاجة الوطنية أصبحت اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، تتطلب النهوض الثوري الشامل للحركة، ليس فقط على المستوى النظري فحسب بل وعلى المستوى التنفيذي، وأن تتجلى مُخرجات المؤتمر القادم في استراتيجيات عملية واقعية وقابلة للتطبيق، وأن لا تقتصر المخرجات على فرز قيادات جديدة.

وفي هذه السلسة من المقالات سيحاول الكاتب استعراض تلك الظروف المحيطة بالمؤتمر السابع (الدولية، الإقليمية، والوطنية)، ومستوى التحديات المفروضة على جدول أعمال المؤتمر، وبالتالي وضع الرؤى والاستراتيجيات والبرامج المناسبة، استجابةً لتلك التحديات؛ علّها تكون مُرشداً للأخوة أعضاء المؤتمر.

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن