مشاريع “الخسائر” هي الوحيدة التي ترسو على مقاولي غزة

المشاريع

نور الوطن – محمد الخالدي

في ظل الانقسام الفلسطيني والحصار الإسرائيلي الخانق على قطاع غزة من إغلاق للمعابر وغيرها من المعيقات التي يواجها الشعب الفلسطيني عامة  وشركات المقاولات خاصة , كان لمنع إدخال المواد الإنشائية اللازمة في عملية بناء المشاريع “اسمنت – حصمة – بسكورس –إلخ ” دورا كبير في وضع العقدة في المنشار لإتمام هذه المشاريع.

فالخسائر كانت هي العنوان التي يبدأ بها المقاول في قطاع غزة في مسيرة مشروعه  التي لا يحصد منها سوا التعب النفسي والعصبي نتيجة الخسائر المباشرة والغير المباشرة التي لحقت بمشروعه.

 نور الوطن تحدثت إلى عدد من مدراء شركات المقاولات في قطاع غزة , منهم من “انفجر” و تحدث ومنهم من فضل الصمت ومنهم من كانت تعبيرات وجهه المرهقة كفيلة بإيصال الرسالة دون تحدث.

خسائر فادحة

أسامة كحيل مدير شركة أسامة جبر كحيل للتجارة والمقاولات, عبر استيائه الشديد لما يتعرض له الوضع الاقتصادي في قطاع غزة خاصة فيما يخص قطاع المقاولات والإنشاءات وما يواجه من إغلاق للمعبر وعدم دخول المواد الإنشائية اللازمة للمشاريع والأبنية الخاصة بالمواطنين.

وقال  كحيل عبر اتصال هاتفي :  “شركتنا عقدت مشروع من المشاريع القطرية لإنشاء مستشفى للأطفال والولادة في منطقة دير البلح وسط القطاع , وهو مشروع مميز وفريد من نوعه لما له من أهمية كبيرة في خدمة المواطنين كأحد الخدمات الأساسية التي يحتاجون إليها”.

وتابع كحيل, بسبب توقف دخول المواد الإنشائية من الجانب الإسرائيلي عبر المعبر الاسرائيلي تعرضت الشركة إلى سلسلة من الخسائر الفادحة التي نالت منها , فكان لانخفاض الدولار سبب في زيادة الفرق في الخسارة لـ 12%   أي نصف مليون دولار , بالإضافة شراء اسمنت من السوق السوداء بفرق عن السوق الإسرائيلي أو المصري يقدر بـ 100 ألف شيكل , كذلك ارتفاع سعر السولار ساهم بخسارة فرقها كان 100ألف دولار , حيث أن توقف المشروع دون عمل ألزمنا دفع رواتب للموظفين العاملين في المشروع لتوفير لقمة العيش لهم. مما أسهم في خسارة الشركة 15 ألف دولار رواتب لهم .

وأردف كحيل , كل هذه العوامل تدفعنا إلى التأخير في تسليم المشروع  وتعرقل عملنا وتكبح من طموحنا في الإنشاء والتطور العمراني, متسائلاً “إلى متى هذا الحال؟”.

سلسلة من الأعباء

وفي لقاء مع السيد محمد الحسيني المدير التنفيذي لاتحاد المقاولين الفلسطينيين بقطاع غزة متحدثا عن الوضع القائم على شركات المقاولات في قطاع غزة, قائلاً: كانت غزة تستسلم 4000 طن من الإسمنت من عام الـ 2007م ,حيث أن المنشآت تحتاج إلى كميات ضخمة من المواد الخام من “حصمة وحديد وبسكورس إلخ..”, وبعد الانقسام الفلسطيني عام 2007 أغلفت المعابر الإسرائيلية مع قطاع غزة وهذا ما أدى إلى خلل في قطاع الإنشاءات حيث أن الإنشاءات أهم قطاع اقتصادي في البلد.

وأضف الحسيني , “بعد العدوان على غزة عام 2009م وخاصة بعد واقعة سفينة مرمرة, أصبحت هناك متغيرات ظهرت على الساحة منها وجود الأنفاق, حيث كان أول متغير يسمح بإدخال المواد الإنشائية اللازمة كالاسمنت وغيره والتي كانت تدخل ما يقارب 50% من كمية المواد اللازمة لقطاع الإنشاءات, وكان للتنسيق القطري عام 2012  له دور في إدخال 30% من المواد الإنشائية 20% كانت تدخل عبر معبر كرم أبو سالم للمشاريع الدولية كالوكالة والـ .UNDP

وأوضح الحسيني , أن بعد 30/6/2013م أغلقت الأنفاق وتعرض قطاع الإنشاءات لمشكلة كبيرة بسبب عدد المشاريع الهائلة التي تعاقد عليها المقاولين على تنفيذها في قطاع غزة, حيث مروا في مراحل متفاوتة من التنفيذ منهم من كان في بداية المشروع ومنهم من كان في منتصفه ومنهم من أصبح في مرحلة التشطيب, و في الآونة الأخيرة كنا نستبشر خيراً بوعود لإدخال المواد من الجانب الإسرائيلي للقطاع الخاص وانتظرنا ذلك , و فجأة تلقينا خبر بإيقاف تلك الوعود لإدخال المواد الإنشائية للتجار بما فيها المشاريع الدولية ,وبهذا أصبحت غزة بلا مصدر لدخول المواد الإنشائية مما عرض قطاع الإنشاء مشكلة والحركة الاقتصادية إلى شلل,لأن قطاع الإنشاءات يوفر فرص عمل لكثير من الأيدي العاملة من عامل ومهندسين, بالإضافة إلى أنه يحرك قطاعات كثيرة منها الصناعية والتجارية وخدمات إلخ., وكل هذه القطاعات تعرضت إلى شلل و ركود وإلى قفزة هائلة في البطالة , حيث أن هناك مشاريع صحية وتعليمية وبيئية وشبكات مجاري وكهرباء لم تنفذ والتي بان أثر عدم تنفيذها في المنخفض الجوي الأخير الذي مر على قطاع غزة وما ولده من انهيارات في البنية التحتية وغرق للشوارع وتضرر للبيوت.

أرباح زهيدة

يقول الحسيني :أن شركات المقاولات لا تحصل على مستحقاتها حتى يتم تنفيذ كامل المشروع المتعاقد عليه, وبسبب توقف المشاريع وازدياد الفترة الزمنية للمشروع دون عمل كان ارتفاع أسعار المواد لـ25% عن مستواها الذي كان قبل تاريخ 30/6/2013م معضلة أخرى واجهها المقاولون, حيث كانت العقود تلزم منفذي المشروع بأسعار محددة في مدة زمنية محددة ومع تغير الأسعار أصبح الفرق يتحمله المقاول مما جعل متداول الربح للمقاول في المشروع من 5 إلى 10% .

وتابع الحسني ,لم تتوقف المشاكل بعد , فكان لتقلب أسعار العملات عبء آخر تتحمله شركات المقاولات , فعملة العقد هي “الدولار” أما عملة المصاريف التي تدفع لتنفيذ المشروع هي “الشيكل” حيث كان الدولار 3.8 شيكل أما الآن أصبح 3.45شيكل وهذا الفريق يتحمله أيضاً المقاول.

كل هذه الأعباء التي أثقلت بكاهلها على المقاولين لا تستطيع أن تعطيهم عذرا لتسديد التزاماتهم من آجارات للعمال وللمهندسين وللمكاتب وللمخازن وللمعدات وما يلحقهم من فؤاد بنكية نتيجة القروض التي كانوا يسحبونها .

محاولات فاشلة للحلول

وبين الحسنين , أن جميع المحاولات مع كافة الأطراف محلياً ودولياً  للتدخل لحل هذه “الكارثة” باءت بالفشل ولا ملامح لأي أفق لحلول في المستقبل, وهذا يخضع لاعتبارات سياسية إقليمية محلية ودولية أكبر من قدرة أي طرف من الأطراف المتدخلة, حيث أن توقف المشاريع يكلف المقاولين كل شهر 4 مليون دولار مصاريف إضافية و أن المشروع الواحد يأخذ من 6 إلى 10 شهور لإتمام تنفيذه, ومع توقف المشاريع يضطر المقاول لدفع هذه التكاليف بالإضافة إلى كل ذلك المؤسسات الدولية المتعاقدة مع المقاولين ليست على استعداد للتعويض والتي من المفترض أن تقوم بتعويضهم تحت بند “القوة القاهرة” أي الظروف الخارجة عن إرادة المقاول , حيث أن هذه البند يطبق في كل العالم إلا في فلسطين وخاصة غزة, كذلك أن الظروف التي تمر بها الحكومة في غزة لا تسمح لها التعويض أو المساعدة للمقاولين مما يجعلهم تائهين لوحدهم دون يد مساعدة تمتد لهم.

 تجاهل وعدم اهتمام

محمد الشريف مدير شركة الوثبة الذهبية للمقاولات يقول لـ “نور الوطن” : تقدمنا إلى مناقصة إنشاء مدرسة في الوكالة “الأنروا” وبحمد الله رست علينا  في 4 – 9 – 2013  وقمنا بالأعداد لتنفيذ المشروع, حيث كان الاتفاق مع الوكالة أن تنسق دخول المواد من الجانب الإسرائيلي إلى أن وقعت حادثة نفق خانيونس التي أتى على إثرها إغلاق المعابر ومنع إدخال المواد, فقمنا بإبلاغ الوكالة لتوفر لنا المواد من الجانب الإسرائيلي إلا أن الوكالة أبلغتنا بأنها غير ملزمة بتوريد المواد وأنها فقط تساعد في تسهيل دخولها, ثم عرضت علينا الوكالة تقديم “مستخلص” لنا, أي دفعة مقدمة إلا أننا رفضنا ليكون العقد ساري المفعول.

وأضاف الشريف ,أن هذه العوامل دفعتنا إلى إيقاف العمل والذي جاء على إثر خسائر تكبدناها بسبب التوقف منها خسائر 4% بسبب هبوط الدولار, حيث أن تكلفة المشروع مليون ونصف دولار ونحن في بداية المشروع منذ أن كنا نحفر ونجهز الأساسات, وكان لغلاء الاسمنت دور في زيادة الخسارة حيث كنا نأتي بطن الاسمنت ب475 شيكل واليوم أصبح ب ـ518 شيكل من الجانب الإسرائيلي , كما كان لارتفاع سعر للسولار أثر إضافي في الخسارة.

ووصف الشريف, “ما زاد الطينة بلة ,المنخفض الجوي الأخير الذي تعرض له قطاع غزة والذي لم نتوقعه حيث زاد من خسارتنا بسبب المياه التي غمرت الحفرة المقامة للمشروع وتوسعها مما جعلها غير صالحة للعمل فأصبحت تحتاج إلى حصمة جديدة وتصميم جديد تكاليفها أصبح يتحملها المقاول وحده, كل هذه الأعباء دفعتنا إلى أن تخذ قرار بإيقاف العمال والمهندسين عن العمل بسبب عدم قدرتنا على دفع رواتبهم في ظل عدم توفر المواد الإنشائية والتي زادت من الخسارة التي وصلت إلى 100 ألف دولار”.

وأشار الشريف إلى أن الشركة وجهت 15 رسالة إلى الوكالة “الأنروا” بتعويضيهم على تلك الخسائر والتي طالبوا فيها من باب بند”القوة القاهرة” التي تلزم الطرف الآخر على التعويض في ظل الظروف الخارج عن إرادة المقاول , حيث وانتظروا رد الوكالة إلى أن جاءت رسالة تصرح بعدم استلام الوكالة أي رسالة مسبقة منهم , ثم تبعتها رسالة رد من “روبرت” مدير وكالة الغوث”الأنروا” في غزة إليهم  بكل تواريخ الرسائل الـ15 التي بعثوها مسبقاً إليهم , حيث أجابهم بأن الوكالة لا تستطيع تعويضهم بحجة أن من واجب المقاول الفلسطيني و”الأنروا” أن يكونا يدا واحدة في خدمة الشعب الفلسطيني وعليهم يجب أن يتحملوا الخسائر وحدهم , متناسياً أنهم شركة مقاولات وليسوا مؤسسة إغاثية.

يستمر الحصار ويستمر التضييق والخناق الاقتصادي على قطاع غزة ويبقى السؤال حاضراً , هذه خسائر أحد القطاعات في قطاع غزة, فما بال باقي القطاعات الأخرى التي تصارع الإفلاس من أن أجل البقاء؟!.

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن