ما هو خطأ رابين التاريخي وما المشترك بينه وبين عرفات؟

رابين وعرفات

جاء هذا المقال على لسان يوري أفنيري، ونشرته صحيفة “هآرتس” العبرية، وإليكم نص المقال:

في العام 1950، كانت هناك حرب وصلت ذروتها بين دافيد بن غوريون وصحيفة “هاولام هازي” المجلة الأسبوعية التي كان يحررها يوري أفنيري “كاتب المقال”.

وفي يوم من الأيام ذهبت للسباحة في ركة غالي جيل عند مدخل رامات غان مع عازر وايزمان قائد القوات الجوية الإسرائيلية. كنا إثنينا نحب الاستمتاع والخروج، وقفنا هناك قليلاً وكنا نضحك، وجاء إسحق رابين إلينا. كان يرتدي ملابس السباحة أيضاً، وينظر بجدية كالمعتاد.

وتجاهل حينها رابين وجودي وانتقل إلى وايزمان قائلاً: “أليس لديك الكثير من المتاعب كونك ترافق يوري أفنيري؟”، وكان هذا أول لقاء بيننا من بين عديد من اللقاءات التي جمعتنا.

أنا أتفق مع كل كلمة كتبها دان ميرون في مقالته (4 سبتمبر 2017) في كتاب هآرتس الملحق بالعبرية رداً على مراجعة توم سيغيف لسيرة رابين التي كتبها إيتامار رابينوفيتش (8 أغسطس 2017) في الملحق نفسه.

أنا أحب رابين لأنه كان شيئاً جديداً ولم يكن لديه أية ادعاءات، ولم يكن يكذب.

وبعد انتصار إسرائيل في حرب الأيام الستة الذي كان نتيجة لأعمال رابين ووايزمان وليفي إشكول، ألقى رابين خطاباً مثيراً للإعجاب، والذي نادى فيه أيضاً بقتل العدو. لقد استولى خطابه على قلبي وقمت بزيارته عندما تم تعيينه سفيراً إسرائيليا لدى واشنطن.

كان لدينا نقاش طويل حول هذه المسألة التي كانت موضوع جميع محادثاتنا في وقت لاحق: اقتراحي لدعم إقامة دولة فلسطينية. وعارض رابين ذلك، وأخذ جانب عودة الضفة الغربية إلى الأردن. واعتنق الوهم الذي يعتقد عادة أن الملك حسين سوف يتخلى عن القدس الشرقية. بعد حديثنا كتبت له رسالة طويلة حاولت فيها -عبثاً- إقناعه أنه ليس هناك إمكانية لذلك.

بعد حرب يوم الغفران، قمت بإجراء اتصالات سرية -وغير قانونية- مع ممثل ياسر عرفات سعيد الحمامي. وبعد بضعة أشهر أخطرني حمامي أن عرفات وافق على أن أبلغ رابين بوجود اتصالات سرية بيننا.

طلبت عقد اجتماع خاص مع رابين ودُعيت على الفور لرؤيته. كان لدينا محادثة طويلة. وقال رابين أنه مستعد لتتوصل إلى سلام مع الملك حسين فقط.

ومن وجهة نظره، كان يعتقد أن منظمة التحرير الفلسطينية قادرة أن تقود ثورة من شأنها الإطاحة بالملك وتعيين عرفات رئيساً. حاولت أن أدعي أن موقفه كان غير منطقي، خاصة وأنه بعد أن يحدث ذلك ستكون النتيجة سقوط الملك، وبدلاً من الأردن، ستكون هناك دولة فلسطينية تمتد من قلقيلية إلى ضواحي بغداد.. ولن تكون ملزمة بالسلام مع إسرائيل.

لم نتفق، ولكن في نهاية حديثنا، عندما كنا على الباب، قال: “أوري، أنا لا أتفق مع وجهات نظركم، ولكن أنا لا أمنعك من الاستمرار في الاتصالات، وإذا سمعت أي شيء تعتقد أن رئيس وزراء إسرائيل يحتاج إلى معرفته، فإن بابي سيكون مفتوحاً لك”.

لقد قمت باستخدام الدعوة التي قدمها لي عدة مرات. وقد استخدم عرفات هذا الطريق لتقديم عروض لرابين، على سبيل المثال فيما يتعلق بالأصوات الإسرائيلية في الأمم المتحدة. وكان رابين يرفضها جميعاً.

ودعاني رابين مرة واحدة إلى زيارته في مقر إقامته الرسمي في شارع بلفور في القدس. عندما وصلت، كان وحده في المنزل. أجلسني وبدأ دون مقدمة كما فعل عادة: “أوري، هل قررت القضاء على جميع الحمائم في حزب العمل؟”.

في ذلك الوقت، كشف هاولام هازي عن قضيتين للفساد: حالة محافظ بنك إسرائيل أشر يادلين، وحالة وزير الإسكان أبراهام عوفر. وكلاهما كانا من بين قادة جناح الحمائم لحزب العمال. وأوضحت لرابين أنه لا يمكنني مزج شؤون الفساد مع الآراء السياسية.

لا أعرف ما إذا كنت قد أثرت عليه قبل اتفاقات أوسلو. لم أشعر أنني فعلت. وفي رأيي، لم يكن أحد قادراً على التأثير على رابين. توصل إلى كل استنتاجاته بنفسه، من خلال التفكير الواضح والمنهجي. ونتيجة لذلك كان يطلق عليه “العقل التحليلي”. وقال لي منافسه أبا إيبان: “حقاً لديه عقلاً تحليلياً. رابين يعرف كيف يفكك الأمور، لكنه لا يعرف كيف يعيدها مرة أخرى”.

في سن السبعين، رابين فعل شيئاً نادراً للغاية: حيث غير وجهة نظره 180 درجة. الرجل الذي قاتل كل حياته ضد الفلسطينيين بدأ يسعى جاهداً من أجل السلام معهم. وكان ذلك نتيجة التفكير المنطقي المستقل.

لقد شرح لي مرة كل مراحل تفكيره في كيفية وصوله إلى تلك النقطة: تفكيره المنهجي غير المفترض. في البداية كان لديه تحفظاته على عرفات، ولكن لعدة اشهر تقاربا فيهما من بعضها، لوحظ فيهما الفرق بين الرجلين، حيث كان رابين جافاً وغير عاطفي، بينما كان عرفات مليئاً بالمشاعر ويحب العناق. ولكن كان لديهم سمة واحدة مشتركة: القلق على مصير شعبهم.

وكان خطأ رابين التاريخي هو أنه وبعد توقيع اتفاقات أوسلو لم يسرع بأخذ خطوات سريعة لاستغلال اللحظة التي تم الوصول إليها، ولكنه تردد، وانتظر وسمح لقوات المعارضة في إسرائيل بإعادة إنتاج نفسها. ولكن ليس لدي أي شك في أنه كان في النهاية قد وصل إلى النتيجة المنطقية التي تقول أن إسرائيل لديها مصلحة أساسية في إقامة دولة فلسطينية مع التعايش الوثيق بين البلدين.

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن