ماذا يمكن أن يسمع ترامب من محمد بن زايد خلال لقائهما المرتقب بالبيت الأبيض؟

محمد بن زايد وترامب

تحت عنوان “عبقرية عدم الاتساق في السياسة الخارجية لدونالد ترامب” أسهبت صحيفة ذي آتلانتك الأمريكية، في عرض ما يعتري توجهات الإدارة الأمريكية الجديدة من ارتباك أو تناقض في الدعاوى والأولويات بعلاقات واشنطن المفترضة مع حلفائها في العالم، وفي مقدمتهم دول الخليج العربية.

توقيت نشر هذه الدراسة مطلع الأسبوع الحالي، قبل أيام من لقاء الرئيس الأمريكي ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية، الشيخ محمد بن زايد، وقبل أسبوع من وصول الرئيس ترامب إلى المملكة العربية السعودية، كان توقيتاً محسوباً كما يبدو بدقة، في الورقة التي أعدّها الخبير الأمني ستيفن ستيتا نوفيتش، وتضمنت توصيات بضرورة حسم البيت الأبيض للتناقضات المحرجة التي قالت الدراسة إنها صدرت من ترامب ومستشاريه، والتي سيسمع الرئيس الأمريكي بشأنها رؤية خليجية شديدة الاتساق، محسوبة بدقة ومحسومة.

يعزّز القناعات التي تسود الوسط السياسي في واشنطن بشأن عدم اتساق السياسة الخارجية الأمريكية حتى الآن، أن صحيفة واشنطن بوست النافذة، نشرت وفي نفس التوقيت، تقريراً عن مستقبل العلاقات الأمريكية الخليجية، قالت فيه إن ترامب يحتاج أسبوعين آخرين، على الأقل، حتى يحسم استراتيجيته في العلاقة مع دول الخليج، وتحديداً في موضوع الوجود العسكري الذي يغطي المنطقة من وسط آسيا إلى البحر المتوسط.

وخلال هذين الأسبوعين سيلتقي ترامب ولي عهد أبوظبي، ويمضي في السعودية يومين، قبل أن يكمل جولته الخارجية الأولى التي ستنتهي باجتماع دول حلف الأطلسي.

الشراكة المتكافئة

ما أرادت الواشنطن بوست وذي أتلانتك قوله، هو أن ترامب يرفع شعار أمريكا أولاً، لكنه يكاد يغيب عنه أن “أولوية أمريكا لا تعني أن تكون منفردة” تحتاج إلى شركاء ثقة.

وهذه هي قناعة مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض هربرت ماكماستر، فكما تغيرت أولويات واشنطن خلال العقود الماضية، تغيّرت كذلك قدرات وحاجات وأولويات الذين يحتاجهم ترامب كقوة عالمية أولى، ويسعى لأن يبني معهم تحالفات تنهي مرحلة التحولات السائلة الراهنة، وتستهل عصراً جديداً أكثر استقرارا وضمانا للمصالح المتبادلة.

قبل مغادرته واشنطن في جولته لإقليم الوسط الآسيوي المتصل أمنياً وعسكرياً مع منطقة الخليج العربي، قال مستشار الأمن القومي الأمريكي ماكماستر إنه خارج ليسمع من أربع عواصم معنيّة رؤيتها للاستراتيجية الدفاعية الجديدة التي كانت مثار بحث منذ شهرين ويفترض أن تتبلور بعد استكمال المشاورات مع القيادات والدول ذات الصلة.

ما يمكن أن يسمعه ترامب من محمد بن زايد

في الأثناء، حسب تقديرات الوسط الدبلوماسي العربي في واشنطن، فإن الرئيس ترامب سيسمع من الشيخ محمد بن زايد رؤية في موضوع “الشراكة المتكافئة” تعرفها مراكز القرار الدولية التي التقاها بن زايد في الفترة الماضية، وآخرها الرئاسة الروسية.

لم يكن الشيخ محمد بن زايد بحاجة لأن يعرض مع أي من القيادات الدولية التي التقاها، ولن يكون مع الرئيس الأمريكي، بحاجة لأن يتحدث عن الذي حققته دولة الإمارات العربية منفردة ودول الخليج مجتمعة، من نقلات راجحة في موازين القوة الذاتية، والاعتماد على الذات، عسكرياً واقتصادياً، وفي موازين التحالفات والقدرة على القرار النوعي العابر للحدود.

فهذه مُدركات أساسية تتوقع الإمارات ودول الخليج أن تكون معروفة ومسلّما بها ليتم البناء من فوقها بوضوح وموضوعية تخلق الثقة.

شعارات ومطالب مُجافية للواقع

بالتالي فإن مطالبة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لدول الخليج، أن تدفع ثمن تحالفها مع واشنطن في المرحلة المقلبة، هو نوع من “عدم الاتساق الصارخ” الذي حذرت منه صحيفة ذي أتلانتك، فما كانت تقدمه واشنطن في السابق لدول الخليج لم يكن دون ثمن، وقائمة المصالح المشتركة طويلة تبدأ من النفط وموازين التبادل التجاري، وربط العملات المحلية بالدولار، ولا تنتهي بصفقات الأسلحة التي كان آخرها إعلان البيت الأبيض قبل بضع ساعات عن حزمة تسليح على مدى عشر سنوات مع المملكة العربية السعودية، بحوالي 100 بليون دولار، وصفقة صواريخ باتريوت للإمارات بقيمة ملياري دولار.

قطعاً لن يكون بن زايد في حاجة لتذكير الرئيس الأمريكي بهذه الحقائق الاستراتيجية المعززة بالأرقام، خصوصا وأن ترامب في الأساس رجل أعمال لديه حاسة بيزنيس نشطة جدا يعرف معها شخصياً أهمية أسواق الخليج وبيئاتها التجارية والاستثمارية انطلاقاً من معرفته الشخصية الوثيقة بأسواق الإمارات، وبالريادات التي حققتها في مختلف المجالات بما فيها ارتياد الفضاء.

نقطة الانطلاق الجديدة

ولذلك فإن قراءات ومعلومات الوسط الدبلوماسي العربي في واشنطن، والذي ينهمك الآن بالتجهيز للاجتماعين الأمريكي الإماراتي والأمريكي السعودي، تذهب إلى أن نقطة الانطلاق في الصفحة الجديدة التي يتطلع لها الطرفان الأمريكي والخليجي، تتمثل في استعداد الإدارة الأمريكية لأن تتعاطى مع مفهوم “الشراكة المتكافئة” بوضوح موضوعي وبثقة.

فكما أن الخدمات السابقة التي قدمتها واشنطن لدول الخليج لم تكن مجانية، ليصار الآن للمطالبة بدفع ثمنها، كذلك لم تكن علاقات الرؤساء السابقين وآخرهم باراك أوباما واضحة، متوازنة أو منصفة.

ولعل الرئيس ترامب هو أكثر من يعرف ذلك ويعبّر عنه في إشاراته المتكررة إلى أخطاء أوباما في التواطؤ السري والعلني مع إيران على حساب دول الجوار العربية، وفي قضايا عديدة طالما أحرجت دول الخليج وليس أقلها الملف الفلسطيني.

أوراق قوة بن زايد

أوراق قوة عديدة مركّبة يحملها معه الشيخ محمد بن زايد في لقائه هذا الأسبوع برئيس البيت الأبيض، وتحديداً في موضوع ترسية العلاقات على قاعدة الشراكة المتكافئة.

أول أوراق القوة هذه، الدور الإقليمي والدولي الذي صنعته الإمارات لنفسها، وعززته بتحالف إماراتي سعودي يشكل القوة الرافعة للعمل الخليجي المشترك، وإذا ما أضيف له التحالف الإماراتي المصري، فإنه سيشكل إجابات مكتملة على الذي تبحث عنه واشنطن في أجندتها الشرق أوسطية الجديدة سواء في محاربة الإرهاب أو كبح جماح التوسع الإيراني، وفي التوزين الراجح للقدرة على تجنيب المنطقة مخاطر الانهيار واتساع رقعة الدول الفاشلة.

هذا على المستوى السياسي وعلى مسارات الأمن الإقليمي، الخشن منه والناعم الذي تحتاج فيه واشنطن إلى شركاء أنداد بالمعطيات الراجحة.

وإذا كان هناك من حاجة للحديث عن الشراكة الاقتصادية والاستثمارية بين أبوظبي وواشنطن، فإن التجليات التفصيلية لهذه الشراكة القديمة المستمرة في الفرصة الاستثمارية التي تحتاجها وتلقاها الشركات الأمريكية، يصبح حديثاً له توثيق تراكمي لا بد أن يكون خلفية مفترضة للقاء الأمريكي الإماراتي.

قضايا محسومة

مجلة آتلانتك في دراستها عن “عبقرية عدم الاتساق في السياسة الخارجية لترامب”، تنتهي بتقديم نصيحة استشارية تُذكّرالرئيس الأمريكي بالمقولة السياسية المشهورة “لا تحاول أن تفتح قضايا سبق لك وكسبتها”.

وفي ذلك إشارة إلى مجموعة من القضايا الاستراتيجية المفروغ منها، ومنها الشراكة الأمريكية الخليجية التي لا يحتاج الطرفان لأكثر من أن يبنيا فوق مكاسبها المتبادلة، شراكة متكافئة.

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن