مطالبات باستراتيجية فلسطينية واضحة للتعامل مع التطرف الإسرائيلي

مركزية فتح

تباينت ردود الفعل الفلسطينية، على نتائج الانتخابات الإسرائيلية، فمنها ما أتى بسرعة على لسان بعض الساسة، ومنها ما كان دبلوماسيا، وفي السياق المعروف للردود الفلسطينية، لاستمرار كسب الدعم الدولي، وعدم الظهور بمظهر الطرف المتعنت والرافض لنتائج انتخابات بلد آخر، بالرغم من إجماع كافة الردود، على أن الانتخابات تظهر المزيد من التطرف تجاه الفلسطينيين، ورفض قيام دولة فلسطينية.

لكن اجتماع اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية في رام الله، كان المرة الأولى التي يتحدث فيها الرئيس الفلسطيني محمود عباس معلقاً على نتائج الانتخابات، فيما اعتبرت قرارات اللجنة، هي الرد الفلسطيني الرسمي على نتائج هذه الانتخابات، التي أعادت إنتاج اليمين الإسرائيلي المتطرف، بزعامة بنيامين نتنياهو وحزبه الليكود.

وقال “نحن أكدنا ونؤكد أننا لا نتدخل في الشؤون الداخلية الإسرائيلية، ولكن من حقنا أن نسأل عن العرب الفلسطينيين داخل إسرائيل، ماذا يعملون، وماذا يمكن أن يعملوا، وكيف يؤدون واجبهم، وكيف يأخذون حقوقهم كمواطنين؟ ومن هذه الزاوية كنا نتابع”.

وتطرق الرئيس أبو مازن، بوضوح إلى تصريحات نتنياهو وليبرمان العنصرية بالقول “ما سمعناه مقلق جدا، ولا أقول إن هذا الحديث جديد، عندما قال نتنياهو أنه لم يعد هناك حل الدولتين، وأنه لا يريد أن تقوم دولة فلسطينية، بالإضافة إلى أن أفيغدور ليبرمان يقول إنه لا بد من قتل كل العرب في إسرائيل، هذه أحاديث عنصرية” كما وصفها الرئيس، وأضاف “إن صح هذا الكلام، فمعنى ذلك أنه لا توجد جدية لدى الحكومة الإسرائيلية للحل السياسي الذي يؤدي إلى إقامة دولتين على أساس الشرعية الدولية، دولة فلسطينية على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس، وحل كل القضايا العالقة.”

وفي خضم هذه التطورات، أعلن الرئيس عباس صراحة رده على نتائج الانتخابات الإسرائيلية بالقول “لذلك نحن لن نتراجع عن مواقفنا في المطالبة بتحقيق الشرعية الدولية، وكذلك من حقنا أن نتوجه إلى كل مكان في العالم من أجل تحقيق الحق حسب الشرعية الدولية”.

ويبدو أن قرارات اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، والتي قررت تنفيذ قرارات المجلس المركزي، ستكون بمثابة الاستراتيجية الفلسطينية المقبلة، للرد على إعادة انتخابات نتنياهو، وبالتالي المزيد من التطرف، والمزيد من التعنت تجاه الفلسطينيين وقضيتهم.

وقررت اللجنة التنفيذية أن تذهب في ثلاثة اتجاهات، الأول هو تكليف اللجنة السياسية وقادة الأجهزة الأمنية والجهات المعنية، بوضع خطة مفصلة لتطبيق وقف التنسيق الأمني مع مؤسسات الاحتلال، وكذلك بحث الملف الاقتصادي بكل جوانبه.

والثاني هو بتوجه وفد فلسطيني موحد، يضم ممثلين عن مختلف فصائل العمل الوطني، إلى قطاع غزة  للبدء بحوار شامل بمشاركة حركتي حماس والجهاد الإسلامي، من أجل تنفيذ جميع ما جرى التوصل إليه في الاتفاقيات السابقة، وما اتخذه المجلس المركزي من قرارات بشأن المصالحة الوطنية، وهو الملف الأهم بالنسبة للفلسطينيين لإنجاز المصالحة والبقاء موحدين ما يقوي موقفهم الدولي.

أما الاتجاه الثالث، فهو إتخاذ التدابير اللازمة لإكمال خطوات الإنضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية، وما يتبعها من إجراءات بشأن التقدم بقضايا الاستيطان والعدوان الإسرائيلي المتكرر ضد شعبنا ووطننا، وخاصة في قطاع غزة.

وقال المحلل السياسي الفلسطيني، راسم عبيدات، لصحيفة “القدس العربي” اللندنية أنه وفي البداية يجب القول أن الخلاف بين الأحزاب الإسرائيلية ليس جوهرياً في القضايا الإستراتيجية والسياسية والموقف من حقوق شعبنا الفلسطيني، بل هي أدوار تلعب، اليمين المتطرف يعبر عن مواقفه بشكل واضح وصريح، وما يسمى بالوسط واليسار، يعبرون عن المواقف نفسها ولكن مغلفة بدبلوماسية، الإستيطان، القدس، اللاجئين، الكتل الإستيطانية الكبرى.

وقد أثبتت نتائج الإنتخابات أن المجتمع الإسرائيلي، مجتمع يميني متطرف ويشهد إنزياحات واسعة نحو التطرف والعنصرية، وأثبتت كذلك أن المحرك الرئيسي في صنع السياسة الإسرائيلية العامة، لم يعد الأمن، بل هو واحد من تلك العوامل، وأن المقرر الأساسي في ذلك هو الإستيطان، وقد إستطاع أنصار التيار الصهيوني الحاكم، قوى اليمين المتطرف، المؤمنون أن الظروف الفلسطينية والعربية والدولية مؤاتية لهم، من أجل الإحتفاظ بالأمن والإستيطان والسلام معاً، ان يحققوا نصراً كبيراً على أصحاب نظرية الأمن المحرك الأساسي للسياسة الإسرائيلية.

واعتبر أن من الدلالات الهامة في هذه الإنتخابات أيضاً، هو السقوط المدوي لوسائل الإعلام الإسرائيلية والإستطلاعات الموجهة، والتي خضعت الناس وصورت الأمور على ان نتنياهو والليكود لن يحصلوا على عشرين مقعداً، حتى ان نتنياهو نفسه لم يتوقع النصر الذي حققه، فهو مهد لخسارته بالقول عن دعم خارجي من اجل إسقاطه.

وقال عبيدات أن ما يثير استغرابه، هو سذاجة وسطحية بعض التحليلات والتمنيات للعديد من الكتاب والقادة الفلسطينيين والعرب، والتي ترى أن التطور الدراماتيكي والتغير الأبرز هو القوة العربية الموحدة في الكنيست (14) مقعداً، وكذلك الرهان على المعسكر الصهيوني هرتسوغ ليفني، وأن فوزه، هو بمثابة تحطيم لليمين الإسرائيلي، أو انقلاب جذري في السياسة الإسرائيلية، والبعض العاجز فلسطينياً وعربياً، كان ليس فقط يتمنى أن تفوز ما يسمى بقوى الوسط واليسار الصهيوني ليفني- هرتسوغ مع التحفظ على التسمية، بل كان يهلل ويطبل ويزمر فرحاً وإبتهالاً، وكأن هذا المعسكر سيسلم مفاتيح القدس، وسيقتلع كل المستوطنات من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، وسيمنح العرب في الداخل الفلسطيني حقوقهم كأقلية قومية في دولة الإحتلال.

أما الآن، فلن يفيد التذاكي ولا التباكي ولا الندب، الحقيقة عارية، وليست بحاجة إلى إنتظار أو رهان، علينا أن نغادر خانة رهن حقوقنا وقضيتنا وثوابتنا على من سيفوز في الانتخابات الأمريكية والإسرائيلية، فهذا الرهان ثبت عقمه وفشله وعدم واقعيته، فكم مرة تغيرت الحكومات الأمريكية والإسرائيلية، وكنا نطلق التمنيات أن يفوز فلان أو علان من المرشحين في الانتخابات الإسرائيلية والأمريكية ومن أحزاب مختلفة، حتى وصلت بنا الأمور إلى حد دعم ومساندة العديد من المرشحين، ومن بعد فوزهم نكتشف أن شيئاً لم يتغير.

وقال عبيدات، أن السؤال الأهم الآن، هو ما العمل؟ وبماذا سنرد على نتنياهو، الذي قال لا إنسحابات ولا دولة فلسطينية غرب نهر الأردن ولا تقسيم للقدس، والرد يجب ان يكون إعلانا رسميا من القيادة الفلسطينية بالإنتهاء الكلي من المرحلة الانتقالية، التي بدأت عام 1994 وان دولة فلسطين ستصبح الواقع السياسي الجديد، بدلا من التكوين الانتقالي الذي طال أمده 21 عاما. ومن هنا تبدأ رحلة العمل، رحلة تبدأ بتعطيل كل الاتفاقات مع دولة الكيان من التنسيقات المختلفة الأشكال، إلى سحب الاعتراف بدولة الكيان، وسابقة لخطوة الذهاب للجنايات الدولية، أو أي خطوات أخرى.

وختم بالأهم، حيث “لا بد من رسم استراتيجية فلسطينية شاملة وموحدة، بعيدة عن لغة المناكفات و”الجعجعات” و”الهوبرات” إستراتيجية تفرض حضورا حقيقيا لفلسطين في مواجهة المشروع العنصري الاحتلالي، ولم يعد هناك مجال للبحث عن الحجج والذرائع، والتغني بالواقعية والعقلانية، فنتنياهو تحدث في كل شيء وأعلن كل شيء، وكما يقول المأثور الشعبي “قطعت جهيزة كل خطيب”. انتهى الوهم يا سادة، نتنياهو بات واقعا أمامكم، فلا مناص من أن تقرروا ما يجب أن يكون، لقضيتكم وشعبكم ومصالحكم الوطنية العليا، والتاريخ لن يرحم المتخاذلين أبداً!”.

من جهته، اعتبر المدون محمد أبو علان، المختص في الشأن الإسرائيلي، في حديث لـ”القدس العربي”، أن انتظار الفلسطينيين لتغيرات مع تشكيل حكومة الاحتلال الإسرائيلي المقبلة، هو عبارة عن نوع من العبث السياسي، وذلك ليس بسبب وجود نتنياهو في رئاسة الحكومة، بل أن الشركاء معه في هذه الحكومة لا يختلفون معه في طروحاتهم السياسية بل أن جزءا منهم يمكن تصنيفهم أكثر تطرفا منه في بعض المواقف.

ففي الوقت الذي أعلن فيه نتنياهو أنه لن تقوم دولة فلسطينية حال تم انتخابه، فان خطة نفتالي بنت رئيس حزب البيت اليهودي وأحد حلفائه الأساسيين، السياسية للحل مع الفلسطينيين تقوم على أساس ضم المناطق المصنفة (ج) للسيادة الإسرائيلية، ومنح السكان فيها الجنسية الإسرائيلية كون الاستيطان الإسرائيلي يتركز في هذه المناطق، ومنح السيادة الكاملة للسلطة الفلسطينية على المناطق المصنفة (أ و ب)، وفتح طرق فيها تمكن الفلسطيني من المرور من جنين إلى بيت لحم دون المرور في مناطق (ج).

وأما الشريك الآخر أفيغدور ليبرمان رئيس حزب إسرائيل بيتنا، يقول أبو علان،  فخطوط الأساس التي يريدها للحكومة الإسرائيلية المقبلة هي حكم الإعدام للفدائيين الفلسطينيين، وإسقاط حكم حماس، وفرض الولاء للدولة اليهودية من سن (16) عاماً، ناهيك أن الحل السياسي الذي يريده للقضية الفلسطينية هو حل إقليمي بمشاركة مصر والأردن ودول عربية أخرى، بمعنى نفي الاعتراف بالشعب الفلسطيني ومؤسساته القيادية الممثلة له. وتابع أبو علان في الحديث عن الشريك الثالث لنتنياهو، وهم الأحزاب الدينية التي تـتــقــاطع مواقفهم مع مواقف باقي الشركاء.

وبالتالي لن يكون هناك أي تغيير إيجابي في المرحلة المقبلة، وستكون أربع سنوات عجاف للمفاوض الفلسطيني، وإن عادت المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين لن تكون أفضل من مرحلة المفاوضات الأخيرة، وربما تلجأ حكومة الاحتلال الإسرائيلي لإتخاذ مجموعة من الإجراءات (التي تسميها تسهيلات) تخفف من الضغط الاقتصادي على الشعب الفلسطيني، كنوع من الهروب من الاستحقاقات السياسية تجاه أي حل سياسي.

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن