نتنياهو يصعد بمظلة أميركية: لا دولة فلسطينية إلا بمفاوضات معنا

للوهلة الأولى يوحي الموقف الأميركي بأن الأزمة التي تواجهها المفاوضات، هي نتيجة خطوات سلبية أقدم عليها الطرفان، الإسرائيلي والفلسطيني، بأن الأميركي يحاول أن يؤدي دور الوسيط.لكن التدقيق في الموقف الأميركي والقضية المطروحة وتوالي الأحداث، يؤدي الى نتيجة مغايرة تماماً

ينبغي التمييز بين معرفة الأميركي بواقع الأمور، وبالتالي إدراكه لحقيقة المسؤول عن إفشال المسار التفاوضي حتى الآن، وبين ما يتخذه ـــ بناءً على هذه المعرفة ـــــ من مواقف عملية، والأهم في أي اتجاه تدفع.

في ما يتعلق بالحالة الأولى، المؤكد أن الأميركي يدرك أن تصلب وابتزاز الإسرائيلي المتواصل هو من أحرج الطرف الفلسطيني التسووي ودفع به الى خطوة التلويح بالتوجه نحو الأمم المتحدة. ومن الضروري الإشارة الى أن ما قد يتحدث به الأميركي في جلسات مغلقة عن مسؤولية الإسرائيلي في ما آلت إليه المفاوضات، لا يخدم منطق السلطة الفلسطينية وموقفها بشيء، ما دام لا يترجم بمواقف أكثر ملاءمة مع ما يعرفه عن الواقع.

أما في ما يتعلق بالموقف الأميركي العملي، فإن تحميله المسؤولية عن الأزمة التي تواجهها المفاوضات لخطوات أقدم عليها الطرفان، يعني تمهيد الطريق أمام محاولة حل تنطوي على تراجع الطرفين عن خطواتهما. بمعنى تراجع الإسرائيلي عما أعلنه من إلغاء الدفعة الرابعة من الأسرى، وما يلوّح به من خطوات عقابية متعددة.

في المقابل، يتراجع الفلسطيني عن خطواته باتجاه الأمم المتحدة. لكن ماذا عن المطلب الفلسطيني بضرورة تنفيذ الإسرائيلي تعهده بإطلاق سراح الدفعة الرابعة من الأسرى، بمن فيهم فلسطينيو 48، كجزء من التزامات المفاوضات التي انطلقت قبل أكثر من ثمانية أشهر؟

وماذا عن ربط الإسرائيلي لتنفيذ هذه الصفقة بموافقة الفلسطيني على استمرار المفاوضات، وبالتالي أن تكون جزءاً من صفقة أوسع وأشمل، كما تم خلال الصفقة التي جرت بلورتها بين جون كيري وبنيامين نتنياهو؟ تلك الصفقة التي تتضمن إطلاق سراح الجاسوس الإسرائيلي جوناثان بولارد، والتي في أعقابها أعلن الفلسطيني التوقيع على المعاهدات الدولية.

في ضوء ما تقدم، الصفقة التي كانت تجري بلورتها بين كيري ونتنياهو، واعتبار أن المسؤولية عن الأزمة التي تواجهها المفاوضات تعود الى خطوات الطرفين، تؤكد التزام الأميركي العملي للمطلب الإسرائيلي بأن تكون الدفعة الرابعة جزءاً من مخطط شامل يتضمن استمرار المفاوضات الى السنة المقبلة.

وعليه، فإن جوهر الموقف الأميركي يكمن في الدعوة للعودة الى ما قبل خطوة أبو مازن، وبالتالي الى صفقة بولارد.

والمحطات التي مرت بها المفاوضات في الأيام الأخيرة، والمواقف التي ظللتها، تعكس حقيقة أن المفاوضات في جوهرها هي مفاوضات إسرائيلية أميركية، والسلطة الفلسطينية هي في موقع المتلقي أكثر من كونها طرفاً فاعلاً.

وما الخطوة التي أقدم عليها أبو مازن إلا محاولة اعتراض ودخول على هذا المسار. إلا أن جدية السلطة تكمن في المدى الذي تستطيع بلوغه ابتداءً، فيما تلوح به، بعيداً عما ستدفعها إليه الحكومة الإسرائيلية عندما لا تترك أمامها خيارات بديلة. وفي هذا المجال، تراهن إسرائيل على أن السلطة لا تملك الإرادة بالتوجه نحو خطوات جدية تؤدي الى تحميلها مسؤولية فشل المفاوضات، الأمر الذي يمنح الدولة العبرية هامشاً أوسع بالإقدام على خطوات أكثر إيلاماً، ومن جهة أخرى على التصلب في مواقفها التي هي محور التجاذب مع السلطة في المرحلة الحالية.

أما في ما يتعلق بالإعلان الإسرائيلي عن عطاءات لنحو 700 وحدة سكنية في حي جيلو في القدس المحتلة، الذي سبق خطوة أبو مازن بالتوقيع على 15 معاهدة دولية، لا شك بأن السلطة تعارضه بشدة، لكن يبدو أن الطريق لإيجاد مخرج ملائم له بات جاهزاً، بعدما تم التمهيد لذلك من خلال إشارة أحد المسؤولين الأميركيين إلى أن ما جرى ليس سوى تكرار لإعلان سابق، تم اختيار توقيته من قبل وزير الإسكان الحالي أوري أريئيل المعارض للصفقة التي كانت تجري بلورتها بين كيري ونتنياهو.

وفي السياق نفسه، ألقت وزيرة القضاء ومسؤولة ملف المفاوضات تسيبي ليفني في الحكومة الإسرائيلية، في مقابلة مع القناة الثانية، في التلفزيون الإسرائيلي، المسؤولية عن هذه الخطوة على شخص وزير الإسكان، أريئيل، متهمة إياه بأنه «سعى من خلال ذلك الى تفجير المفاوضات مع الفلسطينيين، وبذلك تسبب بأن يتهمنا العالم بالمسؤولية عن الفشل».

في هذه الأجواء، افتتح رئيس الوزراء الإسرائيلي جلسة الحكومة أمس، باتهام رئيس السلطة أنه «أقدم على التوجه الأحادي للانضمام الى 14 معاهدة دولية، عندما اقتربنا الى الاتفاق على استمرار المحادثات»، واصفاً ذلك «بالخرق الجوهري للتفاهمات التي تحققت نتيجة التدخل الأميركي»، متجاوزاً حقيقة أنها أتت رداً على تجاهل المطالب الفلسطينية المتواضعة.

وكجزء من مواصلة سياسة تدفيع الطرف الفلسطيني الأثمان، لجرأته على الاعتراض والمطالبة بتنفيذ التزامات أشرفت عليها الإدارة الأميركية، وفي محاولة لردعه عن المضيّ في الخيار الذي يلوّح به، رأى نتنياهو أن «تهديدات الفلسطينيين بالتوجه الى الأمم المتحدة لن تؤثر علينا».

وأكد نتنياهو أن «الفلسطينيين سيحققون دولة فقط عبر مفاوضات مباشرة، وليس عبر شعارات فارغة من المضمون، ولا حتى بمسارات أحادية»، مشيراً الى أن هذه الخطوات ستبعد اتفاق السلام. وهدد أيضاً بأن «أي خطوات أحادية من قبل الفلسطينيين سيردّ عليها بخطوات أحادية من قبلنا»، معرباً عن استعداده لمواصلة المحادثات، «ولكن لن نفعل ذلك بأي ثمن».

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن