نيويورك تايمز: هكذا تمكن “داعش” من إدارة “دولة الخلافة”

داعش

كشفت صحيفة “نيويورك تايمز” تفاصيل واسعة عن تنظيم “داعش” وكيفية إدراته للدولة التي أعلنها على مساحات شاسعة من العراق وسوريا.

فبعد أسابيع من سقوط دولة “داعش” في الموصل شمال العراق، سافر عدد من صحفيّي نيويورك تايمز خمس مرات متتالية إلى الموصل؛ وفتّشوا في مقرّات التنظيم ومكاتبه المختلفة، وتمكّنوا من جمع 15 ألف وثيقة مختلفة، وحتى لا يقعوا ضحيّة التزوير، قامت الصحيفة بعرض الوثائق على مختصين والتأكّد من صحّتها، حيث تبيّن أن تلك الوثائق صحيحة.

تقول الصحيفة إن الوثائق التي تم جمعها تشمل وثائق نقل ملكيات الأراضي، وعقود بيع وشراء، والغرامات على المخالفين، وعقود توثيق الولادات الجديدة، ووثائق سفر، وشهادات، وكتباً مدرسية، ولوحات معدنية، بالإضافة إلى وثائق تتعلّق بعقود الإيجار، والضرائب والزكاة، وغيرها الكثير من الوثائق التي تشرح كيف كان التنظيم يدير تلك المساحات الشاسعة التي كان يسيطر عليها لأكثر من ثلاث سنوات.

وبحسب الصحيفة الأمريكية، فإن التنظيم نجح في إقامة دولته الخاصة -ولو لفترة بسيطة- وتسيير أمورها، ولم يعتمد على القوة من أجل ضبط إيقاع الحياة في المناطق التي كانت تحت سيطرته، وإنما كان يستخدم نظام إدارة “بيروقراطياً” في تسيير حياة الناس.

كما تشير الوثائق التي حصلت عليها الصحيفة إلى أن التنظيم أقام مكاتب لجباية الضرائب، ومكاتب لنقل ملكية العقارات، ومكاتب للزواج، ووثائق أظهرت وجود ما يُعرف بفحص ما قبل الزواج لضمان صحة الأطفال، بالإضافة إلى مكاتب إصدار بطاقات الميلاد للمواليد الجدد، وكلها وثائق كانت تحمل شعار التنظيم.

الصحيفة الأمريكية قالت إن التنظيم لم يُدر المناطق الخاضعة لسيطرته بالعنف والقوة، بل إن البيروقراطية كانت حاضرة، فلقد أظهر التنظيم مهارة تفوق مهارة حكومات بغداد أو دمشق في إدارة أمور المناطق التي سيطر عليها، وسارع التنظيم بعد احتلاله الموصل إلى إزالة النفايات التي تكدّست قبل دخوله المدينة، وأيضاً عمل على إعادة التيار الكهربائي بسرعة.

كما سارع التنظيم عقب سيطرته على الموصل إلى دعوة كافة موظّفي الخدمة المدنية للالتحاق بوظائفهم، وهدّد بعقوبات على من لا يلتحق بوظيفته، حيث استعان التنظيم بتلك الخبرات التي كانت موجودة في المدينة قبل احتلال التنظيم لها.

وبحسب مقابلات أجرتها الصحيفة مع عراقيين عاشوا تحت حكم تنظيم الدولة الإسلامية في الموصل، فإن المهارة التي أظهرها التنظيم في إدارة المدينة فاقت مهارة حكومة بغداد، وأثبت التنظيم قدرة فائقة على التعاطي مع يوميات المدينة، وخاصة في المراحل الأولى من عمر حكم التنظيم للمدينة.

التنظيم -على ما يبدو- استفاد من أخطاء الولايات المتحدة الأمريكية عقب احتلالها العراق؛ عندما استغنت عن الكثير من الكوادر الحكومية العراقية لأسباب مختلفة، حيث عمد التنظيم إلى الاستعانة بالكوادر المحلية في المدينة، واستفاد من خبراتها، وهو ما سهّل عليه إدارة أمور المدينة.

وبحسب الصحيفة، فإن الوثائق أظهرت أن التنظيم أقام “خلافته” على أساس الهيكل الإداري الموجود في المناطق الخاضعة لسيطرته، وإن أحد أهم أسباب نجاح التنظيم “إدارياً” أنه اعتمد على مبدأ تنويع مصادر الدخل، فالنفط لم يكن المصدر الوحيد لتمويل عمليات التنظيم، وإنما كان التنظيم يجبي من القطاع الزراعي مبالغ مالية كبيرة، أكبر بكثير مما كان يحصل عليه من النفط، حتى إن قيمة المبالغ التي حصل عليها التنظيم من الزراعة فقط وصلت إلى ملايين الدولارات.

لم يكن التنظيم، بحسب الصحيفة، يتلقّى أي تمويل خارجي كما كان يعتقد البعض، وإنما اعتمد على موارده الذاتية لتمويل دولته بمختلف قطاعاتها، خاصة أن إيرادات الضرائب المختلفة كانت تشكّل داعماً مالياً كبيراً للتنظيم.

وعلى سبيل المثال، تقول الصحيفة، إن إيرادات الضرائب المختلفة، بلغت نحو 800 مليون دولار سنوياً، متجاوزة قيمة ما صدّره التنظيم من نفط بنحو ست مرات.

واعتبرت الصحيفة أن محاولات التحالف الدولي منع التنظيم من الحصول على موارد مالية عن طريق قصف ناقلات النفط أو قصف المواقع النفطية لم تكن ناجحة؛ لأن التنظيم لم يكن يعتمد على النفط بشكل كبير في الحصول على موارده.

وذكرت الصحيفة أن المسلّحين، بعد وقت قصير من سيطرتهم على الموصل، منعوا النساء من العمل وأغلقوا رياض الأطفال، وكذلك القسم القانوني لإدارة الزراعة (التي تحوّلت إلى ديوان الزراعة)، مدّعين أن تسوية جميع الخلافات ستتم بموجب “شرع الله”.

وفرض داعش حظراً على التنبّؤ بالأجواء؛ مدّعين أن الأمطار تهطل “بإذن الله”، ومنع الموظفين من حلق لحاهم وأجبرهم على ارتداء سراويل واسعة.

وبعد تثبيت مواقفهم في الأراضي المحتلة، أجبر داعش النساء على ارتداء الحجاب في الشوارع، وشرع في تشديد الإجراءات العقابية بحق “المخالفين”.

وسرعان ما وزّع داعش على الموظفين وثيقة تتألّف من 27 صفحة تحمل تسمية “خلافة على منهاج النبوة”، حيث أعلن عن “تأميم” جميع الممتلكات التابعة للشيعة والمسيحيين والإيزيديين والعلويين الذين فرّوا من المنطقة قبل سيطرة التنظيم عليها، ولهذا الغرض تأسّس ما يسمى “وزارة غنائم الحرب”، التي تولّت المسؤولية عما صودر في منازل غير السنّة.

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن