ماذا عن مخيم اليرموك؟

بقلم: احمد دحبور عن الحياة

هذا هو السؤال الذي كنا نتحرج من طرحه او اثارة الغبار حوله، وذلك لسبب غاية في البساطة، هو ان الصورة المأخوذة عن اللاجئين الفلسطينيين، انهم لا يكفون عن الشكوى منذ ان دهمتهم النكبة عام 1948، فالى جانب فقدان الارض وصعوبة الاوضاع المعيشية، كانت هناك العلاقات الملتبسة بين اللاجئين والدول العربية المضيفة، ففي الاردن، حيث نسبة الفلسطينيين مرتفعة جدا، فضلا عن حصولهم على الجنسية، خضعت شروط الحياة هناك لقوانين اجتماعية متداخلة، كانوا بموجبها مواطنين او كالمواطنين، وكانت التعقيدات التي تحكم العلاقة بالسلطة، تضع الفلسطينيين في مصاف الاردنيين من حيث العمل والتنقل والحراك الاجتماعي بشكل عام. وفي العراق لم تكن الجالية الفلسطينية الصغيرة في موضع شكوى، اما في لبنان فكان الحرج الناجم عن التركيبة الطبقية، والطائفية ان شئت، يدفع اللبنانيين، حسب مواقعهم، الى صيغة التفهم الحذر في علاقتهم بالشقيق الطارئ، الي اطالت النكبة من ضيافته، حتى انقسم البلد بين مرحب بالضيف الشقيق، ومتذمر من طول امد الضيافة الاضطرارية، ما ادى احيانا الى انفجارات دامية لعل اشهرها احداث تل الزعتر.

ولكن الوضع في سورية كان ذا خصوصية لافتة، فالثقافة التلقائية لدى المواطن السوري، هي ثقافة عربية جهورية نجحت منذ بدايات اللجوء في التعامل مع الشقيق اللاجئ بأريحية تبدأ من حق العمل والتنقل ولا تنتهي بالاصطفافات السياسية. هكذا لم نشعر في سورية يوما بالغربة، الا في حالات مدروسة بهدف تذكير الفلسطيني دائما بدياره المنتظرة. وعلى امتداد عمر النكبة التي تخب في عقدها السابع، لم يقع التباس بين اللاجئين والانظمة المتعاقبة على سورية، اللهم الا حالة فتور غامضة فترة الانفصال – بين 1961-1963- اذ كان الفلسطينيون يجاهرون بمشاعرهم الناصرية، وفي بداية حكم البعث اثر الاحداث المؤسفة التي اعقبت ما سمي بمشكلة 18 تموز 1963، عندما وقع اول اصطدام بين الحزب الآتي حديثا الى الحكم، وبين الشارع الناصري الذي يجتذب عاطفيا جموع الفلسطينيين التواقين الى الوحدة العربية مدخلا الى عودتهم الموعودة..

على ان الحياة الطبيعية للفلسطينيين في سورية، قد سمحت لكثير منهم بالانخراط في الاحزاب السياسية، بمعنى ان ما حدث في 18 تموز مثلا، لم يكن موجها ضد الفلسطينيين بصفتهم الوطنية، بل ضد الناصريين الذين كان معظم الفلسطينيين منهم.
حتى اذا دخلت احداث لبنان على الخط، واصبح في الذاكرة الفلسطينية جرح اسمه تل الزعتر مثلا، ظهرت بعض المرارة التي لم تتحول الى قطيعة، فالفلسطينيون عرب لا لأنهم محكومون بذلك بل لانهم كذلك..

وظل الفلسطيني يؤدي خدمة العلم العسكرية في الجيش العربي السوري الى ان تشكلت منظمة التحرير الفلسطينية واصبح لها جيش التحرير الخاص بها، الا ان هذا موضوع آخر، موضوع لا يتعارض مع الامتيازات التي تميزت سورية العربية في منحها للفلسطينيين، على اختلاف الحكام السوريين..
في هذا التاريخ الشاسع، لم يكن الفلسطينيون في سورية الا «الاخوة العائدين» وكان الحكام السوريون على اختلاف مشاربهم، يرحبون بهذه الصيغة المريحة للطرفين، حتى برزت الاسئلة الموضوعية حول الاختيار القومي العام والخصوصية الوطنية.

لكن ضيف الحارة يطفئ المرارة كما نقول في امثالنا، والاحلام القومية تنحسر احيانا الى اوهام استحواذية، فلأننا عرب – يقول النظام – لا بد من التزام بالمشروع القومي، وهذا المشروع ليس في شريعة النظام الا انضواء الفرع في حضن الاصل، وترجمة ذلك سياسيا ان نظام حافظ الاسد، ومن بعده ابنه، هو الاصل باعتباره الحارس القومي، وليس على الفرع الفلسطيني الالتزام.
من هنا كان الاحتكاك الذي ادى الى الالتباس، ولعل مأثرة ياسر عرفات الكبرى هي نظرية القرار الوطني المستقل، مع ان استقلال القرار لا يمكن ان يحول دون التحالف الى درجة التنسيق مع الشقيق.. وقد سال دم حقيقي على هذه الطريق..

حتى وصلنا الى ما يحدث الآن في مخيم اليرموك، وهو اكبر تجمع فلسطيني كما هو معروف، وعليه فإن الملاوعة مستمرة، ولعبة الشد والجذب متواصلة، حتى وصل الى ضرب حصار على المخيم الفلسطيني، ولانه لا معركة سياسية مع النظام، فلم تفتح علينا بوابات جهنم بعد، ولكنك لا تضمن الغد..

اما من معادلة تحرس القرار الوطني، ولا تتضارب في اي حال مع المشروع القومي حسب طبعة النظام؟ ان كل شيء ممكن اذا حسنت النوايا، فدعونا نخاطب الجميع: ان احسنوا النوايا.. والى ان تتحسن النوايا فليتوقف الحصار عن اليرموك، ورحم الله أبا عمار الذي كان يصرخ في وجه الجراح الفلسطينية: ان الوقت من دم..

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن