ماذا يحدث في لقاءات الغرف المغلقة بين رؤساء الشركات الكبرى والبيت الأبيض؟

دونالد ترامب

عندما أعلنت إدارة ترامب عن نيتها التوقف عن مشاركة سجل الزوّار الخاص بالبيت الأبيض- ما يحرم الجمهور من معرفة الأشخاص, والمجموعات, التي تتواصل مع مستشاري الرئيس- برر مدير الاتصالات في البيت الأبيض مايك دوبك ذلك القرار “بالمخاطر الكبيرة التي تهدد الأمن الوطني, والمخاوف المتعلقة بالخصوصية.”

بعد مراجعة سجلات الزوّار الخاصة بالبيت الأبيض خلال السنوات الماضية, سنجد أن هناك مخاطر كبيرة قد تنشأ جراء الإفراج عن تلك الوثائق- والمقصود هنا مخاطر سياسية. إن الحفاظ على سرية تلك السجلات يصعّب من قدرة الشعب الأمريكي على معرفة الجهات التي تطلب خدمات من الإدارة الأمريكية, وتستغل مكانة ونفوذ البيت الأبيض لمصلحتها الخاصة.

يتمتع البيت الأبيض بسلطة ونفوذ واسعين, والزيارات التي يقوم بها المدراء التنفيذيون للشركات الكبرى من أجل لقاء المسؤولين الكبار في البيت الأبيض يمكن أن تمنحهم تأثيرا هائلا على السياسات, وتمكّنهم من انتزاع خدمات سياسية.

لكن كيف تستطيع الشركات الخاصة الاستفادة من تواصلها مع المسؤولين الفيدراليين؟ الأمر المدهش, وبعيدا عن القصص المتداولة حول هذا الأمر, أنه من الصعب معرفة كيف يحدث ذلك, حيث لا توجد بيانات دامغة بشأن كيفية تحقيق تلك الشركات لمكاسب جراء تواصلها مع البيت الأبيض- حتى الآن.

في دراسة هي الأولي من نوعها, استخدمنا سجلات الزوار الخاصة بالبيت الأبيض في عهد إدارة أوباما في الفترة الممتدة بين عامي 2009 و2015, بهدف التعرف على 2,286 لقاءً عُقد بين مسؤولي الحكومة الفيدرالية ومدراء تنفيذيين لشركات مشمولة في مؤشر “ستاندارد أند بورز 1500”. فوجدنا أن المال يمنحك فرصة أكبر للوصول إلى البيت الأبيض, وهذا الوصول يُترجم إلى عوائد ضخمة في وول ستريت.

كما تشير النتائج التي خلصنا إليها إلى حقيقة بسيطة: لولا الشفافية التي مارستها إدارة أوباما, لما عرفنا أيا من هذه الأمور. ونتيجة لافتقار إدارة ترامب للشفافية, فإن الشعب الأمريكي سيكون جاهلا بما يجري, بينما تتربّح تلك الجهات من لقاءاتها التي تجريها في البيت الأبيض.

ليس كل مدير تنفيذي يزور البيت الأبيض لديه نية التأثير على السياسة العامة, وليس كل من يحاول فعل ذلك تكلل محاولاته بالنجاح, وليس كل محاولة تبذل في هذا الاتجاه تعتبر أمرا سيئا بالضرورة. لكن احتمال تأثير تلك اللقاءات على الإدارة يوفر حجة قوية فيما يتعلق بحق الجمهور في معرفة هوية الأشخاص الذين يلتقون بالمسؤولين الكبار, وحقيقة ما يجري خلف الأبواب المغلقة لغرف الاجتماعات في البيت الأبيض.

إن الوصول إلى صنّاع القرار هو أمر ذو قيمة بالغة وصعب المنال- فصناع القرار وقتهم محدود, ولديهم قائمة طويلة من الأشخاص الذين يرغبون في الحديث إليهم مطولا. لكن بالنسبة لمديري الشركات التنفيذيين, فإن الوصول إلى هؤلاء المسؤولين يكتسي أهمية متزايدة. إن الشركات الخاصة تستفيد من وصولها إلى السياسيين ذوي النفوذ بأكثر من طريقة: بداية من الفوز بعقود الحكومة, مرورا بتخفيف القيود التنظيمية المفروضة, والقدرة على التأثير على عملية صنع القرار السياسي, أو بكل بساطة الحصول على ميزة الاطلاع على المعلومات المتعلقة بخطط الحكومة في المستقبل.

خلال الفترة الممتدة من عام 2009 إلى 2015, زار مدراء تنفيذيون يمثلون أكثر من 200 شركة كبيرة البيت الأبيض من أجل الالتقاء بمسؤلي الإدارة الأمريكية مرة واحدة في السنة على الأقل. تستأثر هذه الشركات على نسبة 40 بالمائة من إجمالي رأس المال السوقي لمؤشر “ستاندرد أند بورز1500”.

خلصت دراستنا إلى أن لقاءات مديري الشركات التنفيذيين مع مسؤولي البيت الأبيض كانت مرتبطة بعوائد أسهم غير عادية متراكمة بلغت نسبتها 0,9 بالمائة تقريبا خلال الشهرين اللذين أعقبا تلك اللقاءات- وتُعزى تلك  النتيجة بصورة أساسية إلى العوائد القوية التي حققتها الشركات التي التقت بصورة مباشرة مع الرئيس ومعاونيه الكبار. بالنسبة للشركات الكبرى, هذا يعني أن زيارة واحدة يجريها مدير تنفيذي لإحدى الشركات الكبرى يمكن أن تضيف مئات ملايين الدولارات إلى قيمة الأسهم.

ولعله من غير المستغرب أن الشركات التي أنفقت أموالا أكثر على جهود الضغط وكسب التأييد, والشركات التي ساهمت بأموال أكثر في حملات باراك أوباما الانتخابية كانت لديها فرصة أكبر للوصول إلى البيت الأبيض خلال فترة رئاسته. كما أن المسألة ليست مجرد مسألة شركات كبرى تتربح بغض النظر عن هوية مَن يتحكم في البيت الأبيض: حيث وجدنا أنه في أعقاب انتخابات 2016 الرئاسية, عندما أصبح للبيت الأبيض سيّد جديد, حققت تلك الشركات التي تمتعت بالقدرة على الوصول إلى البيت الأبيض في عهد أوباما عوائد أسهم أقل مما حققته شركات مماثلة.

ما الذي يجعل الوصول إلى صنّاع القرار رفيعي المستوى قيّما إلى هذا الحد؟ من خلال المقارنة مرة أخرى بين الشركات التي تحظى بعلاقات مع الحكومة من جهة, وشركات مماثلة لا تحظى بنفس المستوى من العلاقات مع الحكومة, وجدنا دليلا على حصول تلك الشركات على مجموعة مختلفة من المنافع.

أولا, الشركات التي تتمتع بالقدرة على الوصول إلى البيت الأبيض زادت حصتها من عقود الحكومة عقب اللقاءات التي جمعتها بمسؤولين فيدراليين, مقارنة مع الشركات الأخرى التي لا تملك نفس القدرة. تشير حساباتنا التقريبية إلى أنه في المتوسط, نتج عن هذه الزيادة في حجم العقود أرباح سنوية جديدة تقدر ب 34 مليون دولار. وبعبارة بسيطة, فإن القدرة على الوصول إلى البيت الأبيض تزيد من إمكانية الحصول على عقود حكومية, وهو ما يعني أرباحا أكبر بالنسبة للشركات الكبرى المعنية.

ثانيا, عند مقارنتها مع الشركات التي لا تحظى بقدرة على الوصول إلى البيت الأبيض, نجد أن تلك الشركات القادرة على عقد لقاءات في البيت الأبيض تحصل, في المتوسط, على إجراءات تنظيمية أكثر تفضيلا لها. والإجراءات التنظيمية المقصودة هنا هي تلك التي تركّز على شركات بعينها, وليس على صناعات بأكملها. ومن أبرز الأمثلة على ذلك تقرير صحيفة وول ستريت جرنال الذي يفيد بأن الزيارات المتكررة للمدراء التنفيذيين لشركة جوجل للبيت الأبيض في عهد أوباما كانت حاسمة في قرار مفوضية التجارة الفيدرالية القاضي بإلغاء التحقيق الخاص بمكافحة الاحتكار المتهمة به الشركة.

ثالثا, الشركات المطلعة على مجريات الأمور الداخلية للحكومة وعملية صنع القرار فيها, لديها قدرة أفضل على التخفيف من آثار التقلبات السياسية, وعلى تحسين عملية صنع القرار لديها.

على سبيل المثال, الشركات التي تعوّل بشدة على التصدير, تكون قادرة على الاستثمار بثقة أكبر, إذا كانت لديها فكرة أفضل عن بيانات الإدارة القادمة بخصوص التجارة.

باستخدام مقياس خاص بالتقلبات السياسية كان قد ابتكره خبراء اقتصاد أكاديميون, وجدنا أن الشركات التي أجرى مدراؤها التنفيذيون زيارات للبيت الأبيض أصبحوا أقل ميلا نحو خفض الاستثمارات خلال فترات الغموض السياسي المرتفع, مقارنة مع الشركات التي لم يزر رؤساؤها البيت الأبيض.

يشير هذا إلى أن الشركات ذات الارتباطات السياسية لديها قدرة أفضل على الإبحار في زمن التقلبات, نتيجة تمتعها بقدر أفضل من المعلومات.

من الواضح أن الشركات الكبرى تستفيد عندما تكون لديها القدرة على الوصول إلى البيت الأبيض. لكن ليس من الواضح ما إذا كانت القيمة التي يحصل عليها حاملو الأسهم في شركة واحدة ستعود بالنفع أيضا على الجمهور عموما.

هناك بالطبع حالات يمكن للجمهور أن يستفيد فيها من هذه اللقاءات, حيث يزود المدراء التنفيذيون المسؤولين الحكوميين بمعلومات ذات صلة تمكن صناع القرار من اتخاذ قرارات مدروسة على نحو أفضل. مع ذلك, هناك إمكانية حقيقة لحدوث مقايضات بين الشركات الخاصة والمسؤولين الحكوميين, حيث تتم مقايضة خدمات سياسية مقابل مكاسب سياسية وشخصية. وحتى في تلك الحالات التي لا ترقى لمستوى المقايضة الواضحة, هناك احتمال بأن يتأثر المسؤولون بطرق تجعلهم يتصرفون بطريقة مختلفة.

لهذه الأسباب جميعا يملك الجمهور الحق في معرفة هوية الأشخاص الذين يجتمع بهم مسؤولو البيت الأبيض. يجب الكشف عن الحقائق المتعلقة بهذه اللقاءات- من التقى, ومتى, وأين, وكم عدد الحضور, إلخ.- حتى يكون الجمهور على دراية بالقضايا المحتملة التي قد تتمخض عن هذه اللقاءات, سواء كانت إيجابية أو سلبية. تحقق الشركات فوائد ملموسة من هذه اللقاءات, مستفيدة من سلطة ونفوذ المسؤولين الحكوميين الذين يعملون ظاهريا لمصلحة الشعب الأمريكي. لكن هذا الشعب ينبغي أن تُتاح له على أقل تقدير الفرصة لمعرفة هوية الأشخاص الذين يعقدون تلك اللقاءات, ومن ثمَ يقرر هو بنفسه مَن المستفيد تحديدا من هذه اللقاءات.

إن التحدي الذي يواجه ممارسة الشفافية يكمن في أن الأشخاص المنفتحين- الذين يتيحون المعلومات للجمهور- يعرّضون أنفسهم لخطر الهجوم بسبب ما تتضمنه البيانات المفرج عنها. أما الأشخاص الأقل شفافية, فلا يتعرضون للمساءلة, وهو ما يجعل الجمهور يعاني في الظلام نتيجة لذلك.

لهذا ليس من المستغرب أن المساهمات المالية لصالح الحملات الانتخابية, وتلك الخاصة بجهود الضغط وكسب التأييد يمكن لها أن تفتح الأبواب في واشنطون. مع ذلك, يستحق الشعب أن يعرف مَن يمرّ عبر تلك الأبواب.

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن