نفحة وبرد الشتاء؟!

وليد الهودلي
وليد الهودلي

يروى أن مصلحة السجون الإسرائيلية قبل أن تقيم سجن نفحة أسكنت مجموعة من الأغنام في ذات الموقع لترى هل تبقى على قيد الحياة أم لا؟ يبعد سجن نفحة عن رام الله مائة وتسعين كيلو متر ويقع على هضبة عمق الصحراء جنوب فلسطين، بارد شديد البرودة شتاء وحار قائظ في الصيف، وقد بنوا بجواره سجن ريمون. سجن نفحة يستوعب قرابة الستمائة أسير غالبا ما يكونون من ذوي الأحكام العالية.

وللوقاية من برد الشتاء القاسي ليلا لا يوجد أي نوع من أنواع التدفئة، لا يوجد مكيفات ولا صوبات، التدفئة الوحيدة هي المزيد من الأغطية فإذا كان فيها نقص كما هو الحال أغلب الأوقات، واذا أضفنا الى ذلك سوء التغذية وعدم تطعيم الوجبات بما يتناسب مع هذا البرد؛ فإن الشتاء يكون مريرا وقاسيا، أذكر أن بعض الأسرى كان يلبس كل ما لديه من ملابس إذا جن الليل ثم يبيت فيها تحت بطاطينه، وكنا ننتظر الصباح لنخرج إلى الرياضة كي نحرك الدورة الدموية ونتحرر من ذاك البرد..

قصة أسرانا مع برد الصحراء صعبة، سجون صحراوية: نفحة والسبع والنقب أقيمت خصيصا لممارسة التعذيب الممنهج، والمقصود هو دفْعُ الأسير ليتخلى عن قضيته، حتى إذا خرج من السجن فإن أول قرار يتخذه عدم العودة إلى السجون والابتعاد عن كل ما يؤدي إليها، وبالتالي التخلّي عن قضيته التي سجن من أجلها.

ويعدُّ هذا الاختيار لهذه الأمكنة مخالفا لقوانين جنيف في حق الأسرى، إذ تلزم تلك القوانين وضع أسرى الحرب في المناطق المحتلة، ولا يجوز احتجازهم في مناطق بعيدة وخارج المناطق المحتلة.

ورغم أن هذا يكلف كثيرا مصلحة سجون الاحتلال في عملية نقل الأسرى إلى محاكمهم، والبوسطات التي تقطع مسافات بعيدة في رحلتها إلى المحاكم، إلا أن الهدف هو المزيد من العذاب، لذلك فإن عقولهم الحاقدة أقامت هذه السجون في عمق الصحراء رغم الكلفة المادية العالية.

وتتضاعف المعاناة عند الأسرى المرضى في هذه السجون البعيدة، فعند الحالات الطارئة التي تستوجب النقل إلى المستشفى يقف السجن عاجزا لساعات طوال، والأسير المريض ينتظر قدوم البوسطة، ويضرب الألم أطنابه كذلك في جسمه المنهك فترة السفر الطويلة في البوسطة.

سجن نفحة هو نفحة دائمة من العذاب مستقرة في جسم الحركة الأسيرة، واذا أضفنا عذاب أهالي الأسرى عند سفرهم هذا السفر الطويل لزيارة ابنهم، فإن هذه النفحة المرعبة تصيب الاثنين: الأسير وأهله في ضربة واحدة.

فرحلة الزيارة تستغرق ذهابا وإيابا ما يزيد عن اثنتي عشرة ساعة كلها عذاب ومرمرة، ترى الأطفال يتضورون ألما، وترى الأم المسنة المنهكة، وترى مريض القلب والسكري والضغط..

كل ذلك يُصهر في بوتقة العذاب لعلها تروي عشقهم للانتقام وروحهم الشريرة التي لا تشبع من تعذيب الفلسطينيين.

 

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن