هكذا توزع إيران الموارد على قواتها..ومفاجأة بفيلق القدس

هكذا توزع إيران الموارد على قواتها..ومفاجأة بفيلق القدس
ايران

أهداف إيران العسكرية واضحة المعالم إلى حد ما، خاصة أنها انعكاس جلي للعقيدة السياسية الرامية إلى التدخل في شؤون البلدان الأخرى تحت شعار ينص عليه دستور ثورة 1979، وهو “دعم المستضعفين” وهؤلاء المستضعفون لهم تعريف عقائدي مذهبي فضفاض، إلا فيما يتعلق بولائهم لطهران كشرط رئيسي يشمل هذا التعريف. ومن هذا المنطلق يمكن فهم العقيدة العسكرية الإيرانية الميليشياوية التي تحدد استراتيجية الحرس الثوري وتكتيكاته بصفته أكبر جيش مليشياوي في العالم وأكثرها تنظيما وقوة.

ومحاولة لفهم أفضل للأنشطة العسكرية الإيرانية بشكل عام، من الضروري فك شفرة الإنفاق العسكري الإيراني الذي يكتنفه الغموض خلافاً للأهداف العسكرية الإيرانية بغية معرفة مصادر الميزانية، التي لم تخضع يوما ما للشفافية، حيث إن ما تخصصه الميزانية السنوية الإيرانية للقوات المسلحة بشكل رسمي، ويتم مناقشته في أروقة البرلمان ليس هو المصدر المالي الوحيد للقوات العسكرية الإيرانية.

ولهذا الغرض نشر المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية (IISS)، وهو معهد أبحاث بريطاني في مجال الشؤون الدولية دراسة أجرتها، جنيفر تشاندلر (Jennifer Chandler)، تضمنت تحليلا دقيقا لميزانية إيران للفترة 2018-2019، والتي تظهر المسار التصاعدي للإنفاق العسكري والتغييرات الرئيسية في كيفية تخصيص الموارد.

ضباط في الجيش النظامي الإيراني

وتشير الدراسة إلى حقيقة، ألا وهي أن الميزانية السنوية الإيرانية هي مجرد لقطة صغيرة من التكاليف الرسمية والعلنية للبلاد، حيث إن العديد من المؤسسات، وخاصة القوات المسلحة، بإمكانها الوصول إلى موارد مالية من خارج دائرة الموازنة، والتي تمكنها من استخدامها كي تزيد من حجم مصادرها المالية.

الحرس الثوري والشركات الخاصة
ولهذا الغرض، ينشط الحرس الثوري بقوة في مجال إنشاء شركات خاصة على مستوى البلاد، بغية زيادة الإيرادات، ويستخدم نفوذه السياسي القوي للحصول على عقود في مجال البنية التحتية والمناقصات الخاصة، والتي تشمل الإسكان والطاقة ومد الطرق والمواد الغذائية والنقل.

الإنفاق العسكري الإيراني الشامل
ولمعرفة الإنفاق العسكري الإيراني الشامل، لا يكفي الإطلاع على ميزانية الجيش النظامي والحرس الثوري وقوات الباسيج، بل ينبغي أن تؤخذ في عين الاعتبار ميزانية قوات الشرطة والمؤسسات الخاصة بتقديم الخدمات الرفاهية للقوات المسلحة، فضلا عن تمويل عدد كبير من مراكز التدريب العقائدي والسياسي، والمنظمات والجامعات المنخرطة في شؤون الدفاع والخدمات للقوات العسكرية والتي مهمتها تدريب وزرع عناصر في القوات المسلحة، تلائم عقيدة النظام المذهبية.

وبما أن الشفافية في العمل تمهد الطريق لخضوع المؤسسات للمساءلة، فإن عملية تنظيم وتقديم الميزانية في إيران تتم وسط هالة من الغموض المتعمد. كما أن الميزانية العسكرية الإيرانية بدلاً من أن تناقش بهدف تلبية احتياجات الوزارات والأجهزة والأقسام التابعة لها، إلا أن المتابعين للشأن الإيراني يجدون أن إعدادها هو نتيجة المساومة بين أجنحة وتيارات السلطة، لذا فإن قوة أجنحة السلطة تشكل العامل الرئيسي في تخصيص الميزانية للأجهزة الخاضعة لهذه الأجهزة.

استنتاجات حول الميزانية
وعلى ضوء هذا الشرح ونظرا للتحديات وقلة المصادر بخصوص الميزانية العسكرية الإيرانية فقد استخلص المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية (IIS) خمس نتائج رئيسية للميزانية الإيرانية لعام 2018-2019، تتلخص في التالي:

1- إن الموارد الرسمية المخصصة للشؤون العسكرية والدفاعية في إيران، أعلى بكثير من تلك التي تطلبها عادة جماعات الضغط والمتشددين داخل وخارج البرلمان. حيث تطلب وسائل الإعلام التابعة للحرس الثوري ومعها كبار المسؤولين العسكريين من أمثال اللواء محمد باقري، رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية، وعلاء الدين بروجردي، الرئيس السابق للجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، فضلا عن عدد من المتشددين والأصوليين في البرلمان يطلب جميع هؤلاء من الحكومة تخصيص 5% من الميزانية العامة للشؤون العسكرية. وقد لبى البرلمان هذا الطلب في عام 2016، ونتيجة لذلك فقد بلغ إجمالي الإنفاق العسكري – مع الأخذ بعين الاعتبار جميع الجوانب- 921 تريليون ريال (19.6 مليار دولار).

اللواء غلام علي رشيد قائد مقر خاتم الأنبياء المركزي
يذكر أن الحكومة الإيرانية كانت قد خصصت 12 ألف تريليون ريال، أي ما يعادل (260 مليار دولار) لميزانية 2018-2019 وتم تخصيص 7.5% من الميزانية للنفقات العسكرية.

2- تسبب انخفاض سعر الريال الإيراني مقابل الدولار من أبريل إلى أكتوبر 2018 في أن تنخفض الميزانية العسكرية على مدار ستة أشهر من 21.6 مليار دولار إلى 19.6 مليار دولار. وتشير هذه الظاهرة إلى أن الارتفاع الدراماتيكي في الميزانية بالريال الإيراني لا يعني بالضرورة منح الأولوية من قبل النظام الإيراني لكافة الشؤون العسكرية.

ومع ذلك فإن الإنفاق العسكري الإيراني في عام 2018 وفقاً للأسعار الحقيقة فقد ارتفع بنسبة 53%، مقارنةً بخمس سنوات مضت.

3-تشير الميزانية المخصصة للفترة 2018-2019 لمقر خاتم الأنبياء المركزي (لا ينبغي الخلط بينه وبين مقر خاتم الأنبياء للبناء)، تشير إلى أهمية وتأثير هذا المقر المتزايد، خاصة بعد أن تسلم الجنرال غلام علي رشيد قيادة هذا المقر.

يذكر أن مقر “خاتم الأنبياء” المركزي تأسس أثناء الحرب العراقية الإيرانية في ثمانينيات القرن الماضي هو المقر المسؤول عن التخطيط والتنسيق والإشراف العملياتي للقوات المسلحة الإيرانية كافة من قبيل الجيش والحرس الثوري، وتراجع دوره بعد إنشاء “الأركان العامة للقوات المسلحة”، ولكن فقد أعلن مرة أخرى في عام 2016 أنه في حال نشوب أي حرب سيكلف هذا المقر مهمة التنسيق بين القوات المسلحة الإيرانية.

احتجاجات نهاية 2017 وبداية 2018

ووفقاً لبعض وسائل الإعلام الإيرانية، فإن المقر خاتم الأنبياء المركزي هو المسؤول عن “التنسيق في المجالات الدقيقة والحساسة في الشرق الأوسط”. وقائد هذا المقر، غلام علي رشيد، هو أحد القادة الرئيسيين للحرس الثوري الإيراني، وله علاقات وثيقة مع اللواء قاسم سليماني، قائد فيلق القدس، ذراع التدخل الخارجية للحرس الثوري الإيراني.

ويختلف هذا المقر عن “مقر خاتم الأنبياء للبناء” التابع للحرس الثوري الإيراني، والذي يعتبر في الوقت الراهن أكبر مقاول للمشاريع الحكومية في إيران والمصدر الرئيسي لموارد الحرس الثوري الإيراني خارج إطار الميزانية الرسمية.

4-يظهر استعراض الميزانية العسكرية الإيرانية للفترة (2018-2019) أن نفقات قوات الشرطة قد زادت بنسبة 84%، مقارنة بالعام المنصرم، وهي في الواقع أعلى زيادة في الإنفاق بعد دمج هذه القوات في الميزانية العسكرية العامة للبلاد.

وعلى هذا الأساس فإن ميزانية قوات الشرطة التي تمثل ما يقارب 16% من الميزانية العسكرية لإيران، تشهد ارتفاعا ملحوظا مقارنة بميزانية الجيش النظامي الإيراني. حيث تم تخصيص 12.1% من الميزانية العسكرية للجيش.

ومن المرجح أن الزيادة الكبيرة في ميزانية الشرطة المسؤولة مباشرة عن الأمن الداخلي على صلة بالاحتجاجات العامة والاستياء الشعبي من السلطة. وكانت إيران شهدت في نهاية 2017 ومطلع 2018 احتجاجات واسعة عمت 75 مدينة في مختلف أنحاء البلاد، ولا تزال الاحتجاجات مستمرة بين الحين والآخر وخاصة الاحتجاجات العمالية.

كما تبين دراسة ميزانية 2018-2019 أن 33% من الميزانية العسكرية للبلاد تم تخصيصها للحرس الثوري، ولا تتضمن هذه النسبة، الموارد المخصصة للمراكز والمرافق التعليمية والأيديولوجية والسياسية التي لها تعاريف منفصلة في الميزانيات المتعلقة بالحرس الثوري الإيراني، وبهذا فقد تبلغ ميزانية الحرس الثوري الإيراني حوالي 303 تريليونات ريال (ما يعادل 6.4 مليار دولار).

قوات الباسيج

5- وفي مشروع قانون الميزانية الذي تم تقديمه إلى البرلمان في عام 2017، فقد بلغت ميزانية فيلق القدس 10 تريليونات ريال (213 مليون دولار). ونفس القدر من التمويل خصص لبرنامج الصواريخ الإيرانية. ولكن لم يظهر في الميزانية لعام 2018 أي مبلغ تمويل فيلق القدس و البرنامج الصاروخي وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على أن لهما مصادر مالية خارج الميزانية العسكرية الرسمية للبلاد، كما أنه يكشف أن النفقات العسكرية الإيرانية لها بشكل عام موارد أخرى، وخاصة لتلك البرامج والأجهزة العسكرية التي تحظى بأهمية قصوى لدى المرشد الأعلى للنظام الذي يعتبر القائد الأعلى للقوات المسلحة الإيرانية.

وفي الختام استنتج التقرير أن المعطيات الأولية تشير إلى تغييرات في مستوى وطريقة تخصيص الموارد المالية للإنفاق العسكري الإيراني، ويظهر أيضا كيف تقوم إيران بمتابعة خططها الأمنية والدفاعية.

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن